التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سعودي «يغرّد» لإرساء ثقافة مجتمعية لا تقدّم الشفقة على الحق


جدة - عمر البدوي 

تتكرر الشكوى كل مرة من ضعف جاهزية الدوائر الحكومية والخدمية والمطارات لاستقبال مراجعيها من ذوي الحاجات الخاصة، وسواء أكانت المشكلة متعلقةً بأخطاء في هندسة البناء وتشييده بما يتوافق مع ظروفهم غير الطبيعية، أم بتثاقل المسؤولين عن الاستجابة العاجلة لمطالبهم، ما يلقي مزيداً من العنت والحرج عليهم.
وأثارت صورة تم تداولها عبر «تويتر» استهجان المغرّدين، إذ أظهرت عاملاً في مطار الملك خالد بالرياض يدفع رجلاً يجلس على كرسي متحرّك، يرجّح أنه مسن، ويصعد به السلم الكهربائي في تصرف أشبه بالمخاطرة، على رغم وجود مصاعد مخصصة لمثل هذه العربات المدولبة.
بينما نشب حوار حاد بين الناشط حسن الزهراني وناطق باسم الطيران المدني عبدالله الخريف عبر «تويتر»، بعد أن نشر الأول صوراً له تبين قصور المطارات في تلبية متطلبات الخدمة الذاتية لذوي الحــاجات الخاصة. فقد برر الخريف توافر التجهيزات الفنية للتعامل مع هذه الحالات الخاصة، لكن قصد الزهراني كان مختلفاً تماماً.
الزهراني ناشط من نوع فريد، تعرّض لحادث مروري نتج عنه شلل نصفي، يعمل في الخطوط السعودية، لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة النقد على جهة عمله وغيرها إذا قصّرت في حق ذوي الحاجات الخاصة. فهو عبر حسابه في «تويتر» يتابع بحرص ووعي وعناية كل الشروط التي تغيب عن مخيلة أصحاب القرار في بناء مؤسساتهم ودوائرهم الحكومية، بحيث لا تمكّن الشخص من ذوي الحاجات الخاصة من خدمة نفسه من دون إضطرار الآخرين إلى مساعدته.
ويسعى الزهراني لإرساء ثقافة مجتمعية لا تقدّم الشفقة على الحق، ولا تعتذر عن واجبها بإبداء التعاطف غير المفيد ولا المنتج، ويطالب بأن يُعامل الفرد في شكل طبيعي وبوافر كرامته الإنسانية المستقلة.
يحدث أن يجد الزهراني ظروفاً غير مواتية لذوي الحاجات الخاصة في مكان ما، فيبادر إلى مخاطبة المسؤول مباشرة لتلافي الخطأ، ولا سيما في المباني الموشكة على الانتهاء. وأورد قصة نجاحه في التواصل مع الموظف المسؤول في بعض الأخطاء بتصميم إحدى دورات المياه بحيث لا تراعي شروط التعامل مع من هم مثل حالته، وبالفعل تم التعديل مع تقديم اعتذار بالتقصير في الحال السابقة.
طموح الزهراني وسعيه لا يتوقفان، إذ عقد اجتماعاً مع فهد الحقباني الرئيس التنفيذي لواحد من أشهر نوادي اللياقة البدنية في المملكة، وطرح عليه أهم النقاط والملاحظات التي يواجهها ذوو الحاجات الخاصة. وأبدى الحقباني تجاوبه وتفاعله مع الطلب، ووعد بالمساعدة في تغيير الواقع والثقافة.
وفي حديثه إلى «الحياة» قال الزهراني: «إن المعوق يعاني كثيراً في مجتمعنا، ويواجه ظلماً كبيراً في المرافق العامة، ولا سيما المساجد، التي يتجاهل فيها الناس ظروفنا ويعيقون طريق سيرنا بوضع الأحذية، إضافةً إلى صعوبة استخدام المواضئ، ما يضطرنا إلى العودة إلى البيت وتفويت صلاة الجماعة. ولا يغيب ذكر الظروف التي تواجهنا في الصيدليات، وكنت خاطبت شركات صيدلة كبرى لمعالجة الموقف، لكن الفجوة لا تزال قائمةً. ولا أنسى ظروف الدراسة التي إضطرتني إلى البحث عن استثناء، لأن المدارس غير متاحة للدمج والتعامل مع ظروفنا».
وطالب الزهراني «بإبرام اتفاق ملزم قبل فتح الأسواق الكبرى وشركات تأجير السيارات لتقديم التسهيلات المناسبة»، وأكد أن الأمر يعود في النهاية إلى الثقافة التي تتسبب أحياناً في زواج ذوي الحاجات الخاصة من جنسيات أخرى، لأن المجتمع ينظر تجاههم بدونية وتردد. وأكد أن تحق لهم المنافسة على الوظائف التي يحرمون منها بســبب ما يعتقده آخرون من إعاقة جسدية لا تؤثر في النهاية في القدرات العقلية والذهنية التي قد تتفوّق على كثير من الأسوياء. وختم «الظروف صعبة والموضوع يحتاج إلى جدية واهتمام ومسؤولية اجتماعية كبيرة. لكنني سأواصل طريقي في المطالبة حتى نكسر هذا الحاجز ونبلغ درجةً مُرضية من تطويع المدن والعقول للتعامل بإنسانية وإنصاف».
أمام كل هذا الجبل الصلد من التحديات، يأبى الزهراني على نفسه اليأس والعجز ويكتب «مغرّداً»: «هدفي في الحياة إثبات أن الإعاقة لا تعني الاستسلام».



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...