جدة - عمر البدوي
تضمنت رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الإثنين 25 نيسان (أبريل) الجاري، جانب الثقافة والترفيه كمحور ترتكز عليه الرؤية لجودة حياة المواطن السعودي ورفع مستوى معيشته، وأبدى قطاع من المثقفين استبشارهم بإبراز دور يمكن أن تلعبه الثقافة في مستقبل البلاد في مواجهة كل المحبطات التي تؤجل أي ثمرة ترتجى لنقلة اقتصادية تنقلها رافعة ثقافية.
وقال رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي ظافر بن غرمان العمري في حديث لـ«الحياة»: «تعد الثقافة إحدى أهم الواجهات الحضارية، فضلاً عن كونها ركيزة أساسية وركن في البناء الحضاري، فالثقافة في بلادنا ذات عمق وأبعاد، فعمقها ديني وأبعادها الفكرية والتراثية واللغوية والجمالية تتوزع في وطننا بين إرث جغرافي وفني وأدبي، وكل بناء حضاري لا يستمد عمقه الثقافي فهو بناء غير مكتمل، ولذلك لم يكن للرؤية السعودية 2030 من بد أن تجعل أحد عناصر هذه الرؤية البناء الثقافي المنطلق من ثوابت الدين والعقيدة، والمترسخ في عمق تراثنا، منطلقاً نحو آفاق جديدة واسعة حيوية تستثمر العطاء التراثي العريق، وتعمل على تطوير عناصره ومكوناته، لما للثقافة من أثر روحي وتأثير فاعل في وعي الإنسان الذي هو الاستثمار الحقيقي»، وأضاف: «إن جميع مؤسسات الدولة وجهاتها الدينية والتعليمية والإعلامية والسياحية تنطلق من عمقها الثقافي الذي أسست عليه بلاد الحرمين، وتحافظ عليه باعتبارها دولة إسلامية عربية في مقدم اهتماماتها الرؤية الإسلامية واللغة العربية والمبادئ الراسخة منذ أن احتضنت هذه البلاد أقدس مدينتين في الأرض»، وأشار إلى أن «المتأمل في هذه الرؤية الوطنية يرى عنايتها باللغة العربية لغة رسمية للوطن بفنونها وآدابها الخالدة، واهتمامها بالإرث المكتسب من تاريخ الوطن وكنوزه الحضارية التي يتفرّد بها، أما المثقف فعليه مسؤولية تجاه وطنه لتحقيق هذه الرؤية وتحمّل ما يخصّه من رسالته السامية تجاه وطنه وأولها أن يسخّر قلمه لخدمة وطنه أيّاً كان موقعه في جسد ثقافة الوطن».
فيما قال الشاعر والأكاديمي عبدالله السفياني: «من الجميل جداً أن تحضر الثقافة في رؤية السعودية ٢٠٣٠ وتكون من ضمن المحاور التي توليها الرؤية اهتمامها، وفي تصوري أن الثقافة هي التي شكّلت الرؤية، ومن المعلوم أن الثقافة لم تعد كمية المعلومات التي يمتلكها شخص أو مجتمع، بل هي مجمل الرؤية التي يتكون منها المجتمع، إنها الهوية في شقها الديني والقومي واللغوي، وهي إلى ذلك العادات والتقاليد والقيم الأصيلة التي تستند إلى دين عظيم وعقيدة راسخة، وهي إلى ذلك الاقتصاد الذي يحرك عجلة الحياة». وأضاف: «كل هذه الأفكار والموارد كانت حاضرة في رؤية السعودية ٢٠٣٠، وهذا لا يعني أن الثقافة والمثقفين يتوقفون عند هذا الحد، بل التحديات صعبة أمام الجهاز البيروقراطي المنتج للثقافة والإعلام والمنظم لها وللمؤسسات الخاصة المعنية بها، ما يتوجب أن تتزايد مع هذه الرؤية مساحات الحرية المسؤولة التي تبني نطاقات أوسع من العمل والفكر»، ولفت إلى «أننا ندخل عهداً جديداً يجب أن يكون لدينا من الشجاعة والبصيرة والحكمة القدر الكافي للتعاطي معه بآليات أكثر انفتاحاً وأكثر وعياً، فالجيل الشبابي الحالي والقادم سيغير المعادلة، وما لم تكن برامجنا على قدر المعطيات الاستشرافية للمستقبل فإننا سنعطل عجلة التنمية، ولكننا نؤمل كثيراً في مثقفينا ومؤسساتنا، وفي الحماس الجميل الذي تلقى به الجميع حديث سمو الأمير محمد بن سلمان بنفس الحماس والجمال الذي كان يتحدث به والأمل بحد ذاته ثقافة نحن بحاجة إليها».
القاص فيصل الشهري قال: «إن الرؤية مبشرة وواعدة لجيل شبابي ثقافي ناضج وواعٍ لما يصنعه، الجميل أن الرؤية لم تغفل جانب الشباب والثقافة ووضعتهم في المقدم بجانب الاقتصاد كمكون حضاري وصانع للمستقبل، وضعت بجانبه الثقافة الند للند مباشرة».
وبإمكان المثقف تفعيل دوره عبر تكوين المجالس الأدبية التطوعية، ولا سيما أن الرؤية تطلعت إلى الجانب التطوعي بشكل كبير وفتحت له المجال، والمثقف هو متطوع في المقام الأول يمارس دوره عبر الأندية الأدبية واللجان والصوالين الثقافية».
الشاعر أحمد الهلالي رأى أن «رؤية المملكة خاصة بتوجهها إلى العمق العربي في ما قبل الإسلام وتاريخ الجزيرة العربية الضارب في أعماق التاريخ، رؤية ترتكز على التاريخ بشقه الإيجابي بعيداً عن النظرة الإقصائية لفترة ما قبل الإسلام، هذه الرؤية بإذن الله تعالى ستحرك المملكة إلى استلهام ذلك التاريخ وتوظيفه في صناعة الأمة والمستقبل الثقافي». وأضاف في حديث لـ«الحياة»: «الحديث عن محور الثقافة والترفية نجد فيه استفادة من القيادة العليا أهمية الثقافة وتنصيب المثقف عاملاً مساعداً في الرؤية الجديدة، والترفيه يكون انبثاقاً من المحور الثقافي ومنطلقاً عبر الألوان الإبداعية في المسرح والسينما والفنون بأنواعها وجميع الأعمال المرتكزة على المحور الثقافي، عندما يتحرك المثقف ويتفاعل ويؤثر في المجتمع، وهذه الرؤية بإذن الله لها مخرجات إيجابية على مستقبل الأجيال، لأننا نعيش في مرحلة يعاني فيها المثقف من شبه انقطاع عن المجتمع وتأثيره محدود جداً مع تيارات أخرى، والرؤية ستفتح آفاقاً أمام المثقف الذي يبقى عليه الدور في تبني الرؤى الحقيقية التي تؤثر اجتماعياً وتقود إلى التطوير والتغيير في الأجيال القادمة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق