التنافس المتصاعد في الاعلام السعودي الجديد ساحة حرب بين
'الخطاب المتصيهن' و'الخطاب المتأخون'.
ثورة الإعلام الجديد أعادت ترتيب صفوف الإسلاميين داخل السعودية لإعادة إنتاج خطابهم
العرب : عمر علي البدوي [ نُشر في 02/08/2013، العدد: 9282، ص(18) ]
الخلاف المتصاعد على
واجهة شبكة التواصل الاجتماعية الشهيرة تويتر بين قطاع من المثقفين والأكاديميين
والإعلاميين وبين جهات إعلامية تلفزيوينية وصحفية يعيد إلى الذهن تلك الصراعات
القديمة التي نشبت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أساس مناقضة الطرح الإعلامي
الصحفي للقيم المحلية السعودية كما يرى طرف ما، وبحجة الحاجة إلى زحزحة خطاب
إسلاموي متطرف تسبب في إقحام السعودية في مواجهة مع العالم وتخريج منتجات سعودية
متشددة كما يرى الطرف الآخر.
كانت الصحف السعودية
مرمى لنيران المنتديات والساحات الإلكترونية على امتداد العقد الماضي، عندما كان
كتاب الأعمدة الصحفية يتناولون ما يعتقدون أنه أخطاء تحتاج إلى تصحيح وتجديد في
جسم المجتمع ومعتقداته الذهنية والفكرية، في المقابل كانت المعرفات المستعارة في
المنتديات العنكبوتية تتبنى تشريح تلك المقالات وتفحصها بغرض تبيّن ما وراء السطور
من نوايا الانقلاب على قيم المجتمع وهويته الدينية والثقافية. ولدت صحيفة الوطن
السعودية من الجنوب الشاهق وتزامن بزوغها مع ذروة الخلاف في الداخل السعودي بين
خطاب التشدد الصحوي الذي سيطر على المجتمع وتولى مهمة صناعة الجيل حينئذ وبين خطاب
حداثي يناقضه تماماً، اتخذ من الإعلام الصحفي على وجه الخصوص مطيّة لتمرير مشروعه
الرامي إلى إحداث تغيير يحقق مكاسب وطنية ويعالج النتائج التي انتهت إليها الحقبـة
الصحويــــة.
تبنت صحيفة الوطن ملامح
تلك المرحلة بشكل حاد وصارخ، واصطدمت بممانعة التيار الإسلامي الذي تخندق في
المنتديات والساحات الافتراضية وأطلق عليها تعبير «الوثن» في سبيل إسقاطها رمزياً،
وزاد الطين بلّة ظهور منتديات إلكترونية تتبنى طرحاً يعلن عن ليبراليته وانفتاحه وتحرره،
مما ألهب الصراع بين الخطابين وانعكست آثاره على المنتوج الثقافي والإعلامي لعقد
كامل.
اصطفت الشرق الأوسط
بورقها الأخضر المقدود إلى جانب خطاب الانفتاح والمعالجة الإعلامية وألصق بها لقب
يحمل دلالة دينية وتاريخية سلبية هو»خضراء الدمن» نكاية بها وتنفيراً للناس منها،
وبلغ الوضوح في المعركة بينهما غايته عندما طرحت الشرق الأوسط تقريراً يثبت أن «
أشهر دعاة التطرف في السعوديــــة عبر الإنترنت.. غير سعوديين».
كان الإسلاميون يتهمون
الصحف التي تمول غالباً بأموال سعودية بأنها تضخ أفكار التغريب والانفتاح
والليبرالية بغرض سلخ المجتمع من قيمه ومبادئه الأصيلة وهي توظف الظروف التاريخية
التي أنتجت حقبة الإرهاب لتبرير نيتها في الانقضاض على هوية المجتمع الإسلامية
والعربية، وتحاول أن تجرده من مكاسبه كمجتمع إسلامي محافظ ومتمسك بصورته الدينية
وتقاليده الاجتماعية العريقة ويعللون ذلك بأنهم ولدوا خارج رحم الأمة، ويتلقون
تعليماتهم من السفارات الأجنبية، ولديهم أجندات سياسية وفكرية تحقق للأمة الشر
وللمجتمع الهلاك.
وفي المقابل كان
الإعلام في شكله الصحفي يهاجم الإسلاميين ورموزهم بحجة أنهم صورة متطرفة لا تنتمي
إلى سماحة الإسلام الحنيف، وأنهم تبع لجماعات أممية تستهدف السذاجة الدينية لتحقيق
مآربها السياسية، وأنهم أيقونات للإرهاب والتدمير والتفجير التي لا تأتي للوطن
بخير، وكان الخلاف يصل إلى مستويات عالية من الاحتراب الكلامي وبث الفتنة
والشائعات والتنابز بأبشع الألقاب وكانت المطالبات متبادلة بالمحاكمة واستعداء
الدولة قائماً في أشد صوره.
انخفضت حدة الخلافات
عندما انطفأت جذوة الإرهاب، وتبنت الدولة مشروعاً إصلاحياً يتخفف من أثقال المرحلة
الصحوية ولا يناقض هويته الإسلامية والثقافية، بالإضافة إلى أفول نجم الشبكة
العنكبوتية في شكلها التقليدي إلى جانب التحولات الفكرية والذهنية التي عاشها
المجتمع السعودي بما يعني شبه انقطاع عن الحقبة الماضية.
وما لبث الأمر أن يهدأ
حتى عاد وبصورة أكثر حدة وتوتراً مع ثورة الإعلام الجديد التي أعادت ترتيب صفوف
الإسلاميين داخل السعودية لإعادة إنتاج خطابهم من جديد وتنظيم تجمعاتهم الافتراضية
للتعاضد في تقديم صورتهم الفكرية المعهودة، بينما تجاوز الخطاب الإعلامي الذي كان
ماثلاً في الصحف السعودية إلى الفضاء التلفزيوني عبر قناة العربية التي أصبحت مصب
اهتمام الإسلاميين ومحيط نقاشاتهم بنفس الخطاب والأدبيات وذات الانتقادات التي كانت
تساق ضد الصحف حينها. بدأ مصطلح «الخطاب المتصهين» يتعالى في سماء تويتر ويضجّ على
ألسنة الجميع في سبيل إسقاط مضمون العربية التي يؤخذ عليه تحايثه مع سياسة المجتمع
الدولي والمزاج الذي يروق لإسرائيل في ترتيب تحالفات وسياسات منطقة الشرق الأوسط
الأكثر سخونة في العالم حسب رأي الإسلاميين.
وبمجرد اشتعال فتيل
الثورات العربية من تونس مروراً بمصر واليمن والبحرين وليبيا، بدأ التوتر يتزايد
والنار تشتعل بين الطرفين في محاولة للانتصار للأقطاب التي تمثلهم داخل الثورات
العربية، حتى الهبة الشعبية السورية التي اتفق فيها الجميع على عدالة المطالب
الشعبية فإنهما اختلفا على لون الممثل الشرعي للثورة بين الإسلاميين المتشددين
والثوار المعتدلين.
وعندما اعتلى الإخوان
المسلمون سدة حكم بعض البلدان الثائرة، أخذت الشقة في الاتساع والخرق أعجز الراقع،
إذ تبنت قناة العربية مشروع الكشف عن نوايا مبيتة للإسلام السياسي وفي المقابل
تصدى السعوديون المتحمسون للإسلام السياسي لهذه الحملة بالبراءة من القناة وفضح
مخططاتها والانتصار لجماعات الإسلام السياسي وبرنامجها السياسي والاقتصادي
والتنموي الذي لن تقوم للعرب قائمة إلا به حتى ولد مصطلح «الخطاب المتأخون» ليعبر
عن مستوى التخالف الحاد والتنابز المضاد.
ما زالت الخطابات
الإعلامية السعودية توظف كل الخلافات الخارجية والمناسبات السياسية والاجتماعية
التي تتفجر في محيط المملكة السعودية لتجديد صراعهما المتبادل، وكأن تلك الأحداث
التي لا تهدأ خارج حدود الوطن بمثابة الكاشف عن غطاء الأنساق المضمرة التي
يستبطنونها وتعبر عن درجة العجز عن إنتاج خطاب إعلامي منسجم ومتناغم.
وعلى امتداد هذه
الخلافات التي يبدو أنها تتجه إلى عقد جديد من التنائي والاحتراب يخفت صوت التيار
الإصلاحي لأنه لا يتنفس في بيئة مختنقة بالصراعات ولا يعيش في وسط تحترق أطرافه
للوقيعة ببعضها بكل ما أوتيت من الإمكانات الوسائطية أو المبررات العقائدية
والفكرية.
الرابط : http://www.alarab.co.uk/?id=697
تعليقات
إرسال تعليق