التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القدس عاصمة الجرح المزمن.. خضعت لسياسة الأمر الواقع


آخر تحديث: السبت، ٩ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٧ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ جدة - عمر البدوي 

< البوصلة تعود مجدداً إلى عاصمة مأساتنا القديمة وقد كدنا ننساها، بعد أن فتحت للعرب عشرات الجراح الجديدة، ولما استنفدت أغراضها يقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب جرعة جديدة لسعير الفوضى في المنطقة. القدس أكبر مدن فلسطين التاريخية المحتلة مساحةً وسكاناً وأكثرها أهمية دينياً واقتصادياً، ولكن مصيرها بقي معلقاً لعقود، وتاريخها المعاصر بقي مأزوماً منذ أن مكّن الانتداب البريطاني اليهود من تأسيس دولتهم المزعومة.
تحتل المدينة المقدسة مكانة أثيرة في نفوس أتباع الديانات السماوية، إذ تُعتبر القدس مدينة مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلام.
شكلت المدينة عقدة سياسية معاصرة ابتدأت العام ١٩٤٨ وهو الوقت الذي بدأت فيه أزمة فلسطين المحتلة، ومنذ ذلك التاريخ ومصير المدينة لم ينجز، إذ يعتبرها المسلمون والعرب والفلسطينيون عاصمة دولة فلسطين المستقبلية بعد التحرير، كما ورد في وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية التي تمت في الجزائر بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1988، فيما تعتبرها إسرائيل عاصمتها الموحدة، إثر ضمها الجزء الشرقي من المدينة عام 1980، والذي احتلته بعد حرب سنة 1967، أما الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فلا يعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ويعتبر القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بضمها للدولة العبرية، مع بعض الاستثناءات.
يُعتبر النزاع القائم حول وضع القدس مسألةً محورية في الصراع العربي - الإسرائيلي، إذ أقدمت الحكومة الإسرائيلية بعد حرب سنة 1967 بين الجيوش العربية والإسرائيلية على احتلال القدس الشرقية التي كانت تتبع الأردن، وألحقتها بإسرائيل، واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها، إلا أن المجتمع الدولي بأغلبيته، لم يعترف بهذا الضم، وما زال ينظر إلى القدس الشرقية على أنها منطقة متنازع عليها، ويدعو بين الحين والآخر إلى حل هذه القضية من طريق إجراء مفاوضات سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من العاصمة الحالية لدولة الاحتلال الإسرائيلي تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، سيترك تأثيراً عميقاً على هذه المعادلة التي بقيت متماسكة منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وستثير زوبعة من الفوضى وقد استفزت مشاعر المسلمين ممن يولي الكثير من التقديس والتقدير لهذه المدينة.
وحاولت قيادات عربية وإسلامية كبح جماح هذه الخطوة ومنع ترامب من اتخاذها، ولا سيما أن أغلبية الدول في العالم لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لذا فإن معظم السفارات والقنصليات الأجنبية تقع في مدينة تل أبيب وضواحيها.
تغيرت ظروف المدينة منذ سقطت القدس بيد الجيش البريطاني بقيادة الفريق أول إدموند ألنبي في سنة 1917، بعد أن تقهقر الجيش العثماني مهزوماً أمامهم، وفي سنة 1922 منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين وإمارة شرق الأردن والعراق، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني. دخلت المدينة في عهد جديد تزامن معه زيادة أعداد المهاجرين اليهود، وضاعف من وتيرة الأمر وعد بلفور الذي أبرمته حكومة المملكة المتحدة مع ممثل الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل. زاد استياء المقدسيين من مسلمين ومسيحيين من مزاحمة اليهود، فقامت أعمال شغب في سنتي 1920 و1929، وعُرفت الأخيرة بثورة البراق، قُتل خلالها عدد من اليهود.
على رغم معارضتهم الحالية لقرار ترامب، كان للانتداب البريطاني دور كبير في محاولة إخماد الثورات، والإسهام في استقرار اليهود في المدينة من طريق بنائهم لأحياء سكنية كاملة في شمال وغرب المدينة، وإنشائهم لعدد من مؤسسات التعليم العالي، مثل الجامعة العبرية.
أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1947 بتدويل القدس تحت رعايتها وإشرافها، وجاء في القرار أنه سيُطبّق طوال 10 سنوات، ويشمل مدينة بيت لحم، وأنه بعد هذه الفترة سيتم إجراء استفتاء عام لتحديد نظام الحكم الذي يرغب أغلبية سكان المدينة بتطبيقه عليهم، إلا أن تطبيق هذا القرار لم يُكتب له أن يتم، بعد أن أعلنت بريطانيا في عام 1948 إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها.
استغلت العصابات اليهودية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية، فثار العرب عموماً والفلسطينيون خصوصاً وأعلنوا الحرب على إسرائيل، فهوجمت المدينة من الجيش العربي والثوّار الفلسطينيين، وقُتل عدد من الإسرائيليين في هذا الهجوم وتم أسر البعض الآخر.
انتهت حرب سنة 1948 بين العرب والإسرائليين بتقسيم القدس إلى شطرين: الجزء الغربي الخاضع لإسرائيل، والجزء الشرقي الخاضع للأردن، وأقيمت منطقة عازلة بين الجزأين، خاض العرب وإسرائيل حرباً أخرى في سنة 1967 انتصرت فيها الأخيرة، وقامت بالسيطرة على القدس الشرقية، وكان من نتيجة ذلك أن عاد اليهود ليدخلوا من دون أي قيود إلى أماكنهم المقدسة، كذلك أزيلت القيود المفروضة على المسيحيين الغربيين، أما المسجد الأقصى وقبة الصخرة فاستمرا خاضعين للأوقاف الإسلامية.
المبادرة العربية كانت تقدم الحد الأدنى من وصفة تضمن الاستقرار للمنطقة وتحمي قدسية المدينة من عائلة الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف هويتها وتاريخيتها، إذ كانت تطالب بالقدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطينية، منذ أن احتلها الإسرائيليون، في مواجهة ما أقره البرلمان الإسرائيلي في 31 تموز (يوليو) من العام 1980 «قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل»، الذي جعل إعلان القدس، بالحدود التي رسمتها الحكومة الإسرائيلية عام 1967، مبدأً دستورياً في القانون الإسرائيلي. أما مجلس الأمن فرد بقرارين، رقم 476 ورقم 478 سنة 1980 وجه اللوم إلى إسرائيل بسبب إقرار هذا القانون وأكد أنه يخالف القانون الدولي، وليس من شأنه أن يمنع استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 على الجزء الشرقي من القدس، كما يفترض أن تكون المدينة ضمن محافظة القدس التابعة لدولة فلسطين.



الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...