التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العالم على وقع الانسحاب الأميركي.. عود على بدء

كل شيء يتغير الآن انطلاقاً من تواضع قوة الولايات المتحدة وأعراضها الانسحابية في عدد من المواقع والمواضع التي كانت خلال العقود السالفة محلا تقليديا لنفوذها، وملعبا مريحا لسياساتها وهي تعزز دورها وتضبط إيقاع العالم واتجاهاته عبرها.
الأربعاء 2019/02/20

وكأن المناخ العالمي يسترجع حالة سياسية خبِرها من قبل، سيولة في الأحداث وتشابك للمواقف بحثاً عن درجة من الاستقرار التي ستطبع الحقبة التالية من تاريخ الكون وسيرة البشرية، بعض من ملامح اليوم تشبه تلك الأجواء التي عصفت بالعالم نهاية الحرب العالمية الثانية، مروراً بالحرب الباردة التي كانت آخر مناسبات المنافسة على سدة العالم، انتهاء بشكل سياسي انفردت فيه الولايات المتحدة بقيادة العالم والتأثير في أدق تفاصيله.
لكن ذلك يتغير الآن، انطلاقاً من تواضع قوة الولايات المتحدة وأعراضها الانسحابية في عدد من المواقع والمواضع التي كانت خلال العقود السالفة محلاً تقليدياً لنفوذها، وملعبا مريحا لسياساتها وهي تعزز دورها وتضبط إيقاع العالم واتجاهاته عبرها.
كما أن استعادة روسيا- وهي آخر من قاوم الانفراد الأميركي- لبعض دورها وحضورها في محيطها الحيوي والشرق الأوسط وحوض أميركا الجنوبي، يقترب من مشابهة فترة سابقة، ورغم أنها تعاني بعض الوهن في اقتصادها وقدراتها التنافسية بما لا يرقى إلى مقارعة الولايات المتحدة، لكن روسيا فلاديمير بوتين تحظى بثقة الكثير من اللاعبين في عدد من الملفات، في ما تخسر واشنطن، بالمقابل، المزيد من حلفائها وأصدقائها.
حتى أن الفصائل الفلسطينية بحثت على طاولة في موسكو خياراتها، ثقة في روسيا وعدالتها الأقل انحيازاً من الولايات المتحدة التي جاهرت بتحجيم الحقوق الفلسطينية لصالح المزيد من الحظوة لتلب أبيب، وحاولت عبر مؤتمر وارسو تقديم اقتراحاتها الجائرة في الملف الفلسطيني، لولا أن السلطة الفلسطينية وسلة الفصائل المختلفة اختارت أن تميل إلى موسكو واجتمعت بوزير الخارجية سيرجي لافروف الذي هاجم نية واشنطن حصار الفلسطينيين وحرمانهم حقوقهم.
بديلاً عن روسيا ثمة لاعبين جدد، يملكون مقومات أكثر تنافسية من موسكو، وسيكون لهم دور أكثر فاعلية في تشكيل وتعديل الواقع السياسي العالمي، من ذلك التنين الصيني الذي استيقظت عنقاؤه، وسجلت قدراته الاقتصادية قفزات هائلة دفعت الجانب الغربي من العالم لتحسس رقبته مستشعراً هذا الخطر الداهم والقائم.
كما أن الهند بانطلاقتها الاقتصادية، واليابان التي أخذت تتململ من واقعها الاستسلامي وبدأت في تحريك بعض ما يقيد حركتها في دستورها، لاسيما وأن النفس الحمائي الذي تمارسه الولايات المتحدة اليوم يحفزها للعمل بشكل منفرد وتصميم حركتها استجابة لحاجاتها وبحث بدائلها.
ماذا عن أوروبا التي كانت في حقبة ما تنفض عنها غبار المعارك وترفع عن كاهلها أعباء ومتاعب حربين عالميتين، وكانت الولايات المتحدة وقتئذ تشبه لقطة المصور كيفين كارتر التي جسدت مجاعة عام 1993 في السودان، لنسر يرقب موت طفلة ناحلة الجسد لينقض عليها.
تعاني أوروبا اليوم من متاعب جمّة، ليس آخرها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم عنت التفاصيل في هذا الخروج المأزق، وتواجه أوروبا ظروفها المتغيرة فيما لا تهتم واشنطن الترامبية سوى بزيادة تكاليف هذه المشاق والظروف غير السارّة.
تخرج القوات الأميركية من سوريا لكنها تفكر في إرسال 5000 مجند حسب ما كشفته مذكرة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جون بولتون، بشأن نوايا الولايات المتحدة تجاه فنزويلا.
تعود القضية الكردية إلى نقطة الصفر، عارية إلا من الوعود المرسلة، وتكثف واشنطن من وجودها في العراق مجدداً بعد أن بحثت عن فرص انسحاب نهائي يطوي هذا الملف العالق في أروقتها.
تستنزف واشنطن الكثير من طاقتها واهتمامها في الانشغالات الداخلية، وزاد تسنّم ترامب لمقاليد حكم البلاد في توريطها بالمزيد من الانكفاء إلى الداخل، أكثر من ذلك باستخدام الملفات الخارجية في محرقة الاستهلاك والمقايضات المحلية، الأمر الذي أثّر على فعالية الدور الأميركي وأربك حسابات الحلفاء وترتيباتهم وخلق ثغرات عديدة في جدار الواقع السياسي للعالم.
تكابد إسرائيل لنيل بعض الاعتراف من عواصم عربية كان يوما حلما سابحا في فضاء المستحيل، ويسوّق بنيامين نتانياهو -لأغراض انتخابية بحتة- للتقارب مع تلك العواصم، لكن الواقع لا يؤشر إلى احتباس المسألة الفلسطينية في عثرتها دون أفق يلمع بنهاية سعيدة.
وكأن قدر هذه المنطقة، والعالم أجمع، أن يستمر عالقاً في عثراته، متوقفاً عن التقدم لطي متاعبه المستمرة، واقفا بدون حراك إلا اجترار ماضيه القريب والبعيد باستمرار.
ماذا يدور في بالك وأنت تقرأ خبر اللبناني جورج زريق، الذي توفي في باحة مدرسة بقضاء الكورة شمالي لبنان، وقد أضرم النار في نفسه بعد أن رفضت المدرسة تقديم إفادة له حتى ينقل ابنته إلى مدرسة أخرى.
وتستعيد بين سطوره بعض ما حدث وانطبع على السنوات التالية لهبّة 2011 الشعبية منذ حوّل التونسي محمد البوعزيزي جسده فتيلاً لاشتعال الأوضاع وانفلاتها من عقالها.
يحدث الأمر نفسه مع انتفاضة الشعب السوداني ضد جمود الأوضاع، وتقابلها نفس ردة الفعل من قبل الجهاز الحكومي للرئيس البشير، وكأن شيئاً لم يتغير، ووعياً لم ينبت، ومرحلة مختلفة لم تبدأ.
الرابط :






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...