التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في الذكرى الأربعين: إيران أكثر وهناً منذ الثورة

خناق العقوبات يضيق شيئا فشيئا، والآثار الحادة على الواقع الإيراني ستتضح قسوتها خلال الشهور القليلة القادمة، حتى أن الآلية المالية التي ابتكرتها الدول الأوروبية للحفاظ على مصالحها من الاستثمار في التراب الإيراني، لا تكفي ولا تفي لإنقاذ النظام.
الثلاثاء 2019/02/12


مرّت الذكرى الأربعون للثورة الإيرانية قبل أيام، وحاولت الدعاية الإيرانية تصوير أن إيران الثورة أصبحت بعد أربعة عقود من انتصارها جنة غناء ودوحة خضراء، لكن الواقع المرير لا يمكن حجبه ولا تجاوزه، بل تأتي الذكرى الأربعون وطهران تعيش أوهى مراحلها وأسوأ فتراتها.
خناق العقوبات يضيق شيئاً فشيئاً، والآثار الحادة على الواقع الإيراني ستتضح قسوتها خلال الشهور القليلة القادمة، حتى أن الآلية المالية التي ابتكرتها الدول الأوروبية للحفاظ على مصالحها من الاستثمار في التراب الإيراني، لا تكفي ولا تفي لإنقاذ النظام، بل كان رموزه وعلى لسان خطيب جمعة طهران المؤقت، آية الله سيد أحمد خاتمي، أول من شجبها ووصفها بأنها مثل صيغة النفط مقابل الغذاء، وأنها تمثل إهانة للشعب الإيراني.
لا يمكن تغطية الحقيقة بخطابات المكابرة المزجاة. كلمة زعيم ميليشيا حزب الله اللبنانية حسن نصرالله بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، كانت نموذجاً كاشفاً لما آلت إليه الأوضاع في معسكر ما يزعم بالمقاومة، إذ طفق يعدّد النتائج “الوردية” للثورة الخمينية رغم تواضع الحقائق على الأرض، سوى جحافل جنوده الذين يثخنون في الدم السوري بلا هوادة، وفيما يرقص نصرالله على ركام الوجع السوري، يفعل الوكيل الحوثي عن سياسات إيران في المنطقة الأمر نفسه بتمديد عمر الجرح اليمني النازف.
تروّج طهران على لسان زعمائها ووكلائها وزبائنها في المنطقة، فكرة أن توسّع نفوذها وتأثيرها في عواصم مختلفة في المنطقة دليل وبرهان على نجاح مخرجات الثورة، حتى لو تحقق ذلك على حساب استقرار تلك العواصم وظروف أهلها، ويحدث على حساب الداخل الإيراني الذي يدفع أبهظ الأثمان نتيجة سياسات حكومته الطموحة، وهو توسع ينجح في ظل فشل ذريع لبناء علاقات مريحة ومربحة مع محيطها الإقليمي، وتشويه بشع لصورة وسمعة إيران وشعبها المغلوب على أمره، فيما قيادته تفرح بنصب رايات وأعمدة تأثيرها ونفوذها في تلك العواصم الخرِبة والمنهكة والآيلة للفشل التام.
كل شيء يتراجع ويتخلف في كفة إيران، ولا يتقدم سوى إمعانها في زيادة أعباء مسؤولياتها إزاء النتائج الوخيمة لسياساتها الفاسدة، مثل كل الزعامات العمياء التي عرفها العالم وعرفتها المنطقة، زعيق أيديولوجي يضجّ الآذان ويزكم الأجواء، تهتف له الحناجر الموتورة وتنخدع له القلوب الرقيقة وتنساق خلفه الأذهان المستلبة، ثم لا ينتبه الناس إلا وقد أسقط في أيديهم ودفعوا فاتورة مكلفة للسياسات الخاطئة والإصرار عليها، تعرف هذه المنطقة الكثير من هذه النماذج البائسة، وجاء الدور الآن على طهران وحظها العاثر مع الملالي.
من المغالطات التي يرددها وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم ومهندس الدور القطري المشبوه في المنطقة خلال العقدين الماضيين، قوله إن “إيران جارة نختلف معها في بعض السياسات، ولكن يجب ألا نصل معها للعداء المطلق، بل هي فرصتنا كمجلس تعاون أن نتفاوض في ظل هذه الضغوط، لنصل إلى أرضية مشتركة للتعايش مع هذا الجار”.
يبحث بن جاسم عن أرضية مشتركة مع إيران، الدولة التي تعيث بأراضي سوريا فساداً، وتعرقل إرادة اللبنانيين على الحياة، وتشلّ حكومتها العاجزة عن رفع قمامة من قارعة الطريق، في بلد كان يوماً ما آية في الجمال ومقصداً للسياح ومدراً للمال، لكن العبث الإيراني بمكونات البلد وفاعلياته حوّله فضاء مسموماً بالخلافات.
يبحث بن جاسم عن فرص للتعايش مع الجار المفترض الذي يفخّخ تراب اليمن بالألغام، ويدجج بطون أطفاله بالسلاح، وينتهك حرمة شواطئه بالقوارب الشاردة المحملة بأعطيات الموت.
ويفضّل التفاوض مع من يستبيح العراق، ويسلخه عن عروبته ويشحنه بالطائفية ويجفف فراته الثقافي ودجلته الأدبية والفكرية حتى أجدب العراق عن أن يبذل سوى رائحة البارود والمفخخات ويزكم دخان الفساد أنوف وأنفة أهالي الرافدين الذين كانوا أول من صرخ في وجه طهران غضباً على تماديها ومغالاتها.
يفضّل بن جاسم ألا يتجاوز الخلاف مع “الجار” إلى مستوى “العداء”، غير أنه لا يمارس مع جيرانه من شركاء الدين والتراب والخلفية الاجتماعية سوى العداء السافر، ويزجي لطهران أفضل خدمة بشق الصف الخليجي وتلغيم العلاقات بالندوب والتصدعات.
لا يُدرى عما تهرول إليه قطر وهي تلعب على الحبال المتداخلة، وهي تقفز من سفينة الخليج وتولّي وجهها شطر طهران، ظناً زائفاً أن اللعب المستمر بين الضفتين سينجيها من ورطتها الجغرافية وضيق ذات إمكاناتها، لكن الصدق والاعتدال وحدهما هما المنجاة، وليس الاستثمار في المسافات الفاصلة بين النقيضين، فمؤداه الهزيمة النكراء بلا جدال.
تنتظرُ إيران أيام صعبة قريباً، ولكل من ربط مصيره بسلوكها الفاسد، مؤتمر وارسو الذي تقوده الولايات المتحدة وهي تتبنى استراتيجية جادة وحاسمة للحد من تنامي انتهاكات الجمهورية الخمينية في حق جيرانها ومحيطها الإقليمي.
سيركز مؤتمر وارسو على مكافحة أنشطة إيران الإرهابية، وسيخلق الآلية الدولية للعمل على ذلك، كما أنه يتزامن مع تشكيل جبهة عربية موحدة تقودها السعودية والإمارات في وجه تزايد السلوك الإيراني المعادي لكل ما هو عربي.
ينشط الأميركان مجددا وبشكل مكثف في العراق، يعيدون ترتيب أوراقهم في بلد المواجهة الأكثر حساسية مع إيران وميليشياتها المتعددة، كما أن أمين أنشطتها العربي حسن نصرالله سيواصل مشوار الاختباء في سراديب الضاحية الجنوبية الذي بدأ منذ اثني عشر عاماً ولا أفق لخروجه قريباً حتى ولو حكى انتفاخا صولة الأسد.

الرابط :





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...