التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المصورون .. جنود في سلك الفرص المبدعة



مكة المكرمة – عمر البدوي

فيما يعدّ الحاج إحرامه الأبيض ، ورجل الأمن بزّته العسكرية ، وموظفوا الخدمة المدنية تجهيزاتهم المختلفة ، يعدّ المصورون عدساتهم لأداء أدوارهم التي لا يمكن تجاهلها خلال موسم الحج  ٬ ويضبطون عقاربهم على موسم دسم لا يمكن تفويته .
أكثر من مليوني حاج يحتشدون ويترحلون من صعيد إلى آخر ، فيما يتابعهم ويترقبهم الملايين من خلف الشاشات ، يتلهفون لفرصة قادمة تضمن لهم أن يكونوا جزءاً من هذه الأمواج الإيمانية البيضاء ، يتعطشون لموسم يضمهم في قائمة ضيوف الرحمن ، لا يروي ضمأهم إلا تلك اللقطات الجميلة التي تصدر عن كتيبة المصورين .

سواء ينتمي إلى جهة إعلامية صرفة أو حكومية أو منفرداً ، يحمل كل مصور أداته التي ينقل بها لحظات خاصة من موسم حافل باللحظات غير المسبوقة ، تدير الشاشات والفضائيات كاميراتها لأربع وعشرين ساعة ، لكن ثمة تفاصيل لا يمكن أن تلاحظها ولا تلتقطها كاميرات النقل التلفزيوني ، وحدهم أصحاب العدسات الشخصية يحصلون على تلك الفرصة الثمينة .

يندسون في جموع الحجاج ، يتنقلون بأبصارهم في كل زاوية ومكان ، يوجهون عدساتهم ، ويعيدون ضبطها ، يتموضعون حيث تتوافر فرص التقاطة غير مسبوقة ، لعل الحظ يجود بلحظة تلتقي فيها عفوية حاج ينظر إلى السماء بلهفة ، أو رحمة رجل أمن ينحني على محتاج .
موج من البياض لا يشقه سوى سواد الآلات والعدسات بحثاً عن صيد ثمين ، يفوز بلقطة الموسم وربما العمر كله .

أمام موقف مثل هذا يتجلى الإنسان ، لا تحضر تعابير وجه ولا حالات وجدان أو تجلّي الإنسان في بقعة أخرى مثل هذه ، استعطاف وانكسار وراحة ضمير ونشوة وفرح وبكاء وحنين ، كل هذا يمكن أن يصدر عن هذه الجموع البيضاء ، ويمكن أن تفوز به عدسة ما .

يحتفظ المصوِّر المصري محمد علي أفندي السعودي، بأقدم تجربة ثرية في توثيق موسم الحج ، ويعد كتابه «مصوّر في الحج.. رحلات محمد علي أفندي السعودي 1904 ـ 1908» أحد أهم الكتب التي تؤرخ لرحلة الحج من مصر إلى الأراضي المقدسة، وصفاً مصوراً ونادراً لهذه الرحلة من خلال يوميات وصور .
قام السعودي بالتقاط صور لمكة والمدينة أبرز فيها الطراز المعماري السائد وطبيعة المباني حول الحرمين ٬ كما جال بكاميرته داخل الحرمين وحولهما مسجلا للتاريخ مواقع اختفى معظمها الآن، وصوَّر أشخاصا غير معروفين، وإن كان يمكن للمرء استخلاص الكثير عن الفترة والظروف التي عاش فيها هؤلاء الأشخاص.

تطور الوضع الآن ، فكما أن أعداد الحجاج تضاعف عشرات المرات ، تضاعفت أفواه الكاميرات التي تتضاغى للقطة مميزة ونقل مختلف ، ذ إكشف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد، عن الاستجابة ل70 قناة طلبت نقل شعائر حج هذا العام بنسبة تفوق العام الماضي ب20%.

المصور فيصل المالكي يمتلك مكتبة مميزة من صور مكة المكرمة ، وهو متخصص في التسويق وشارك في أكثر من خمسة عشر معرضاً تضم بعض نتاجه الفوتوغرافي ، ‏يعتقد المالكي أن كل صورة ، يصورها أي شخص ، يمكن أن تصبح " الأفضل " لو غير تقنيات بسيطة مثل الموقع أو الزاوية أو التوقيت ، " أحياناً تغيير بسيط يؤدي لنتيجة أفضل بكثير .

من جهته قال المصور المكاوي مشاري الشهراني ، والذي يتواجد بكثافة الآن بين الحرم وبقية المشاعر المقدسة ، ويساعد في تغطيات سناب مكة ، أن هذا الوقت موسم خصب للإنتاج الفوتغرافي ومكة لا يضاهيها في التنوع شيء .

أما رائد اللحياني ، والذي يشارك ببعض صوره الآن في معرض خيمة مسك الكائن بمشعر منى ، ويحتفظ بجوار كاميرته العزيزة ، متحفزاً لكل فرصة تلمع في فضاء هذا الموسم الثري باللحظات غير المسبوقة ، يقول عن رحلة بحثه في زوايا الأمكنة " عين الإنسان بطبيعة الحال تعتاد على المنظر المتكرر بسرعة غير متوقعة.. فتتبّع الزوايا الغير مألوفة يعتبر تحدي في مجال التصوير الفوتوغرافي.. لأنه يضيف للمشهد المتكرر روح مختلفة وشكل مختلف " .





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...