قوّضت السعودية الكثير من جهود الاستهداف وهدمت بنيان مستعمرات قطرية وتركية كانت تعشش لدى المجتمع السعودي وتبني أرضية لتثبيت المشروع الذي تلتقي فيه طموحات الدوحة مع ضغائن طهران وأمنيات أنقرة ووعود الإخوان.
الثلاثاء 2019/03/12
توارت الأسماء وبقيت الأفكار، واشتد الحصار وتفلتت الجهود، هذا ما يصِف باختصار واقع بعض الحسابات المجهولة التي تملأ منصات التواصل الاجتماعي، حيث ينشط السعوديون ويجتمعون ويقضون أوقاتا طويلة في استهلاك الحراك الافتراضي.
هذه الحسابات المشبوهة تواجه اليوم أكبر حملة لتعريتها وكشف زيف جهودها التي كانت تستتر خلفها، وتدس سمّ استهدافها للمملكة العربية السعودية في عسل انتصارها أو ما تصّور أنه انتصار لقيمها وروح مجتمعها.
يخوض اليوم عدد من الناشطين والمؤثرين السعوديين على هذه المنصات حربا إلكترونية شرسة، تلقى دعما كاملا من المجتمع المحلي، لا سيما وأن ما تم كشفه حتى الآن يلقي بالضوء على حجم الاستهداف الكبير والخطير الذي تضمره تلك الحسابات، وأنها جزء وترساً في آلة كبيرة تديرها حكومات وجماعات معادية ومغرضة للسعودية وأخواتها من العواصم العربية التي اختارت منازلة المارد الأيديولوجي الذي عبث بالمنطقة السنوات القليلة الماضية.
أكثر ما اعتمدت عليه جهود الكشف عن هذه الحسابات المضمرة في أحشاء المجتمع الافتراضي وظله المتواري، هو تتبع المواقع التي يستقر فيها مشغلو هذه الصفحات والحسابات، وجاء في الأغلب أنها تنشط وتنطلق من تركيا والعراق وقطر وبريطانيا ولبنان وإيران، رغم ما تصوره من كونها حسابات سعودية تدار بجهود وطنية محلية ولا تخرج عن طوعها أو حدودها، لكن الحقيقة غير ذلك تماما حسب ما أسفرت عنه الحملات الأخيرة.
الدليل الأوضح والبرهان الأجلى، هو قراءة متفحصة للمحتوى، ونظرة متأنية في طبيعة تلك الحسابات وسلوكها، والأفكار التي تتبناها ونمط التغريدات المتبعة فيها، إذ أجمعت النتائج واتفقت على انتظام متسلسل في روح الأفكار التي تتبناها وتبثها بلا خطل.
تعتمد هذه الحسابات آلية عمل خبِرها الواقع السعودي وعرفها تماما فيما مضى، إذ بقيت ديدنا خلال مرحلة ما قبل “الربيع العربي” عندما تولت الجماعات الأيديولوجية والإسلامية خاصة مسؤولية تشكيل الوعي والتأسيس لمرحلة التمكين وقطف الثمار والفوز بجائزة التثوير الممنهج للمنطقة.
وهكذا وبناء على سياسة المراوغة، اتخذت تلك الجهود خطوة إلى الخلف في ظل المواجهة الصريحة الشاملة، وأخذت تكسو تحركاتها بغطاء من الوطنية المدّعاة، وبدأت تعمل على أساس ما تمهر وتبرع فيه من التشويش والتشغيب والاستهداف.
استمرت هذه الحسابات في أداء وظيفتها، وبث دعايتها داخل منظومة المجتمع السعودي خلف الأسماء الموهمة، تنشر الإحباط ومشاعر الخوف والتوجس من كل جهود السعودية، لتفتّ في عضد العلاقة بين القيادة والمجتمع، وفي كيمياء البلد الذي يحيط به المتربصون من كل صوب وجانب.
كرّست هذه الحسابات الهواجس التي كانت تعوّل عليها الدعاية القطرية، وتوتير المجتمع وتغذية الإحساس بانحراف الواقع، وحاولت تسويق فكرة أن السياسات المتبعة مؤداها الهلاك وضياع الثوابت وتقويض بنية الدين وانمحاء أثره بعد حين.
كان من بين ما يؤخذ على تلك الحسابات ويؤشر إلى فساد توجهاتها، هو تحفظها أو توقفها عن مواجهة الخصوم الأيديولوجيين للسعودية، والانسجام مع الدعاية الإخوانية في معاداة دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والترويج لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، والبرود تجاه سلوك قطر المعادي لعواصم الاستقرار العربي.
كل هذا وأكثر، كان مثار ريبة وشك في توجهات تلك الحسابات وأهدافها، وبأنها تضمر خلاف ما تعلن من الحرص على بيضة المجتمع وصيانة قيمه.
كانت تلك الحسابات الوظيفية في المجمل تقوم على مبدأ التعبئة الشعبية، وتجهيز الذهنية الاجتماعية لتشرب الأفكار الأيديولوجية، وخلق حالة فراغ وارتباك لاستثماره ساعة تحين الفرص المشرعة للتمكين من جديد. قوّضت السعودية بفعاليتها الجديدة اليوم، الكثير من جهود الاستهداف القديمة، وهدمت بنيان مستعمرات قطرية وتركية كانت تعشش أفكارها لدى المجتمع السعودي، وتبني أرضية كفيلة بتثبيت دعائم المشروع الكبير الذي تلتقي فيه طموحات الدوحة مع ضغائن طهران وأمنيات أنقرة ووعود الإخوان المسلمين.
لكن خيار المواجهة الحادة الذي اتخذته الرياض كان الضربة القاصمة التي أجّلت تلك الأحلام وقوضت الأوهام ونفضت عشّ الدبابير، لتختبئ الكثير من الوجوه والرموز خلف معرّفات مزيفة تحمل نفس السمات والأفكار، وتخوض نفس المعركة الفكرية التقليدية للفوز بوجدان المجتمع السعودي، لكنها جهود ستذروها الرياح وتبددها العزيمة الصلبة لمواجهة المارد الأيديولوجي حتى لا تقوم له بعد ذلك قائمة ولا تستيقظ فتنه النائمة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق