جدة - عمر البدوي
كشف استطلاع للرأي أن 61 في المئة من الشباب الخليجي يعتبر الدين محرّكاً رئيساً لمجتمعات بلدان مجلس التعاون.
وشمل الاستطلاع الذي أجرته شركة العلاقات العامة «أصداء» 3500 شخص من الجنسين من أبناء الخليج، تناول مخاوفهم بسبب الوضع الاقتصادي في بلدانهم، وتأثير هبوط أسعار النفط في مستوى حياتهم وأسلوبها، ورأيهم في حقوق المرأة، وملفات البطالة، فضلاً عن عادات الاستهلاك الإعلامي.
وأكدّ 53 في المئة من المستطلعين أن تعزيز الاستقرار في المنطقة أكثر أهمية من تعزيز الديموقراطية، فيما طالب 28 في المئة قادة دولهم ببذل مزيد من الجهد لتحسين الحريات الشخصية وحقوق الإنسان. ورأى 18 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أن الاختلافات الدينية من الأسباب التي تجذب الشباب إلى الانضمام إلى الميليشيات المتطرّفة. واعتبر حوالى 17 في المئة منهم أن هذه الاختلافات تقود إلى التوتر الطائفي بين السنة والشيعة. ولم يخفِ 15 في المئة من المستطلعين تلمّسهم لصعود ما وصفوه بـ «القيم الغربية العلمانية» في المنطقة.
واعتبرت آراء كثيرة أن انتفاضات الربيع العربي قدّمت للتشدد الديني فرصة للإنتعاش والتأجج مجدداً في المنطقة، في تفسير واقعي لرؤيتهم تجاه صعود تنظيم «داعش» الذي يبتلع مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية.
واتفقت الآراء على أن «داعش» هو النسخة الأكثر تطرّفاً وانغلاقاً حتى على محضنه الأم تنظيم «القاعدة» الذي سنّ الأساس الأيديولوجي والسلوكي لجماعات التطرّف في العالم الإسلامي، بعد عقود من التشكّل والتبلوّر.
وقبل أن يعاني «القاعدة» من «بيات شتوي» لقي على إثره انحساراً شديداً في مناطق انتشاره وعدد أنصاره، كانت مرحلة الانتفاضات العربية التي انطلقت من شارع بورقيبة التونسي وانتهت في مدينتي درعا وحمص السوريتين، ذروة ما لاقاه التنظيم الإرهابي من الخمول والذبول، إذ رفعت الانتفاضات شعارات الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة بهوية أكثر مدنية وليبيرالية، وهو ما هدّم آخر قلاع الحلم القاعدي بالتمدد والانتشار.
لكن تعثّر مسار الثورات في عدد من البلدان المنتفضة، ونشوب حرب أهلية وعسكرية حادة أوردتها مستنقعات ظلامية وغارقة في التشدد ووحل الأفكار الرجعية، كانت مناسبة ذهبية لتدشين جيل جديد من المتشددين الدينيين، تجّسد في «داعش»، الذي استعجل التمرحل القاعدي فأعلن دولته ثم خلافته، وجأر بالحلم المؤجل في أذن الزمان والمكان اللذين أصبحاً نهباً مستباحاً لأرتاله المهووسة بالحلم، والمستسلمة للأيديولوجيا.
قضم التنظيم مساحات واسعة مكّنته منها حال الفلتان لبلدان ما بعد الثورات والغزوات الأممية لإحلال الديموقراطية. ففي بلد مثل العراق عانى منذ بدء الاحتلال الأميركي من ظروف غير طبيعية، أسلمت سكان مناطقه السنية في قبضة «داعش» الذي أرخى لهم خطابه الحاضن لهموم المستضعفين، وأغراهم منه شعاراته ضد الظلم الطائفي والتمييز المذهبي الذي سنّه نوري المالكي لأعوام في بلاد الرافدين، يدعمه في ذلك النظام الإسلامي في إيران بقصد استغلال ثغرات الانفلات في مدّ النفوذ الفارسي وتوسيع رقعته.
وفي لحظة مؤلمة من غياب الوعي، سقطت الموصل وانضمت إلى جاراتها السورية التي سبقتها في الانهيار أمام الرايات السود المعجونة بالقسوة، ما ألهب المشهد خيال أبناء الخلافة المفترضة ووجدانهم. وبدأت الهجرات تفد إلى الرقة قلب الخلافة الجديدة والأنبار عاصمتها المتترسة بالحلم، زرافات ووحداناً ولّت وجهها شطر الخليفة البغدادي، من أقاصي الأرض عبر البلدان المجاورة التي أسبلت لهم الدروب، أو من الجماعات المقاتلة المنتشرة في الأراضي السورية، بعد أن ابتلع وهج الخلافة كل بصيص من ضوء ينزّ في الرايات المتكاثرة هناك.
كما لاقى الانفلات الأمني في بعض بلدان المنطقة العربية قبولاً كبيراً، وهوى لدى «النفوس الحائرة» في أوروبا ودول البلقان، حيث القلق الهوياتي وحيرة النفوس في هجير الغربة، من شرق آسيا حيث الحنين الممضّ لمجد إسلامي سال عليهم من الجزيرة، ومن دول البلقان حيث ظروف الحرب الأهلية ليست جديدة على أذهانهم المحقونة بالخوف والتردد والقلق، من كل مكان قدموا في سبيل هدفهم المظنون.
وعبر مساحات الجغرافيا المستباحة وحدودها المحلولة عقدها بسبب الانفلات الأمني، وعبر الفضاء الافتراضي الذي غدا تجمّعات كونية لتمرير الأيديولوجيات، وعدوى المجتمعات الأقلوية التي تتقلّص أمام تهديدات الهوية وطوفان الثقافة الغالبة، وأمام المكونات الاجتماعية المنغلقة التي تربّي في أحضانها سلّة من مبرّرات التشدد وتفسيراته المعلولة، لا يزال البحث جارياً ويتكّشف عن كل احتمال يمكن أن يصب في بحر التشدد.
لقد أظهر استطلاع «أصداء» أن ربع الشباب العربي يعتقد بأن البطالة هي المحرّك الرئيس وراء تجنيد الشباب في صفوف التنظيمات الإرهابية، وهم بذلك يقتحمون أبواباً مشرّعة للمتطرفين من أنحاء العالم، لوطء بلدانهم باسم الدين والدفاع عنه ضد الظلم والطغيان.
وأوضح المؤسس الرئيس التنفيذي لـ «أصداء» سونيل جون في بيان حصلت «الحياة» على نسخة منه: «إن أقل من نصف الشباب العربي يعتقدون بوجود فرص لائقة في سوق العمل، لكن النسبة الأكبر وجهت اتهاماً صريحاً إلى الحكومات التي فشلت في معالجة هذه المسألة الأساسية». ومع ذلك، يعتقدون بأن صعود «داعش» العقبة الرئيسة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط قبل تهديدات الإرهاب والبطالة والاضطرابات المدنية، لكن الدعم الضمني للتنظيم، في ضوء الاستطلاع، آخذ في الانخفاض، إذ اعتبر 13 في المئة فقط من المشاركين إنهم يمكن أن ينضموا إلى التنظيم في حال لم يستخدم الكثير من العنف مقارنة بـ 19 في المئة العام الماضي.
وسواء أجمعت الاستطلاعات والدراسات على سبب واحد، أم كادت، فإن الواقع ينذر بخلق «جيل ضائع» عربي، يشبه ذلك الذي ولد في أوروبا عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخرج إلى العالم صفراً من أي أداة أو مهارة يمكن أن يعيش أو يتعايش بها.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق