التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تشكيليون سعوديون يعيشون لحظات الإبداع في مكة المكرمة


آخر تحديث: الجمعة، ١ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)مكة المكرمة - عمر البدوي 

< تصبح مكة المكرمة مركز أنظار العالم أجمع هذه الأيام، ومثلما يتوجه أكثر من مليوني حاج إلى حرمها وصعيدها، يؤم نحو بليون ونصف البليون مسلم وجهه شطرها، ومن بعدهم العالم يشاهد الصور واللقطات التي ينقلها إليهم أكثر من ٧٠ محطة ووكالة ووسيلة إعلام، فضلاً عن ملايين الهواتف التي تغرق كل التطبيقات والبرامج بصور ولحظات لا يمكن تفويتها والاحتفاظ ببعض حضورها وسرورها.
بكل اللغات تشع هذه البقعة، وفي القلب منها الكعبة المشرفة على الكون، لبرهة يصبح الكون الواسع منطوياً على كعبته، وكأن الزمن يتوقف لوقت يسير وتبطئه عقارب الطاعة التي تنضبط كل موسم حج.
الفن لغة عالمية، ولسان ذوقي مبين، يحاول كل من أوتي موهبة للتعبير بشكل مختلف، أن يجسد انطباعه عن هذه اللحظة، في صورة تحبس الجزيئات والأنفاس، أو لوحة تشكيلية باذخة تجهر الأنظار والأبصار، أو عمل فني تعبيري تسكنه اللحظة ويفصح عن تفاصيلها وأساريرها.
الشابة السعودية ريم التويم فنانة مختلفة، تتكئ على خيالها الخصب، وكأنها تعيش في عالم وردي، تنسج من خيوطه أفكارها، وتبتكر أعمالها، أنجزت عملاً فنياً يصور الكعبة وكأنها تعيد ترتيب فوضى العالم، وتستعيد هدوءه المفقود.
كعادتها توظف البساطة والأدوات المستعملة في أعمالها الفنية، استخدمت أوراق الشاي والسكر في تخليق محيط متماوج يلف الكعبة الشامخة في قلب اللوحة، أو في مركز الكون.
أخذ الفن في السعودية يجدد حضوره وينعش دوره في واقع الناس، وعلى رغم الحضور المتواضع لمكة المكرمة في الفن السعودي عموماً بخلاف قيمتها في وجدانهم، تبذل محاولات فردية في شق الطريق بقوة وتفسح لعهد جديد قادم يبشر بمساحة أكبر للفن في واقع السعوديين وحاضرهم.
يمتلك الفنان والطبيب السعودي أحمد ماطر ثقلاً في هذا الجانب، لوحته المغناطيسية ثلاثية الأبعاد التي جسد فيها بيت الله الحرام مستلهماً ذلك الإحساس الذي يمثل جذباً مغناطيسياً لكل مسلمي العالم، فلسفة العمل قائمة على افتراضية رمي برادة الحديد نحو جسم مغناطيسي تتكون من خلاله أشكال وكأنها لأشخاص واقفين حول الكعبة.
وكان وقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب مطولاً أمام اللوحة في معرض الفن السعودي المعاصر أثناء زيارته الأخيرة للسعودية، وأحمد ماطر نفسه الآن يقضي الوقت في المشاعر المقدسة، لا يلبس الإحرام ولا يتنقل بين الصعد الطاهرة لأداء فريضة، لكنه يشارك في معرض يضم صوراً فوتوغرافية تمثل رحلة بصرية في مختلف مراحل الحج وتفاصيله الإنسانية والمكانية والروحانية.
وذلك ضمن مبادرة نوعية تقام للمرة الأولى تتمثل في «خيمة مسك» التي تقع في مشعر منى، تم تجهيزها لتكون محط لقاء واجتماع وإثراء ديني ومعرفي وثقافي، وبما يواكب ما تحققه المملكة من نجاح مستمر في تنظيم تلك الشعيرة المقدسة.

هذا أفضل مكان يمكن أن يبسط فيه الفن حضوره ويستعيد دوره، من دون مترجم، يخترق الفن سنوات ضوئية من العبارات والكلمات، تواصل انطباعي يمكن أن يفهمه مل ذي ذوق، بينما ترق النفوس بفعل الطاعات والقربات على صعيد منى وعرفات، يخاطبها الفن بلغة شفيفة رقيقة تمسّ الوجدان ولا تؤذيه، السعودية تتكلم لغة عالمية منطلقة من مركز الكون إلى أصقاعه البعيدة والمترامية، تلمّ شعثه وتفيض عليه من زمزم مواهبها الشابة.



الرابط : 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...