آخر تحديث: الأربعاء، ٢٢ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٧ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ جدة - منى المنجومي وعمر البدوي
شهدت مدينة جدة السعودية، منذ ساعات فجر أمس (الثلثاء) وحتى نهاية اليوم أمطاراً رعدية، تركزت غزارتها على الأجزاء الشمالية والغربية منها. وفي مشهد أصبح يتكرر سنوياً، تسببت الأمطار الغزيرة في حالتي وفاة وغرق شوارع عدة، ومقار جهات حكومية ومستشفيات ومراكز صحية وعدد كبير من المنازل جراء السيول، فيما انطلقت صافرات الإنذار في المحافظة على إثر اشتداد الحالة المطرية التي تشهدها المناطق الغربية من المملكة.
مشاريع التصريف لم تصمد «نصف ساعة» أمام المطر المتواصل
< بدأت التحذيرات تتنادى منذ وقت مبكر عن حال مطرية غير مسبوقة، والخوف يتردد في نفوس أهالي مدينة جدة من تكرار مأساة السيول التي تعود الى عام ٢٠٠٩، على رغم المشاريع العملاقة التي أنجزت لدرء مخاطر السيول وتجمعات الأمطار، ولكن الثقة تبددت أمام المشاهد والصور التي تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي ليلة البارحة، وكشفت عن جوانب كثيرة من قصور تلك المشاريع وظهرت جدة غير مستعدة لاستقبال ضيفها.
كانت مدينة جدة تعتقد أن كارثة السيول صفحة طويت منذ أقرّ مشروع تصريف مياه الأمطار والسيول، وتشكيل لجنة محاسبة المسؤولين عن الكارثة، ولكن إعلان اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إعادة التحقيق في ملف فساد كارثة سيول جدة بأثر رجعي جدّد المخاوف عن قيمة تلك الوعود التي أطلقت بشأن المشاريع وجديتها في ردّ المخاطر المحدقة بالمدينة لحظة أي طارئ قد تنذر به الأيام.
ووقع المحظور إذ كانت مدينة جدة على موعد لتكرار الذكرى البائسة التي حلّت بها عندما تعرضت لكارثة سيول جدة عام ٢٠٠٩ بعد حال مطرية غير مسبوقة، كشفت فيها عن ضعف قدرة المدينة على احتمال نسب المطر العالية، وتمخّضت الكارثة حينها عن مصرع ١١٦ شخصاً وأكثر من ٣٥٠ اعتبروا في عداد المفقودين، وعن تصميم على محاسبة المقصرين ومتابعة المتسببين في وقوع الكارثة بعد أن اجتاحت السيول المدينة وتسببت في خسائر مادية وبشرية بالغة.
ذكرى واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي ضربت المملكة لم تتكرر بحذافيرها إذ ساعدت الإجراءات الاحترازية المبكرة بتعليق الدراسة عن منع تدفق قرابة مليوني طالب في جدة من مواجهته، ولكن مشاهد الشوارع والكباري وهي غارقة بالمياه وحالات الاحتجاز والإنقاذ التي وثقتها مقاطع الفيديو وعدسات الكاميرات نكأت جرح الخميس 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 الذي لم ينس عندما امتلأت بعض الطرق بالمياه ووصل ارتفاعها إلى متر وأكثر، وغرق العديد من الضحايا داخل سياراتهم، وبحسب التقديرات السعودية الرسمية فإن 3000 سيارة تضررت من هذه السيول، إضافة إلى خسائر في البنية التحتية السعودية، قدرت بملايين الريالات.
ووجهت انتقادات واسعة حينها بسبب سوء إعداد البنية التحتية وعدم جاهزية مصارف السيول، واتهم المسؤولون بعدم الاستجابة السريعة للتعامل مع الكارثة الطبيعية، وكان رد الفعل لمعاقبة المتسببين والإسراع في إقرار المشاريع الخاصة بدرء مخاطر السيول وتجمعات الأمطار يرضي مشاعر أهالي المدينة، وربما نجحت في الحد من المخاطر الكارثية لما يتوقع أن يحدث بسبب كثافة انهمار الأمطار، ولكن مشهد غرق الشوارع ما سجّله الدفاع المدني من عمليات احتجاز في أحياء بشمال جدة أعاد النقاش إلى الدائرة الأولى للبحث عن المتسبب والخلل. كان أمس أشبه باختبار حقيقي وجاد لنجاح مشاريع التصريف التي وعد بها مسؤولو الأمانات خلال السنوات الماضية، وحال الترقب على أشدها لمتابعة جدوى تلك المشاريع والوعود، ولكن وسائل التواصل ومجالس النقاش لا تؤشر إلى رضا عن النتائج وهي تتابع مقاطع الفيديو الصادمة لشوارع وأحياء جدة.
بطبيعة الحال، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مقاصل لمحاسبة المقصرين، ومتابعة ظروف الموقف، والحث على حل جازم وحازم ينهي تكرار السؤال عن موعد لوقف هذا الارتباط غير السار بين المطر والخوف من الغرق.
وأبدى مواطنون ومقيمون كعادتهم موقف المساند للجهات الأمنية لأداء واجباتها والتعامل مع الحالات الطارئة التي تنتج من غزارة الأمطار وانتشارها، وشارك متطوعون في دعم عمليات الإنقاذ وفك الاحتجاز عن المركبات والمنازل المحاطة بالماء.
الفيليبيني داود إندا على خطى «فرمان خان» في ذاكرة جدة الغارقة في الماء
< بينما كانت شوارع مدينة جدة تغرق في مياه الأمطار، كانت شبكات التواصل تبث مقاطع فيديو تصوّر الحال المطرية وآثارها أولاً بأول، كان مشهد الوافد الفيليبيني داود شريف إندا وهو يسرع لإنقاذ حياة مواطن احتجزته سيول جدة، هو مشهد البطولة الذي استوعب كل اهتمام الناس وانتباهها، وشهد تفاعلاً غير عادي، تنادى على إثره الناس لتكريمه وتقدير موقفه.
تقاعس رجال الدفاع المدني عن نجدة المواطن وفك احتجازه، ولكن داود أسرع إليه، وفاز بالبطولة وتقدير الناس، وانضم إلى سجل الرائعين ممن يبادل هذه المدينة وأهلها كل الحب والوفاء، وكأنه جزء منها.
يذكّر هذا بسيرة البطل الباكستاني الذي لا يُنسى فرمان علي خان، الذي يحضر اسمه وموقفه البطولي في كل مرة يزور فيها المطر جدة، عندما أنقذ ١٤ شخصاً من سيول جدة في العام ٢٠٠٩، قبل أن يستشهد غرقاً. في الكيلو 13 جنوب شرقي جدة، كان مسرح بطولة فرمان خان، وهو يقاوم أمواج الماء لينقذ عشرات الأشخاص ممن أحاط بهم الماء، ونجح في تخليص ١٤ روحاً من عنق زجاجة الموت، قبل أن تجرفه المياه الهادرة وترمي به إلى الهلاك.
لقيت بطولته حينها كل تقدير، إذ منح وسام الملك عبدالعزير من الدرجة الأولى، وأطلقت أمانة محافظة جدة اسم الشهيد الباكستاني فرمان علي خان على أحد شوارعها الواقعة شرق المحافظة، واحتفظ أهالي جدة له بود وتقدير كبيرين، يذكرونه كل ما لاح برق واسودّ غيم.
ينضم إليه اليوم الفيليبيني داود مثل غيره من المواطنين والمقيمين، ممن بادلوا هذه الأرض الطيبة وفاءهم الكبير وتفانيهم الأثير.
وكرّم المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في أحياء المطار القديم بجدة (بلاغ) داود شريف إندا صاحب المقطع الشهير، الذي ظهر فيه وهو يقوم بإنقاذ رجل مسن إثر احتجازه داخل سيارته في أمطار جدة الأخيرة، وذلك في مقر المكتب وفي جامع بن يماني.
وقال محمد الميرابي من العلاقات العامة لدى المكتب، إن داود مسلم، ويعمل سائقاً خاصاً، وإن قيامه بهذه المهمة جاء بدافع إنساني، وحب الخير للناس، وحبه لهذا البلد وأهله، وإن الرجل المحتجز مسن، وكانت لديه إعاقة في إحدى قدميه.
وقام بتكريمه المدير التنفيذي للمكتب الشيخ طلال الأحمدي، وإمام الجامع القارئ سعيد الخطيب، وقدم له تذكار «بلاغ» من الدرجة الأولى، وتكفل المكتب بعمرة مجانية له وعائلته مع إقامة فندقية بجوار الحرم لليلتين، إضافة إلى التكفل بفريضة الحج له ولزوجته هذا العام، كما قُدِّم له مبلغ مالي تحفيزي نظير شجاعته.
وأضاف الميرابي أن الهدف من تكريمه هو تبني أصحاب المبادرات الإنسانية التي تأتي في إطار المسؤولية المجتمعية وتحت شعار «كيف نكون قدوة».
وعبّر داود عن سعادته البالغة بهذا التكريم، وأنه سيتمكن من أداء الحج والعمرة هذا العام.
الروابط :
تعليقات
إرسال تعليق