عمر علي البدوي
)ﺣﻴﻦ ﺗﺮسل الفتاة «ﻃﻠﺐ إضافة» ﻟﻚ، ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أنها ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻜﻮن ﺻﺪﻳﻘﺔ، ﻻ «ﺣﺒﻴبة»
وﺣﻴﻦ «ﺗﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟ» BC» ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أنها اجتماﻋﻴﺔ، وﻻ ﻳﻌﻨﻲ «ﻣغازﻟﺘﻚ» ﻛما ﻳﻔﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ
وﺣﻴﻦ «ﻳﻌﺠﺒها ﺗﻌﻠﻴﻘﻚ» ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﻗﺪ أﻋﺠﺒﻬﺎ التعليق، ﻻ «أﻧﺖ»
ليست كل نظرة إعجاب تساوي «حباً»، وليس كل من يشرب حمضيات «درباوي»(
رسالة بلاك بيري
وﺣﻴﻦ «ﺗﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟ» BC» ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أنها اجتماﻋﻴﺔ، وﻻ ﻳﻌﻨﻲ «ﻣغازﻟﺘﻚ» ﻛما ﻳﻔﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ
وﺣﻴﻦ «ﻳﻌﺠﺒها ﺗﻌﻠﻴﻘﻚ» ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﻗﺪ أﻋﺠﺒﻬﺎ التعليق، ﻻ «أﻧﺖ»
ليست كل نظرة إعجاب تساوي «حباً»، وليس كل من يشرب حمضيات «درباوي»(
رسالة بلاك بيري
الرسالة السابقة التي يتبادلها مستخدمو البلاك بيري تعبر عن خلاف ما في فهم التعبيرات عن الواقع الاجتماعي التقليدي، ولذلك لزم التنبيه بطريقة ساخرة كعادة اللغة الحديثة التي يتداولها المستخدمون
أكثر ما يتداول في عالم البلاك بيري عبارة عن نقولات لحكم وأمثال شهيرة واقتباسات لكبار المفكرين والفلاسفة قد لا تستوعبها ثقافة وأذهان المراهقين الذين يشكلون نسبة عالية من مستخدمي هذه التقنية والمنتظمين في خدمتها
ولكن شروط الانتشار والمزاج العام الذي يوحي بالحضور الفاخر، والنرجسية التي تدفع الأشخاص للتظاهر بالحكمة والمعرفة والإحاطة بفنون التحضر والرقي، أجبرتهم أحياناً على استخدام هذه العبارات والمنقولات التي تملك طابع التميز والفرادة
ناهيك عما يكتب في إطار الثقافة الإسلامية التي تلقى رواجاً غير مستغرب في المجتمعات المحافظة التي ترتاح إلى هذه اللغة المنتمية إلى أعماق المجتمع، بالإضافة إلى تبادل معلومات الرياضة والفن والأخبار التقليدية
هناك ما يمكن تسميته بمسألة التعبير بالإنابة، إذ يتداول البعض مقطوعات من شعر أو نثر أو رواية، الغرض منها نقل إحساس ما، أو التعبير عن فكرة ذهنية يعجز الشاب عن نطقها لضعف القدرة على التعبير أو الإملاء، فضلاً عن التظاهر بمثل هذه المقطوعات لبث الإحساس بالأهمية واستجلاب إعجاب الآخرين
أصبحت شبكات التواصل مثقلة بالرمزية، ورسمت لها أنماطاً مخصوصة من المصطلحات والمفاهيم أصبحت حاضرة في الواقع الاجتماعي، وهذه صورة من الانعكاسات الصارخة على طبيعة الناس
ففي تويتر الذي يملك نصيب الأسد من حراك شبكات التواصل الاجتماعي ثمة ما يرمز إلى لغة خاصة به، فالبيضة تعبير عن امتعاض الجمهور عن سلوك ولغة مستخدم ما تميل إلى المخابراتية مثلاً أو التقليدية وهذا لأن تويتر في عمومه مشوب بمسحة سياسية جادة، وفي البلاك بيري يطلق مصطلح (الصنم) على الشخص الذي يكتفي بالاطلاع والقراءة وأحياناً بتغيير صوره الرمزية دون المشاركة في بث رسائل جماعية أو إضفاء تحديثات عامة ملفتة وذلك لأنه يعيش في وسط اجتماعي نشط وفاعل ومتحرك يقوم بدلاً عن الواقع الاجتماعي
السخرية طبيعة ثانية في واقع شبكات التواصل، وهي طابع لا يكاد ينفصل عن التغريدات التي تعج بالنقد لكل ما هو تقليدي وغير موافق لرغبة الجماهير، توظيف السخرية مهم لتمرير الرسائل الضمنية والتخفيف من حدة مصادمة الأفكار، وأحياناً لتلطيف الجو والامتثال للإطار العام الترفيهي والاستمتاعي الذي ينتظم هذه الشبكات والأدوات
الإشاعات غذاء دسم للحراك، فدرجة الوثوقية في تناقل الأخبار معدومة وضعيفة، فضلاً عن كون التخلي عن صناعة الإشاعات يهدد الحراك بالنضوب والتلاشي، وبدأ التطور يصل إلى تحري الدقة في تخليق الإشاعة لتكون أقرب إلى الصدق وقابلة للنشر مضافاً إليها مسحة من السخرية والفكاهة أحياناً
والإشاعة فن اجتماعي عادة لمجرد الاستهلاك المحلي وإشباع الحراك الاجتماعي بأعواد الاشتعال، وأحياناً أخرى تكون الإشاعة ممارسة سياسية لتمرير الرسائل الضمنية أو الاستعاضة بها عن مناطق الفراغ التي تحدثها البيروقراطية والتعتيم الرسمي
البساطة والاختصار والمباشرة، شروط هامة في لغة التواصل الحديثة لأنها تشتغل على عقلية تتلهف للجديد ولا تميل إلى إثقالها بشروط استيعاب مكلفة وبذل جهد في التحري والدقة والعناية بالتفاصيل الكثيرة، الإشباع الحقيقي في التنوع الثري وليس في العمق العلمي ولا التكلف المعرفي، فإن الأجيال التي خضعت لمعطيات الثقافة التلفزيونية ودهشة الصورة وإبحار الشبكة العنكبوتية أصبحت أكثر شغفاً بتقديم المعلومة المختصرة والغرائبية في قالب فكاهي ومبهج
أصبح واضحاً الأثر الذي تركته شبكات التواصل وتقنياته الجديدة على اللغة، وأجبرت كثيرا من الصحف العالمية ومؤسسات الإعلام الضخمة أن تستجيب لشروط اللغة الجديدة وتفتح حساباتها في هذه القنوات لمواكبة الحراك الاجتماعي الموّار
هذه التقنيات الحديثة نتيجة مجتمع الصناعة المتسارع، مجتمعات متطورة وخاضعة للغة الأرقام والاختصار والإيجاز والمباشرة، وانتقلت إلى مجتمعات شديدة البطء بكل حمولاتها وآثارها الاجتماعية والثقافية، ولذا أصبحت درجة التململ كبيرة ومتوحشة وشهوة ابتلاع كل تقنية جديدة قاسية
القارئ الجديد يحب الكلمة المختصرة والعبارة الموجزة والجملة المقتضبة، والكاتب البارع الذي يقول أروع فكرة في أقصر جملة، «يعني بدون ثرثرة»! وما أصعب هذا العمل
لم يعد لدى أحد الاستعداد الآن لمطالعة كتاب مثقل بالمعلومات أو حتى برنامج تلفزيوني دسم وطويل، مجرد ومضات وإضاءات خاطفة ومتسارعة كاستجابة لشروط اللغة الجديدة التي فرضتها تقنيات التواصل الحديث، لقد حقنت المجتمعات بإحساس هوسي لابتلاع كل شيء وملاحقة الأخبار المتقاذفة بفعل الحراك الاجتماعي النشط
اتجه جمهور مستخدمي هذه التقنيات إلى جوانب سلبية كذلك، ففي تويتر تكثر حالات الشتيمة والقذف والتنابز، فضلاً عن تسميم الحراك الثقافي العفوي ونصب محاكم تفتيش لفضح النوايا وملاحقة صغائر الأمور وتقبيح الأنشطة الفكرية وتجريمها بطريقة غير نزيهة ولا أخلاقية أحياناً
استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي، وتويتر بشكل أوضح، إجبار كثير من ممارسي الإعلام على الاستجابة لشروط اللغة الحديثة في اختصارها ومباشرتها للموضوع، وربما كانت واحدة من أهم أسباب رفع مستوى النقد ومنح المعنيين جسارة أكبر ورفع سقف حريتهم
حتى إن كثيراً من برامج التلفزيون الشهيرة أو الجديدة التمست رضا الناشطين على تويتر ووظفت هذا الجانب في دعم برامجها وربما أشركتهم في إعداد البرامج ومساءلة الضيوف، بل وصل الأمر ببعض القنوات المحلية إلى توظيف نجوم الإعلام الجديد ورموز شبكات التواصل الاجتماعي في شاشاتها وتحويل أنشطتهم على شبكة الانترنت إلى برامج تلفزيونية في تجربة جديدة لم يتسن الوقت الكافي لإدراك نجاحها وأثرها
إذ لا يخفى على مطلع أهمية العناية باختلاف الظهور التلفزيوني عن حراك شبكات التواصل الاجتماعي، وربما تخفق تجربة الانتقال غير المشروط بمراعاة هذا الاختلاف
«مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة لليوم الخامس على التوالي أخذ نطاق الصراع بالاتساع ولكن عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ويوتيوب وفيسبوك حيث يحاول الإسرائيليون استمالة التعاطف إلى جانبهم وتبرير عدوانهم، في حين يحاول الفلسطينيون والمتعاطفون معهم كشف حقيقة العدوان الغاشم وإبراز إنجازات المقاومة»
بهذا النص دونت قناة الجزيرة على صفحتها في )الفيس بوك) خبراً إبان العدوان الصهيوني على غزة الفلسطينية مطلع العام الهجري الجديد 1434، لقد تجاوزت هذه التقنيات مجرد توظيفها في صناعة فضاءات اجتماعية قائمة على الثقافة والفكر ومجرد الفضفضة إلى استخدامات أكثر حساسية في السياسة والحروب والصدامات الدولية وهذا تطور مفصلي في التاريخ البشري يثبت جدارة إمكانات الاتصال الحديثة بالاهتمام والدراسة .
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق