جدة - عمر البدوي { الدمام - منيرة الهديب
< يحتفل مجلس التعاون هذه الأيام بمرور 35 سنة منذ تأسيسه، كانت سنوات بمثابة قرون لشدة ما واجه المجلس ودوله الست من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، وضعته أمام اختبار الصمود والثبات في وجه التيارات العاتية من كل مكان التي كادت تغرقه.
وأمام التحديات العاصفة، مرّ المجلس بلحظات رخوة وبرود، كادت تودي به إلى التفكك والانحلال، لولا تجدد الصعوبات التي تعيد إليه الوهج ووجاهة الأسباب التي انعقد من أجلها. وعلى رغم فكرة تحويل «المجلس» إلى «اتحاد»، يضم دوله في عقد أكثر تماسكاً في كل المجالات، إلا أن عقبات حالت دون تمام المشروع وإنجاز المهمة، وبقيت الفكرة تراوح مكانها حتى إشعار آخر.
وعلى رغم كل الأزمات والتحديات التي عصفت بمجلس التعاون الخليجي، فإن هذا الكيان ظل صامداً، إلا أن تنبؤ باحثين تحدثا لـ«الحياة» بأن يشهد الخليج المزيد من التحديات خلال الفترة المقبلة، واضعين حزمة من المقترحات والرؤى التي تساعد دوله الست على تجاوز صعوبات المرحلة المقبلة.
وأشار المحلل السياسي الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إبراهيم العثيمين إلى أن من خلال تقويم مسيرة المجلس تبرز تحديات عدة يجب التعامل معها. وقال لـ«الحياة»: «لعل مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء المجلس يجعل الخليجيين أكثر تمسكاً وحرصاً على هذه المنظومة، التي استطاعت ترسيخ العمل الخليجي المشترك، وتجاوز كثير من الأزمات والتحديات».
ولفت العثيمين إلى أنه حين يتم تقويم مسيرة المجلس تبرز أربعة تحديات، يجب التعامل معها إذا ما أريد الدفع بهذه المسيرة إلى الأمام، التحدي الأول هو «التحول من التعاون إلى الاتحاد، فتعاظم التحديات السياسية والأمنية والعسكرية على المستويين الإقليمي والدولي، ومنها السياسات الإيرانية التدخلية في الشؤون الداخلية لدول المجلس، وعدم الاستقرار في العراق، والأوضاع في اليمن، إضافة إلى حال عدم الاستقرار التي تسود المنطقة العربية المتمثلة في تصاعد نزعة التفتيت على أسس طائفية أو جهوية، إضافة أيضاً إلى أخطار الجماعات العابرة للحدود، تجعل تطوير تجربة المجلس نحو صيغة اتحادية خياراً ضرورياً لكل دول المجلس، وهو التطور الطبيعي للتنظيمات الإقليمية».
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن وسائل الإعلام تقع عليها «مهمة كبرى» في تسليط المزيد من الأضواء على مسألة الاتحاد الخليجي ومزاياه وأهميته الاستراتيجية لدول المجلس، لافتاً إلى أنه معني بحماية نفسه ومجتمعه وكيانه الخليجي، مضيفاً: «إن التكامل بين دول المجلس في قضايا الدفاع يُعد أمراً مهماً».
والتحدي الثاني من وجهة نظر إبراهيم العثيمين هو «التحول من التحالف القطبي إلى تنوع التحالفات»، موضحاً أنه يقصد تحالف دول المجلس مع الولايات المتحدة الأميركية. وقال: «لا أقصد إسقاط أكثر من ستة عقود من التحالف مع واشنطن منذ الرئيس الأميركي روزفلت وحتى اليوم، وإنما أقصد أن لدى دول الخليج حالياً دوافع قوية تدفعها إلى بناء تحالفات إقليمية جديدة مع روسيا والصين والهند، لمواجهة التغير في بنية النظام الدولي، ما قد تترتب عليه في تغير في موازين القوى الإقليمية، وكذلك إعادة التوازن مع أميركا في حال أي تصعيد يهدد مصالح دول المجلس الحيوية في المنطقة، أو يُهدد أمنها واستقرارها».
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن دول مجلس التعاون في حاجة ماسة إلى «بلورة مفهوم استراتيجي خليجي يحدد طبيعة تلك التحولات وتأثيرها على أمنها الوطني والإقليمي، إذ يكون ذلك المفهوم مكملاً للميثاق المنشئ للمجلس، ولا يتقاطع معه، بمعنى آخر يتعيّن على دول المجلس الاستعداد لمواجهة الاحتمالات كافة إقليمياً ودولياً، بما فيها تغير استراتيجيات الدول الكبرى تجاه المنطقة».
وأوضح إبراهيم العثيمين أن التحدي الثالث هو «التحول من الصراع إلى التسوية في الخلاف الإيراني، فالخلاف بين دول المجلس وإيران لا يمكن اختزاله في المسألة النووية، إذ إنه لا تزال هناك قضايا خلافية عالقة بين دول مجلس التعاون وإيران، ومنها أزمة الجزر الإماراتية والدعم الإيراني للميليشيات الشيعية في البحرين والسعودية والكويت تسليحاً وتدريباً، وكذلك شبكات التجسس الإيرانية في دول الخليج».
ودعا العثيمين دول المجلس إلى «إعادة هيكلة الخطط الاستراتيجية في التعامل مع إيران، من خلال التركيز على إيجاد حلول لتلك القضايا أولاً، من طريق إيجاد وسائل جديدة للتعامل مع إيران، مغايرة لما سبق بحيث تسفر عن إيجاد حلول لتلك الخلافات».
أما التحدي الرابع فهو «التحول من الخلاف إلى الاتفاق على مصادر التهديد»، مؤكداً على دول المجلس ضرورة «الاتفاق على حد أدنى من مصادر التهديد المشتركة على الصعيدين الداخلي والخارجي، في خطوة أولى حتى يمكن رسم سياسة أمنية فاعلة للتصدي لتلك التهديدات»، مشدداً على أن عدم الاتفاق سيؤدي إلى «الترهل والضعف في التعاطي مع التهديدات والمخاطر التي تواجه دول المجلس».
بدوره، قال رئيس جمعية تنمية الديموقراطية الدكتور ناصر العبدلي لـ«الحياة»: «إن الأزمات التي واجهت دول المجلس كثيرة، لكن أبرزها على الإطلاق الغزو العراقي للكويت»، لافتاً إلى أن دول الخليج على رغم تشكيلها قوات أسمتها «درع الجزيرة»، وكانت جزءاً من مشروع لمواجهة التطورات الثورية في إيران، «إلا أنها فوجئت بهذا التطور غير المحسوب وخصوصاً بين دولة عربية وأخرى، لكن أدت حكمة الملك فهد في ذلك الوقت ومواجهته الموقف بشجاعة إلى تحرير الكويت».
وأضاف العبدلي: «إن الأزمة الأحدث كانت ثورات ما يسمى بالربيع العربي، التي واجهتها دول المجلس بارتباك واضح، إذ لم تتوقع مثل ذلك الانهيار في أكثر من نظام».
هاشم: الاختلافات بين شعوب
الخليج عائق أمام «الاتحاد»
اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور وحيد هاشم الاختلاف بين شعوب الخليج العربي، وخصوصاً في ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، من عوائق الوصول إلى مرحلة الاتحاد في الوقت الراهن، منوهاً إلى أن مستقبل دول منطقة الشرق الأوسط بوجه العموم، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، «غير مضمون» حالياً. وأرجع هاشم السبب إلى «تنامي مخاطر عدة في المنطقة، منها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بفعل ارتفاع نسب الفقر والبطالة والفساد». وقال لـ«الحياة»: «في ظل تدني المستويات المعيشية لغالبية الشعوب الخليجية في الوقت الذي فيه تتنامى الضغوط الخارجية خصوصاً المطالبة بالتغيير، فلا بد من التغيير وتبني سياسات تحقق المصالح العامة وتهتم في الصالح العام وفقاً لسيادة القانون والعدالة الاجتماعية للشعب». ونوّه إلى صعوبة وصول دول الخليج العربي حالياً إلى مرحلة الاتحاد، وقال: «لا أعتقد أن تصل دول المجلس إلى مرحلة الاتحاد، لأسباب سياسية شخصية ترتبط بي، وتتعلق في القيادات السياسية».
موضحاً أن العوائق «لا تقتصر على الشخصية السياسية، وإنما الاجتماعية والاقتصادية، فالمملكة تختلف عن الإمارات في المحافظة الاجتماعية والانفتاح، وقس على ذلك اختلافات أخرى، اجتماعية واقتصادية، وحتى نفسية».
العالم: الاتحاد يتطلب أن نتجاوز الخلافات ونتخذ قرارات مؤلمة
< على أعتاب الذكرى الـ35 لإنشاء مجلس التعاون الخليجي يبدو جلياً تزايد التحديات التي تهدد هذا المجلس، وتحفز الدول الأعضاء إلى بناء شراكة متكاملة، يجب أن يكون محصلاً لها الاتحاد السياسي والاقتصادي، في ظل أجواء دولية وشرق أوسطية غير مستقرة، بدأتها إيران في استفادتها من التدخل الأميركي في العراق بعد إطاحتها بحكم الرئيس السابق صدام حسين، وليس انتهاءً بدعمها «حزب الله» في لبنان، و«الحوثيين» في اليمن، وجهودها الحثيثة للإبقاء على النظام السوري، ووقوفها معه عسكرياً ومالياً وسياسياً في وجه ثورة شعبية طالبت بالتغيير.
وقال المحلل السياسي عماد العالم لـ«الحياة»: «إن تزايد حمى التسليح العسكري وتعزيز قدرات البحرية الإيرانية التي يدعمها النظام الراداري الجديد القادر على رصد الأهداف المعادية لمسافةٍ تمتد إلى ألف كيلومتر، يزيد من القلق الخليجي»، لافتاً إلى تزايد نفوذ «القاعدة» و«داعش» في اليمن، والأخير التي باتت خلاياه في الخليج تنفذ عمليات إرهابية، وتهدد بإثارة القلاقل وتعكير صفو النسيج الاجتماعي لدول الخليج عبر عملياتها ذات الطابع الطائفي.
وأوضح العالم أنه في ظل جميع هذه التحديات، «يقفز دوماً أمام صناع القرار الخليجي ضرورة توحيد المواقف المشتركة في السياسة الخارجية، والتي لن تتم إلا عبر توافقٍ تام في ما يخص إيران وبعض الجماعات، ومنها «الإخوان المسلمين» الذين تتباين المواقف معهم ما بين متقبلٍ لهم من جهة، وأخرى مصنفين فيها جماعةٍ إرهابية، جميعها تتطلب أن يكون الخليجيون قادرون على تجاوز خلافاتهم البينية وتحديد أولوياتهم وأهدافهم المشتركة والمخاطر المحيطة في الخليج والمنطقة عموماً».
ودعا دول الخليج إلى اتخاذ «قرارات وخيارات مؤلمة، كان ينبغي اتخاذ غالبيتها قبل زمن بعيد لكن ذلك لم يحدث، ومنها تفاقم المشكلات السكانية والاقتصادية في الداخل، وارتفاع نسبة البطالة في ظل سياسةٍ لم تثمر بعد عن نتائج حقيقية في تفعيل التوطين، يُضاف لها غياب الحوافز الاقتصادية الضرورية للنمو والتوظيف، والأهمية الحيوية للقطاع الخاص والحاجة إلى إحداث توازن دقيق بين النزعة المحافظة ومتطلبات القرن الـ21، الذي تعمد فيه الدول لبناء اقتصادٍ صناعي لا استهلاكي ومنفعي مدعوم من الموازنة العامة للدول، التي تأثرت كثيراً بانخفاض أسعار النفط والطلب العالمي عليه».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق