جدة - عمر البدوي
هل أتاحت شبكات التواصل الاجتماعية فرصاً للتعايش بين ممثلي التيارات المختلفة داخل الحراك السعودي، ما لا يمكن توفره وتصوره في الواقع؟ وهل ساعدت هذه الشبكات في خلق أجواء من النقاش والتقارب ساعد في بناء تصورات لم تكن لتبنى لولا ظروف التعايش الفكري والتجاور الثقافي في شبكات التواصل، أم أن هذه الشبكات عمقت الفجوة بين التيارات وممثليها؟ أسئلة طرحتها «الحياة» على عدد من الكتاب.
أستاذ الإعلام والكاتب الروائي سليمان بن جازع الشمري قال: «هامش الحرية اتسع قليلاً، وهذا القليل لا يكفي، لكن شريطة أن يصاحب ذلك تهذيب للزوائد غير الصحية للحرية وإحلال جرعة كبيرة من أخلاقيات العمل الإعلامي الصادق والموضوعي والرفع من قيمة الرقابة الذاتية الإيجابية، التي هي انعكاس لضمير الكاتب وليست لضغوط خارجية».
وذكر أن «البعد الأخلاقي يجنب الكاتب أو المغرد تناول المفردات التي تسيء لجمال الحديث، ويستخدمها البعض نوعاً من «الفزعة» لمغرد استنجد بهم، كما وضح ذلك الدكتور الغذامي في كتابه (ثقافة تويتر) بالرهط»، مشيراً إلى أن العالم «يشكو من تضاؤل هامش البعد الأخلاقي سياسياً وإعلامياً وحتى أصحاب الأطروحات الدينية لا يقفون ولا يتورعون أحياناً عن القفز فوق المحاذير الأخلاقية في تغريداتهم، نحن في أزمة صدقية وموضوعية الطرح».
في حين أكدت أستاذة البلاغة والنقد المهتمة بالحوار الوطني زكية محمد العتيبي أن مواقع التواصل الاجتماعي «اختزلت المسافات وبيّنت المستور وجعلت كل إناء ينضح بما فيه خيراً وشراً، ومن هنا تبددت صور عند قوم وتأزمت عند آخرين».
وأضافت العتيبي أن مواقع التواصل الاجتماعي «كسرت (التابو) فصار من المتاح فيها التحدث بكل شيء من دون تحفظ حتى صارت النوايا تقرأ قبل أوانها! هذا الانفتاح الكبير له ماله وعليه ما عليه، أضاء جوانب، وأبهت غيرها».
وعن أبرز المكاسب والمساوئ في الأمر قالت العتيبي: «من أبرز حسناتها وإن كانت هي في الوقت ذاته أبرز سيئاتها هذا الانفتاح على الآخر ووجود بيئة حوار بين المختلفين ولو بتراشق التهم وتفنيد الأقوال. البعض فهم مخالفه ورجع عن رأيه فيه لأنه صار يتحدث معه من دون وسيط وعرفه وتداخل في يومياته من خلال التغريد والمنشورات على «تويتر» و«الفيسبوك»، هذا التداخل وإن أحدث تقبلاً يتراوح ما بين العالي والضعيف إلا أننا لا نستطيع أن نزعم بأنه أدى إلى التقارب الحميمي بقدر ما فتح أبواباً للحوار والانفتاح والتقبل وليس للتقارب كما نظن، فمازال كل فريق في محميته يقاتل لأجل فكرته ولو تعصباً حتى لا يقال كان على خطأ، والجمهور المغرد والمعلق هو سبب عدم التنازل غالباً».
أما الشاعر عبدالله ناجي فقال: «إن مما يجدر الالتفات إليه هو ذلك التعايش الافتراضي أو تلك العلاقة الرقمية المحكومة داخل ساحات الشبكات الاجتماعية بين ممثلي التيارات المختلفة في واقعنا الداخلي. هذا التعايش فرضته وأملت شروطه التقنية المانحة لتلك الفرصة»، لافتاً إلى أنه لن أكون متشائماً حين يقول إن هذا الانسجام «لم يخلق انسجاماً مماثلاً له في الواقع المعاش. ما كان أخلاقاً هنا في الافتراض لم يعد أخلاقاً بعد في الواقع، وذلك في ما يخص العلاقة الجدلية بين الخصوم التقليديين من شتى التيارات العاملة في الساحات الواقعية. وإذا ابتعدنا قليلاً عن النخب وممثلي تلك التيارات المتباينة وجدنا أن أتباع كل تيار هم أكثر معاداة في ما بينهم من متبوعيهم. حتى في الشبكات الاجتماعية ذاتها، فما فرضته تلك الشبكات من أخلاق شكلية وجرى على ممثلي التيارات المختلفة، لم يجر على أتباعهم، بل نستطيع القول إن الأتباع جسدوا باندفاعهم الصورة الحقيقية والمخيفة للواقع المعاش والافتراضي معاً».
وأكد ناجي أن ما لم يتغلغل في النفوس «أن الاختلاف سنة كونية وأن التعاطي معها يعد أمراً طبيعياً وليس تمييعاً لمبدأ أو دين، فلن تخف حدة التوتر بين مختلف التيارات العاملة في الساحة الداخلية، والنظرة الفاحصة تقول إن ما حققته الشبكات الاجتماعية من تقارب وتعايش بين الممثلين لم يتجذر ليكون سلوكاً نابعاً من الذات، وإنما هو وبتعبير بسيط «ما اقتضته الحال أو المرحلة» وتجميلاً لوجه كل تيار. كنت أتمنى أن يكون ذلك التعايش صادقاً ومبيناً على حسن النوايا، وأن تكون تكهناتي في غير محلها، وكم أتمنى أن أكون مخطئاً حقاً».
ويختلف الأديب عمرو العامري مع هذا الطرح ويجزم أن شبكات التواصل «وفرت مناخاً للكراهية والتنابذ وحتى السباب والشتائم ليس بين ممثلي التيارات المختلفة، ولكن حتى داخل ذات التيار عندما يصل الأمر لاختلاف القناعات والرؤية المختلفة للأشياء».
ويواصل العامري قائلاً: «للأسف فأن ما صدر ويصدر من شتائم وسباب وبذاءات عن بعض الأشخاص المحسوبين على التيار المسمى «الديني» أو «المتأسلم» ضد بعض التنويريين الذين حاولوا طرح رؤية مختلفة لقضايا الكون والاجتهاد والحياة شيء صادم ويفند هذا التفاؤل المفرط، وإذا أردنا ذكر أسماء نماذج فأن الشيخ الكلباني والمفكر تركي الحمد مثلاً تعرضا لسيل من البذاءات يتجاوز كل أخلاقيات الحوار فقط لأنهما طرحا رؤية مختلفة عما هو شائع».
والأمثلة، كما يقول العامري، كثيرة جداً ومعروفة «وإذا كانت مثل هذه اللغة صدرت عن أسماء معروفة وعن بعض حملة حرف الدال فأن الحديث عن حوارات وتيارات هو نوع من التفاؤل المفرط ولا يوجد ما يدعمه على أرض الواقع. والسبب في رأي هو غياب أو ضبابية التشريعات التي تجرم مثل هذه التجاوزات وعدم وضوحها وهو ما جعل العقلاء ينأون عن الخوض أو الحوار أو طرح آرائهم داخل هذه المواقع حتى لا يتعرضون للشتائم والتجريح. وهنا أيضاً ألقي جزءاً كبيراً من المسؤولية على مركز الحوار الوطني الذي عجز فعلياً عن خلق بيئة حوار صحية تقوم على أرضية مشتركة وموحدة ومتساوية لجميع أطياف المجتمع، وألقي جزءاً من اللوم على مجلس الشورى الذي أحبط قانون التشهير وقانون التحرش وقوانين أخرى تؤصل لمجتمع مدني فاعل وهو في المقابل انتصار للجماعات الأخرى، التي ترى أنها وحدها تمتلك الرؤية الوحيدة والمطلقة والناجزة لكل شؤون الحياة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق