جدة - عمر البدوي
< مع اقتراب موسم الحج تواصل إيران بث تصريحات مسؤوليها التي تحاول عبرها اتهام السعودية بالتقصير في تنظيم الحج، ودعوة العالم الإسلامي بإعادة التفكير بـ«طريقة جوهرية» في طريقة إدارة هذا النسك الإسلامي كل عام، الأمر الذي تعده السعودية تسييساً ومحاولات يائسة من إيران للتشويش على السعودية، ونقل خلافاتهما السياسية إلى موسم الحج الذي ينبغي أن ينأى به عن ذلك. الإيرانيون للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود لن يتمكنوا من أداء الحج هذا العام، بعد تعثر اتفاق حكومة طهران مع السعودية حول شروط إيرانية، من شأنها أن تشوش على المسلمين وتخرج بالحج عن مقاصده الكبرى.
وعمدت إيران منذ انتصار ثورة الخميني إلى إثارة الفوضى في كل موسم للحج، لتحاول استثمار النتائج في زحزحة ثقة العالم الإسلامي بقدرة المملكة على تنظيم مناسك الحج والمناداة بالتدويل، وذلك للاستئثار على القيمة الرمزية والمعنوية للموسم في ترسيخ صورة إيران واجهة إسلامية وقبلة دينية.
وابتدعت في سبيل ذلك كل السبل للوصول، وتسببت في صور من التخريب والإفساد، ذهب ضحيتها مسلمون أبرياء، فضلاً على مواطنيها الذين تدفع بهم حكومة طهران إلى الموت، تحت رايات ضالة ومسيسة.
ولعل أكثر ما تطالب به إيران وترفضه السعودية جملة وتفصيلاً هو تحويل الحج إلى تظاهرة سياسية للبراءة من المشركين، في محاولة من طهران لإغراق النسك التعبدي بشحنات سياسية لمواجهة الغرب وأميركا التي تعيش معه إيران اليوم أفضل مواسمها، ولكنها لا تكف عن استثمار الدين في تكثيف صورتها وتسويقها، حتى لو أفسدت المضامين القيمية والدينية للمواسم العبادية.
وزعم المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي أخيراً أن السعودية مقصّرة في حماية الحجاج، وزيّف في رسالة نشرت على موقعه الإلكتروني على العالم الإسلامي بعد أن طالب بإعادة التفكير بطريقة جوهرية في طريقة إدارة الحج. من جهته، بثّ الرئيس الإيراني حسن روحاني سمومه على العالم الإسلامي، عندما دعا إلى «معاقبة» السعودية على «جرائمها» «بحسب زعمه»، متجاهلاً عمليات التفجير التي تبنتها طهران للقنصلية السعودية أخيراً، وحاول خلال اجتماع لمجلس الوزراء الإيراني أول من أمس (الثلثاء) أن يحشد دول المنطقة والعالم الإسلامي، لتنسيق إجراءاته لمعالجة المشكلات ومعاقبة الحكومة السعودية «على حد زعمه». وأضاف: «المشكلة مع الحكومة السعودية لا تقتصر على الحج»، مشيراً في التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية إلى أن بلاده لن تغفر أبداً «لمن أراقوا دماء شهداء منى»!
كما دخل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني على خط المراهقة الكلامية لبلاده وقال: «إن الرياض تعلم أن المواجهة مع طهران عديمة الجدوى»، متوقعاً عودتها إلى «رشدها» «على حد تعبيره»، مضيفاً: «ليس من الصعب إقناع السعودية بأن طريقها خاطئ».
وعدّ مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ تهجّم خامنئي على السعودية وطعنه في إجراءاتها الخاصة بموسم الحج «أمراً غير مستغرب» على هؤلاء، مضيفاً: «يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم، وتحديداً مع أهل السنة والجماعة».
وأكد المفتي في تصريح له، ثقته بأن من يحاول التشويش على خدمة السعودية للحج والحجيج وقاصدي الحرمين الشريفين لن ينالوا مرادهم، وذلك لأن المسلمين كلهم ثقة بما تقوم به حكومة هذه البلاد من خدمة للحرمين، بناء وتشييداً وتوسعة.
ووصف شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب دعوة خامنئي بـ«الباطلة التي لا يقبل بها مسلم في العالم، لأنها تستهدف إثارة النعرات الطائفية والمذهبية التي تؤدي إلى تفريق وحدة المسلمين بالزج بشعائر الله المقدسة في أغراض سياسية دنيوية»، موضحاً أن مثل هذه الدعوة الإيرانية تخالف المنهج الإسلامي القويم الذي يستند إلى وحدة وتماسك المسلمين، خصوصاً في موسم الحج، الذي هو رمز حقيقي وعملي لوحدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. من جانب آخر، اتهمت دول الخليج العربي إيران بمحاولة تسييس الحج، وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني: «إن تعليقات خامنئي كانت هجومية وغير مناسبة».
وأضاف أن في تلك التعليقات «تحريضاً واضحاً، ومحاولة يائسة لتسييس الحج».
واستطرد الزياني بالقول: «إن دول الخليج ترفض حملة وسائل الإعلام غير العادلة، والإعلانات المتتابعة لقادة إيران الكبار ضد السعودية».
وعن تهديدات راجت لمنسوبي الحرس الثوري الإيراني بتعكير صفو الحج وأمن وسلامة المسلمين فيه، شدد ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف على أن المملكة لن تقبل أبداً بتسييس الحج، ولن تسمح بأي حال من الأحوال بوقوع ما يفسد الحج، أو تحويله إلى شعارات مخالفة لتعاليم الإسلام.
ولفت إلى أن المملكة ستقف بقوة وحزم ضد كل من يحاول الإخلال بالأمن في الحج، مؤملاً بأن يكون الحجاج عند حسن الظن بهم، وألا يصدر عنهم ما يعكر صفو هذه العبادة العظيمة.
وتحمل إيران سجلاً سوداوياً في مواسم الحج منذ اعتلاء الخميني لحكم طهران، ونجحت السعودية في كل المرات في وقف تلك المحاولات الدائبة لإفساد الحج وتعكير صفوه وتهديد أمن وسلامة الحجاج، وهي في كل عام تثبت جدارتها وترفع كفاءتها وجاهزيتها لتسيير موسم الحج على النحو المطلوب من تحقيق مقاصده التعبدية الكبرى، والخروج به من محاولات إيران المتكررة لجره إلى العبث والفوضى.
أحداث شغب مكة عام 1987 كانت أبرز سلوكيات إيران الإفسادية وأكثرها خطراً. قبل ذلك أحبطت السلطات السعودية موسم حج 1986 مخططاً إجرامياً إيرانياً عندما كشف موظفو الأمن والجمارك السعوديون 51 كيلوغراماً من مادة C4 شديدة الانفجار، دستها المخابرات الإيرانية في حقائب الحجاج الإيرانيين.
وفي موسم حج 1989 وقع انفجاران بجوار الحرم المكي نتجت منه وفاة شخص وإصابة 16 آخرين، وألقت السلطات الأمنية القبض على 20 حاجاً كويتياً اتضح خلال سير التحقيقات معهم تسلمهم المواد المتفجرة من طريق ديبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران في الكويت، وتمت محاكمتهم والقصاص منهم.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق