الأميرة ريما بنت بندر تُعرف بموقفها الداعم لقضايا المرأة وترفض صراحة ولاية الرجل وتؤيد حضور النساء للمباريات الرياضية وقيادة المرأة للسيارة.
الأحد 2019/03/03
يجسّد قرار السعودية التاريخي بتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرة للمملكة لدى الولايات المتحدة بمرتبة وزير، تتويجا لمكتسبات المرأة السعودية في هذه المرحلة الذهبية من مشوار تمكينها وتوسيع دورها ورفع الأعباء التاريخية التي طالما أثقلت كاهلها وشلّت حركتها.
إنه نهج جديد تختطه السعودية اليوم، باشر بفتح الكثير من الملفات العالقة وإصلاح الخطوات المتعثرة نحو بناء دولة متينة ونهضة حضارية وتنمية تعتمد على تفعيل كل مكونات المجتمع، وعلى رأسها المرأة التي لاقت حيفا كبيرا بفعل المورثات الثقافية والاجتماعية.
اتسمت الكثير من القرارات الأخيرة الصادرة عن الرياض بالشجاعة والجرأة والمفاجأة، وعالجت إشكالات قائمة كانت على مدى عقود، طيّ التردد والتأجيل والحرج.
لكن القيادة السياسية الجديدة وفي القلب منها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آثرت أن تواجه الواقع وتفتت العقبات التي تعترض طريق المملكة نحو التحول الكبير، متسلحة بجيل جديد من المجتمع أكثر مواءمة وملاءمة لشروط التغيير الناهضة، ومدعمة بالخيارات الشرعية والثقافية التي نحّيت عمدا في الماضي، خدمة لخط متشدد ومنغلق كان يسيطر على الذهنية السعودية ويؤثث أفكارها.
بيت السياسة الغني
ولدت الأميرة ريما عام 1975 في الرياض. والدها هو الأمير بندر بن سلطان، ووالدتها هي الأميرة هيفا بنت فيصل. وهكذا يكون خال الأميرة ريما هو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق. كما أن جدها لوالدتها هو الملك فيصل، وجدها لوالدها هو ولي العهد الراحل، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي يلقبه السعوديون بـ“سلطان الخير”.
وبسبب طبيعة عمل الأب سفيرا للمملكة في الولايات المتحدة بين عامي 1983 و2005، نشأت الأميرة ريما في واشنطن، وتخرجت في جامعة جورج واشنطن بتخصص دراسات المتاحف والحفاظ على الآثار.
وتشكل الأميرة ريما أفضل اختيار لهذه المهمة كأول امرأة تشغل منصب سفير في تاريخ المملكة، فهي الحاذقة بالحديث لمهمة تتطلب الكثير من أساليب التقانة الكلامية والتأثير الكاريزمي، علاوة على حضورها المكثف الذي لاقى مؤخرا عبر وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية الكثير من القبول والشعبية. وهي تعبر بوضوح وهدوء وعمق عن طبيعة التحولات التي تشهدها المملكة اليوم، وتتحدث بلسان يفهمه الغرب جيدا لدهم وتعزيز مسيرة التغيير الراشد والمتمهل بديلا عن الأفكار المعلبة التي تقدم الحقيقة منقوصة وبلا روح.
وكانت خلال فترة طويلة على اتصال بالمجتمع عبر عدد من المبادرات والمهام التي تولتها وخلفت نتائج مشجعة. الأمر الذي جعل منها وجها مجتمعيا مألوفا، زاد بعد تجربة ناجحة في إدارة الوعي الرياضي للمجتمع، إذ ترأست هيئة الرياضة المجتمعية منذ أغسطس 2016 وسعت عبر عدد من الخطوات لجعل الرياضة جزءا من سلوك وعادات المجتمع، وكسر تابوهات الحظر الاجتماعي على ممارسة المرأة الحرة والسلسة لصنوف الرياضات المختلفة.
صعود إفرست
وقد تولت الأميرة ريما العديد من المناصب الاقتصادية والتجارية، من بينها منصب المديرة العامة لفرع شركة “هارفي نيكولز” في الرياض. وهي أيضا عضو مؤسس في جمعية “زهرة للتوعية بسرطان الثدي”، ومقرها في الرياض، والتي تتمثل مهمتها في “زيادة ونشر الوعي بين النساء في جميع أنحاء البلاد للاكتشاف المبكر والوقاية والعلاج من المرض، والتعاون مع النساء اللاتي يتم تشخيصهن بسرطان الثدي على أساس خطوة بخطوة للمعالجة والشفاء النهائي”. وتضمن عملها مع جمعية زهرة، مشاركتها في تنظيم أكبر شريط وردي بشري في العالم عام 2010، والذي فاز بجائزة هولمز الذهبية لأفضل فئة فكرة دعائية، وجائزة “بلاتينوم سابر” لأفضل برنامج للعلاقات العامة. وفي مايو عام 2012 قادت الأميرة ريما، مجموعة من النساء السعوديات إلى معسكر قاعدة جبل إفرست، في محاولة لرفع الوعي بسرطان الثدي.
وتشغل الأميرة ريما فوق ذلك، منصب وكيل رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي، والمؤسس والرئيس التنفيذي لـشركة “ريمية”، كما أنها عضو في عدد من المجالس الاستشارية المحلية والعالمية، مثل المجلس الاستشاري للمبادرة الوطنية السعودية للإبداع، والمجلس الاستشاري العالمي لشركة أوبر، والمجلس الاستشاري الخاص بمؤتمرات تيد إكس.
موقع سفير السعودية في واشنطن يعتبر أكثر منصات دبلوماسية المملكة حساسية ومحورية، ولذلك فإن تجربة الأميرة ريما في كنف عائلتها، والدها الأمير بندر بن سلطان وخالها الأمير سعود الفيصل، ستكون عونا لها في هذه المهمة الشاقة، بعد أن قضت في واشنطن عقودا طويلة
وأطلقت مبادرة “كي.أس 10”، وهي مبادرة مجتمعية تهدف إلى رفع درجة الوعي الصحي الشامل، ودخلت هذه المبادرة “موسوعة غينيس للأرقام القياسية”، كما أسست شركة “ألف خير” وهي مؤسسة اجتماعية عملت على تطوير منهج تدريبي لدعم الجهود المبذولة في تنمية الرأسمال البشري في السعودية ومساعدة مؤسسات القطاع العام والخاص على معالجة الكثير من التحديات في مجال الإرشاد المهني.
وقد تم اختيارها من قبل منتدى الاقتصاد العالمي بمدينة دافوس السويسرية لتنضم إلى برنامج “القيادات العالمية الشابة” لإنجازاتها في المجالات التنموية وسجلها القيادي، في قائمة “أكثر الأشخاص إبداعا” من قبل مجلة “فاست كومباني” الأميركية في عام 2014، وفي قائمة كبار المفكرين العالميين والتي أصدرتها مجلة “فورين بوليسي” الأميركية المرموقة في عام 2014.
مختبر واشنطن الكبير
ولأنها ستتولى أكثر منصات الدبلوماسية السعودية حساسية ومحورية، فإن المرأة القادمة من خلفية عائلية احترفت العمل الدبلوماسي، ستكون تجربتها في كنف العائلة عونا لها في هذه المهمة الشاقة، لاسيما في واشنطن التي قضت فيها عقودا طويلة من العمر برفقة والدها الذي بات يعرف اليوم كواحد من أشهر السياسيين في العالم.
بداية بالعام 1983 الذي دلفت فيه ريما بنت بندر بن سلطان السفارة في واشنطن، وهي لم تبلغ العاشرة من عمرها مع والدها، وكانت على مسافة قصيرة من تلك الأحداث الحرجة والتحولات السياسية العميقة التي انبرى لها والدها طيلة 22 عاما، فبقيت الأميرة ريما بجانب والدها، وأثرت من العلاقات المفعمة بين البلدين، وأشربت تفاصيل الديناميكيات التي تضبط حراك الآلة السياسية والدبلوماسية الضخمة في عاصمة أقوى بلدان العالم.
السعوديات وطريق المساواة
الناظر إلى تطور حالة المرأة في المجتمع السعودي، لا يستنكر هذه النقلة النوعية بتسمية أول امرأة كسفيرة للمملكة في أهم العواصم العالمية، وتعد أهم حليف لها في المنطقة، وفي لحظة حرجة من ظروف السياسة المحيطة والدولية. إذ حظيت المرأة نتيجة التحولات التي تشهدها المملكة بمشوار ثري ومتسارع لتمكينها وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين دون أن يفسد ذلك طبيعة الثقافة التي يرتبط بها المجتمع وينتمي إليها.
القيادة السياسية الجديدة وفي القلب منها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحسم قرارها بأن تواجه الواقع وتفتت العقبات التي تعترض طريق المملكة نحو التحول الكبير، متسلحة بجيل جديد من المجتمع أكثر مواءمة وملاءمة لشروط التغيير الناهضة
ورغم التشويش الذي يستهدف المملكة بشأن أوضاع المرأة لديها، إلا أن هذه الخطوات تنمو بهدوء وبعيدا عن محاولات حشرها في زوايا الاستهداف والاستقطاب الحاد الذي يلف المنطقة، ويشجع خصوم السعودية على التقليل من شأن تلك الخطوات النوعية والتاريخية في صالح المرأة.
بدأ ذلك بدخول النساء مجلس الشورى السعودي لأول مرة في التاريخ إضافة إلى ترشيحها في المجالس البلدية عام 2013 بقرار من العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أمر بتشكيل مجلس الشورى في دورته الجديدة وتخصيص 20 بالمئة من مقاعد المجلس للنساء، وتضمن الأمر الملكي أسماء أعضاء المجلس المعينين والبالغ عددهم 150 وجرى تعيين 30 سيدة بالمجلس.
عقدة نظام الولاية
كان ذلك فاتحة العهد الجديد والمشرق للمرأة السعودية، والذي نال أكبر دفعة مع تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد البلاد، وشهد ملف المرأة أكبر حراك، ودفقة تاريخية من القرارات والخطوات المهمة في هذا السياق.
حصلت المرأة السعودية على خطوة رمزية في إطار نيلها الحقوق المعطلة منذ عقود، وذلك بمنحها حق قيادة السيارة الذي صدر عام 2016 وأصبح ساري المفعول الآن، ثم تتابعت الخطوات وجرت تسمية الكثير من الكفاءات النسائية في مناصب قيادية متقدمة وتعمل كنائب وزير في بعض الدوائر الخدمية والرسمية اليوم.
تلك الخطوات الرشيدة والفضاء الجديد من التغييرات الجوهرية يشجعان على حثّ الحكومة السعودية لبذل المزيد من الجهد في سبيل تمكين المرأة ومنحها حقوقها الكاملة بوصفها مستقلة ومسؤولة عن تصرفاتها. من ذلك نظام الولاية الذي يشهد منذ سنوات نقاشا وجدلا واسعين، والذي تجاوز المستوى المحلي إلى المجتمع الدولي، وتأمل السعودية أن تخرج بنتيجة ملائمة لهذا النظام الذي تتشابك فيه الجوانب الدينية والاجتماعية والقانونية.
وتتحرى السعودية في كل خطواتها وقراراتها أن تساعد في بناء مجتمع متماسك ولو اضطرت إلى نوع من التغيير المتأني والواعي، بديلا عن مصادمة ما وقر لدى المجتمع من مسلمات قد تكون نتيجة المسّ بها وخيمة وغير محمودة.
ويُعرف عن الأميرة موقفها الداعم لقضايا المرأة، إذ عبرت صراحة عن رفضها لولاية الرجل. وأعلنت تأييدها لقضايا مثل حضور النساء للمباريات الرياضية، وقيادة المرأة للسيارة.
وعند السماح للنساء بحضور مباراة كرة قدم لأول مرة في يناير عام 2018، كتبت تغريدة عبر حسابها على تويتر جاء فيها “اليوم أدخلتم السعادة في قلب كل عائلة وامرأة سعودية بحضور المباراة الأولى. تعتبر لحظة تاريخية في المملكة”.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق