بقلم: عمر علي البدوي
منذ اندلاع فتيل ثورات الربيع العربي التي امتدت شراراتها إلى خمس دول عربية بشكل واضح، وأخرى كان لها منه نصيب يسير لم تكتمل فيه الفصول الثورية كما جرى في سابقاتها، منذ ذلك الوقت والملامح السياسية تتبدل بشكل مذهل ومتسارع، والأحداث تتعاقب بشكل يفرض الاضطراب في الوصف والتحليل والفهم والتدقيق.
كان الربيع هزة مفاجئة لكل الحسابات التي اعتادت عليها الدول المحيطة وذات الحضور الإقليمي، تسببت الهبات الشعبية التي كانت مبررة الأسباب ومجهولة العواقب في اختلال الموازين.
وأكثر المراقبين إحاطة ودراية كان يشعر أن ثمة انفجاراً شعبياً سيبدأ بعد انسداد آفاق الأمل لدى المواطن العربي البسيط ونخبه المشتتة، ولكن الشاكلة التي جاء عليها الربيع العربي بكل صور الشجاعة والجرأة والجسارة كانت مستبعدة تماماً بناء على الصورة الذهنية التي أنتجتها الماكينة الإعلامية والثقافية حول خنوع الفرد العربي واستسلامه وبلوغه مرحلة اليأس التعطيلي.
اشتعلت تونس وقذفت برئيسها البوليسي خارج أسوار الوطن، وانتفضت مصر ورمت بحاكم الصدفة داخل أسوار السجن، وثارت ليبيا وكتبت تأشيرة خروج لفاتحها إلى ما وراء أسوار الدنيا، وكذا الحال مع اليمن التي اختارت لقائد وحدتها المهيضة مقعداً خارج أسوار المعادلة، والنهاية مع سوريا التي تعمل باجتهاد لإخراج الأسد من أسواره الحصينة..
وأشياء أخرى تغيرت: لغة العرب في تواصلهم مع حاكميهم، وإعلامهم الذي ذلّ أمام جبروت الشارع، والنخب التي استأذنت الشعوب أن تستبقي لها بعض مكانتها، والأداء الحكومي العربي الذي أخذ يغالب الوقت ليواكب طموح الأمة ويرمم ما يمكن ترميمه قبل أن تحين ساعة الصفر الثورية.
كل الدول والحكومات العربية كانت تعرف أنها قاب قوسين أو أدنى من لحظة التغيير بمرسوم شعبي، حتى تلك التي قالت ليست فلانة مثل فلانة، كانت تعرف في قرارة طاولاتها التشاورية وأجهزة الاستشعار الأمنية الداخلية أن الحالة الثورية التي عمت في العالم العربي لن تتوقف عن الزحف إلى بلاطها المصون.
اليوم.. وبعد مضي ما يزيد على العامين من الشرارة الأولى للربيع العربي، اتضح وكأن الأمور بدأت تستعيد عادتها القديمة، استفاقت حليمة بعد أن هدأت وتيرة الثورية في دماء الشارع العربي لتمارس دورها التقليدي، أداء إخواني متواضع في مصر، وتذبذب في رسم مسار المستقبل الليبي، وتعثر حكومي في الخلطة التونسية، وصورة ضبابية في المشهد اليمني، وإثخان دموي في الجسد السوري.
سواء كان ذلك بفعل مؤامرة تحيكها الدول العميقة مع حلفائها البازاريين ودول الإقليم العميلة والكائن الصهيوني النافذ، أم كان ذلك من عمل التاريخ وسلطانه على حركة الزمان وإقرار متتاليات التمكين للشعوب، فإن شعلة الربيع العربي أخذت تخبو، وحالة ما قبل الربيع العربي تعاود تشكيل نفسها من جديد.
البزة العسكرية استعادت مصر من حكم الإخوان بانقلاب عسكري مدعوم بغطاء شعبي استقطابي، وتم تنصيب رئيس مؤقت يملك صلاحيات بإذن عسكري، ووضعت خارطة طريق لحلحة الإشكال السياسي، ولكن ممانعة الإخوان تجعل الأوضاع تراوح مكانها.
أداء الإخوان وتدخل العسكر بوصفهم السر التقليدي لحفظ الاستقرار تسبب في تيئيس بعض الإسلاميين في الخيار الديمقراطي كسبيل سياسي متاح، وربما استفزهم إلى درجة تذكيرهم بالركون إلى خياراتهم العنفية القديمة، مما يجعل المسألة تدور في دائرة شديدة الإغلاق، إذ لا يكفي خطأ الإخوان في إدارة البلاد مبرراً لنقض الديمقراطية، سيما وأن ثمة حلا لتفريج الأزمة في بطون الدستور والقانون مثل الاستفتاء الشعبي أو الانتخابات المبكرة.
تغيير 30 يونيو الذي تسبب في زيادة سخونة الأجواء أعاد الثقة إلى أدبيات الفكر القاعدي، وعاجل الظواهري المصري إلى وصف الديمقراطية بصنم العجوة الذي ما يفتأ أصحابه أن ينالوه أكلاً إذا ظهر وكأنه ذاهب لغيرهم.
ورغم فساد المنطق القاعدي، ولكنه استخدم طرحاً واقعياً يصور تعامل النخبة الليبرالية المصرية التي تعاملت بقليل من البصيرة وكثير من التحامل في تعاملها مع الأزمة المصرية المحلية.
الإعلام المصري بدأ يعيد إنتاج النظام القديم بصورة غير خفية، عبر شبكة البرامج الشاسعة وأقنيته الفنية شديدة الانتشار والتأثير، والإسلاميون دائماً هم المقصود بالعداء والمناكفة، ويبقى البديل المفضل هو المستبد العادل الذي يؤمن بليبرالية منقوصة وديمقراطية ذات جينات معدلة.
هناك سلوك إعلامي مريب لتغييب ثورة ٢٥ يناير عن المشهد وإحلال تظاهرات ٣٠ يونيو بوصفها أكثر من تصحيح أو استرداد، ورفعها إلى درجة الثورة الحقيقية التي تجب ما قبلها وتوظيفها كنواة صلبة لبناء النظام الجديد.
توقفت مصر عن سياقها الثوري في لحظة تمرد، وخففت من اندفاع التغيير مع الإخوان إلى نمط من الالتفاف على ثورة يناير والتصالح مع النظام القديم، حفاظا على موازين القوى الإقليمية والدولية.
قناة الجزيرة بسياقها التعبوي الثوري تراجعت في موقف شديد الحرج بعد أن بلغ الربيع مرحلة القيظ، تحولت من مشروع التسويق للثورة في ذروتها الرومانسية إلى محاولة إفاقتها من غيبوبة الاختطاف، تقاتل ببسالة إعلامية أن تلملم ما بقي من نظارة الربيع وبريق الشعلة.
وهذا مترتب على التغيير الذي حصل في دولة قطر ذات المساحة المحدودة والتأثير المتصاعد، الإمارة الخليجية التي تماهت مع اللهب الثوري وضخت له الأموال والغطاء السياسي والسيولة الإعلامية الدافقة، واحتضنت التيار الإسلامي السياسي كمطية لتمرير تأثيرها وبسط نفوذها، كل ذلك بدأ يتغير بعد أن تولى الشيخ تميم مقاليد الحكم من والده، وظهر في تحركاته العاجلة وكأنه ينوي تغيير جلد السياسة لدولته وتبديل المسحة الخارجية الجريئة التي طبعت أيام حمد بن جاسم الخوالي.
دول الاعتدال العربي وفي القلب منها ممالك الخليج الثرية كانت في قلق من رياح الربيع الذي دق أبواب البحرين، تحاول اليوم أن تكنس آثاره وتستعيد توازن المحور الذي انخرط في مواجهة مفتوحة مع محور الشر في سوريا، وسارعت إلى ضخ أموال لدعم خطة الطريق العسكرية بنية إعادة الاستقرار لمصر وإعادة تموضعها في مسارها التقليدي الاعتدالي الرصين، ولا يعني ذلك أن محوري الاعتدال والشر هي الوصفة الأنسب للمنطقة ولكن هذا ما يحدث الآن تقريباً.
في اليمن جاءت المبادرة الخليجية فرصة ثمينة لوقف الاقتتال الدموي والخروج من الأزمة بتسوية سياسية لم تكن منصفة تماماً، إذ جاءت برداً وسلاماً على المستبدين وتبطيئاً لعجلة التغيير التي أسلم زمامها لمجلس حوار وطني يعيد تخليق الأزمات دون اجتثاث لها أو تغيير جذري في البلاد يتسبب في إقلاق الحلفاء وتبخيس مكاسب المتنفذين في البلاد، والخاسر الأكبر هو الشعب اليمني وإرادته السياسية.
في سوريا تراجع الرهان على الحسم الثوري الراديكالي، وتم تغيير الواجهة السياسية المعارضة بما يتفق مع إرادة المجتمع الدولي ويؤمن دعماً خجولاً مقابل تنازلات ضخمة في مسار الثورة، لا أحد يريد المسألة تنتهي إلى فجوة يتصرف فيها السوريون بشكل مطلق يمكنهم من التحكم بمصائرهم المستقبلية، بل اجتمعت الإرادة الإقليمية والدولية على الحلحة السياسية المتباطئة.
الإعلام لم يكن بعيداً عن هذا التجفيف لمنابع الثورة النائمة في مفاصل العالم العربي، إذ شرعت الحكومات في ترتيب البيت الإعلامي بما يخفف من الاندفاع الثوري بمزيد من الحجب والتكميم والملاحقة، وأكثر من ذلك ببث الرسائل الضمنية للتشميت بالثورة والإساءة إليها استناداً على النتائج العكسية التي تسببت بها.
لم تكن وصية العلماء بعدم المغالاة في القنوت لسوريا وحدها صورة لتجفيف منابع التثوير الشعبي، بل سلسلة من الأحداث والسياسات التي جاءت في سبيل إعادة التوازن للمنطقة، وإن كان الربيع العربي بدأ ينحسر اليوم في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية الخانقة التي تعصف بالبلدان الثائرة، فإنه كان خطوة إلى الأمام في إطار علاقة الحاكم بالمحكوم وكسر حواجز الخوف والتردد والعطالة السياسة، وهذه النقطة لن تتراجع مرة أخرى إلى الوراء.
الرابط : http://alasr.ws/articles/view/14560
بقلم: عمر علي البدوي
منذ اندلاع فتيل ثورات الربيع العربي التي امتدت شراراتها إلى خمس دول عربية بشكل واضح، وأخرى كان لها منه نصيب يسير لم تكتمل فيه الفصول الثورية كما جرى في سابقاتها، منذ ذلك الوقت والملامح السياسية تتبدل بشكل مذهل ومتسارع، والأحداث تتعاقب بشكل يفرض الاضطراب في الوصف والتحليل والفهم والتدقيق.
كان الربيع هزة مفاجئة لكل الحسابات التي اعتادت عليها الدول المحيطة وذات الحضور الإقليمي، تسببت الهبات الشعبية التي كانت مبررة الأسباب ومجهولة العواقب في اختلال الموازين.
وأكثر المراقبين إحاطة ودراية كان يشعر أن ثمة انفجاراً شعبياً سيبدأ بعد انسداد آفاق الأمل لدى المواطن العربي البسيط ونخبه المشتتة، ولكن الشاكلة التي جاء عليها الربيع العربي بكل صور الشجاعة والجرأة والجسارة كانت مستبعدة تماماً بناء على الصورة الذهنية التي أنتجتها الماكينة الإعلامية والثقافية حول خنوع الفرد العربي واستسلامه وبلوغه مرحلة اليأس التعطيلي.
اشتعلت تونس وقذفت برئيسها البوليسي خارج أسوار الوطن، وانتفضت مصر ورمت بحاكم الصدفة داخل أسوار السجن، وثارت ليبيا وكتبت تأشيرة خروج لفاتحها إلى ما وراء أسوار الدنيا، وكذا الحال مع اليمن التي اختارت لقائد وحدتها المهيضة مقعداً خارج أسوار المعادلة، والنهاية مع سوريا التي تعمل باجتهاد لإخراج الأسد من أسواره الحصينة..
وأشياء أخرى تغيرت: لغة العرب في تواصلهم مع حاكميهم، وإعلامهم الذي ذلّ أمام جبروت الشارع، والنخب التي استأذنت الشعوب أن تستبقي لها بعض مكانتها، والأداء الحكومي العربي الذي أخذ يغالب الوقت ليواكب طموح الأمة ويرمم ما يمكن ترميمه قبل أن تحين ساعة الصفر الثورية.
كل الدول والحكومات العربية كانت تعرف أنها قاب قوسين أو أدنى من لحظة التغيير بمرسوم شعبي، حتى تلك التي قالت ليست فلانة مثل فلانة، كانت تعرف في قرارة طاولاتها التشاورية وأجهزة الاستشعار الأمنية الداخلية أن الحالة الثورية التي عمت في العالم العربي لن تتوقف عن الزحف إلى بلاطها المصون.
اليوم.. وبعد مضي ما يزيد على العامين من الشرارة الأولى للربيع العربي، اتضح وكأن الأمور بدأت تستعيد عادتها القديمة، استفاقت حليمة بعد أن هدأت وتيرة الثورية في دماء الشارع العربي لتمارس دورها التقليدي، أداء إخواني متواضع في مصر، وتذبذب في رسم مسار المستقبل الليبي، وتعثر حكومي في الخلطة التونسية، وصورة ضبابية في المشهد اليمني، وإثخان دموي في الجسد السوري.
سواء كان ذلك بفعل مؤامرة تحيكها الدول العميقة مع حلفائها البازاريين ودول الإقليم العميلة والكائن الصهيوني النافذ، أم كان ذلك من عمل التاريخ وسلطانه على حركة الزمان وإقرار متتاليات التمكين للشعوب، فإن شعلة الربيع العربي أخذت تخبو، وحالة ما قبل الربيع العربي تعاود تشكيل نفسها من جديد.
البزة العسكرية استعادت مصر من حكم الإخوان بانقلاب عسكري مدعوم بغطاء شعبي استقطابي، وتم تنصيب رئيس مؤقت يملك صلاحيات بإذن عسكري، ووضعت خارطة طريق لحلحة الإشكال السياسي، ولكن ممانعة الإخوان تجعل الأوضاع تراوح مكانها.
أداء الإخوان وتدخل العسكر بوصفهم السر التقليدي لحفظ الاستقرار تسبب في تيئيس بعض الإسلاميين في الخيار الديمقراطي كسبيل سياسي متاح، وربما استفزهم إلى درجة تذكيرهم بالركون إلى خياراتهم العنفية القديمة، مما يجعل المسألة تدور في دائرة شديدة الإغلاق، إذ لا يكفي خطأ الإخوان في إدارة البلاد مبرراً لنقض الديمقراطية، سيما وأن ثمة حلا لتفريج الأزمة في بطون الدستور والقانون مثل الاستفتاء الشعبي أو الانتخابات المبكرة.
تغيير 30 يونيو الذي تسبب في زيادة سخونة الأجواء أعاد الثقة إلى أدبيات الفكر القاعدي، وعاجل الظواهري المصري إلى وصف الديمقراطية بصنم العجوة الذي ما يفتأ أصحابه أن ينالوه أكلاً إذا ظهر وكأنه ذاهب لغيرهم.
ورغم فساد المنطق القاعدي، ولكنه استخدم طرحاً واقعياً يصور تعامل النخبة الليبرالية المصرية التي تعاملت بقليل من البصيرة وكثير من التحامل في تعاملها مع الأزمة المصرية المحلية.
الإعلام المصري بدأ يعيد إنتاج النظام القديم بصورة غير خفية، عبر شبكة البرامج الشاسعة وأقنيته الفنية شديدة الانتشار والتأثير، والإسلاميون دائماً هم المقصود بالعداء والمناكفة، ويبقى البديل المفضل هو المستبد العادل الذي يؤمن بليبرالية منقوصة وديمقراطية ذات جينات معدلة.
هناك سلوك إعلامي مريب لتغييب ثورة ٢٥ يناير عن المشهد وإحلال تظاهرات ٣٠ يونيو بوصفها أكثر من تصحيح أو استرداد، ورفعها إلى درجة الثورة الحقيقية التي تجب ما قبلها وتوظيفها كنواة صلبة لبناء النظام الجديد.
توقفت مصر عن سياقها الثوري في لحظة تمرد، وخففت من اندفاع التغيير مع الإخوان إلى نمط من الالتفاف على ثورة يناير والتصالح مع النظام القديم، حفاظا على موازين القوى الإقليمية والدولية.
قناة الجزيرة بسياقها التعبوي الثوري تراجعت في موقف شديد الحرج بعد أن بلغ الربيع مرحلة القيظ، تحولت من مشروع التسويق للثورة في ذروتها الرومانسية إلى محاولة إفاقتها من غيبوبة الاختطاف، تقاتل ببسالة إعلامية أن تلملم ما بقي من نظارة الربيع وبريق الشعلة.
وهذا مترتب على التغيير الذي حصل في دولة قطر ذات المساحة المحدودة والتأثير المتصاعد، الإمارة الخليجية التي تماهت مع اللهب الثوري وضخت له الأموال والغطاء السياسي والسيولة الإعلامية الدافقة، واحتضنت التيار الإسلامي السياسي كمطية لتمرير تأثيرها وبسط نفوذها، كل ذلك بدأ يتغير بعد أن تولى الشيخ تميم مقاليد الحكم من والده، وظهر في تحركاته العاجلة وكأنه ينوي تغيير جلد السياسة لدولته وتبديل المسحة الخارجية الجريئة التي طبعت أيام حمد بن جاسم الخوالي.
دول الاعتدال العربي وفي القلب منها ممالك الخليج الثرية كانت في قلق من رياح الربيع الذي دق أبواب البحرين، تحاول اليوم أن تكنس آثاره وتستعيد توازن المحور الذي انخرط في مواجهة مفتوحة مع محور الشر في سوريا، وسارعت إلى ضخ أموال لدعم خطة الطريق العسكرية بنية إعادة الاستقرار لمصر وإعادة تموضعها في مسارها التقليدي الاعتدالي الرصين، ولا يعني ذلك أن محوري الاعتدال والشر هي الوصفة الأنسب للمنطقة ولكن هذا ما يحدث الآن تقريباً.
في اليمن جاءت المبادرة الخليجية فرصة ثمينة لوقف الاقتتال الدموي والخروج من الأزمة بتسوية سياسية لم تكن منصفة تماماً، إذ جاءت برداً وسلاماً على المستبدين وتبطيئاً لعجلة التغيير التي أسلم زمامها لمجلس حوار وطني يعيد تخليق الأزمات دون اجتثاث لها أو تغيير جذري في البلاد يتسبب في إقلاق الحلفاء وتبخيس مكاسب المتنفذين في البلاد، والخاسر الأكبر هو الشعب اليمني وإرادته السياسية.
في سوريا تراجع الرهان على الحسم الثوري الراديكالي، وتم تغيير الواجهة السياسية المعارضة بما يتفق مع إرادة المجتمع الدولي ويؤمن دعماً خجولاً مقابل تنازلات ضخمة في مسار الثورة، لا أحد يريد المسألة تنتهي إلى فجوة يتصرف فيها السوريون بشكل مطلق يمكنهم من التحكم بمصائرهم المستقبلية، بل اجتمعت الإرادة الإقليمية والدولية على الحلحة السياسية المتباطئة.
الإعلام لم يكن بعيداً عن هذا التجفيف لمنابع الثورة النائمة في مفاصل العالم العربي، إذ شرعت الحكومات في ترتيب البيت الإعلامي بما يخفف من الاندفاع الثوري بمزيد من الحجب والتكميم والملاحقة، وأكثر من ذلك ببث الرسائل الضمنية للتشميت بالثورة والإساءة إليها استناداً على النتائج العكسية التي تسببت بها.
لم تكن وصية العلماء بعدم المغالاة في القنوت لسوريا وحدها صورة لتجفيف منابع التثوير الشعبي، بل سلسلة من الأحداث والسياسات التي جاءت في سبيل إعادة التوازن للمنطقة، وإن كان الربيع العربي بدأ ينحسر اليوم في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية الخانقة التي تعصف بالبلدان الثائرة، فإنه كان خطوة إلى الأمام في إطار علاقة الحاكم بالمحكوم وكسر حواجز الخوف والتردد والعطالة السياسة، وهذه النقطة لن تتراجع مرة أخرى إلى الوراء.
الرابط : http://alasr.ws/articles/view/14560
تعليقات
إرسال تعليق