2014-2-3 | عمر علي البدوي
بقلم: عمر علي البدوي / كاتب سعودي
رغم أن فكرة الجهاد الأممي التي انتهت إلى المنتج القاعدي لم تكن نبتة خليجية خالصة، ولكن الخليج العربي ظل يرعاه بالمال ويحافظ على كينونته الفكرية والشرعية، والخليج هنا بمعناه الشعبي وليس الرسمي.
وزاد تصدر أسامة بن لادن السعودي بكاريزمته العالية من ترسيخ الدور الخليجي في فكرة الجهاد العالمي، بالإضافة إلى حماس الشباب الخليجي وتفانيه لخدمة مشاريع الجهاد، نتج هذا من البناء الديني المتين لشباب الخليج، والطابع المحافظ البسيط لمجتمعاتهم، والأشواق الطوباوية التي زرعتها سنوات الضخ الديني المكثف، والعلاقة الوطيدة بين الدين والدولة في التكوين السياسي، وحصانتهم التاريخية ضد الموجات المنفتحة العلمية والسياسية، والاعتبار الجغرافي لمنطقة الخليج وارتباطها بمبدأ الإسلام والوحي المنزل وصدر التاريخ المحمدي.
وتأتي الكويت والسعودية على رأس القائمة الخليجية قياساً إلى نسبة السكان وقوة حضور الجانب الديني في الواقع الاجتماعي.
والجهاد مسألة دينية بحتة دون اعتبار للمناطقية من حيث المبدأ، ولكن ضرورة التحقيق والبحث لتفكيك التراكمات اللاحقة على التجربة الجهادية المعاصرة دعت لاستخدام التوزيع الجغرافي في أذهان حملة الفكر الجهادي الأممي.
وقضية التكفير التي رزئت به التجربة الجهادية لم تكن منتجاً خليجياً أصيلاً، ولكن أبناء الخليج كانوا مطية سهلة لنتائجه وأفكاره، وبلغ شررها إلى قلب البلاد الخليجية عبر أجساد مواطنيها وعقولهم التي حقنت بحمولات جهادية عربية وأجنبية تأثرت بالواقع السياسي المحتقن في بلادهم بعد الفراغ من مرحلة الجهاد الأفغاني المحتدمة.
رغم مرور العواصف الماحقة على فكرة الجهاد الأممي منذ المرحلة الأفغانية وحتى أيام الثورة السورية الكالحة، لا يزال النفير قائماً من شباب الخليج إلى جماعات القتال المسلح تحت راية السلفية الجهادية، والأموال تجبى لدعم أنشطة الجماعات السلفية المقاتلة، ويرجع هذا بالنظر السطحي المباشر إلى وفرة المال وإلى أرضية القبول الاجتماعي التي تتشرب نفس القواعد التي تنطلق منها تلك الجماعات.
ورغم أن السعودية تشهد تراجعاً في أدوار الدعم المالي المباشر لأذرع القاعدة وبقية الفصائل السلفية، ولكنها ما زالت تحافظ على مقعدها من تقنين الفقه الجهادي، ويملك بعض علمائها وأشياخها كلمة فاصلة في الاعتبار الشرعي، ويظهر هذا في مسائل البيعة والتزكية وفك النزاعات والمحاكم الشرعية وتوجيه بوصلة الجهاد على الأراضي السورية عبر التلميح أو التصريح.
كما يحظى بعض علماء السعودية والكويت من خارج عباءة الدولة بكثير من المصداقية والموثوقية في رأيهم لدى الجماعات المقاتلة، مما تطلب استدعاء أسمائهم إلى الساحة الشرعية في المسألة الجهادية وجعل لقولهم دوراً حاسماً في بعض القضايا العالقة، وتزداد درجة مصداقية العالم حسب النظر الأولي كلما كانت علاقته بدولته متوترة أو تحمل طابعاً غير مريح.
وعندما تراجع تفاصيل الأزمة التي نشبت بين "داعش" ذات الانتماء الملتبس لتنظيم القاعدة وبين جبهة النصرة التي تمثل الفكرة القاعدية الأصلية إلى جانب الفصائل الإسلامية المقاتلة، تلاحظ بوضوح الدور الذي يلعبه علماء سعوديون في فصل المسائل وترجيح الكفة وإثقال موازين النزاع للأطراف المتنافسة.
حتى يصل الحال ببعض الجماعات إلى البحث عن "شرعنة" مشيخية سعودية لاكتساب الأنصار وتلميع الراية والفوز بالساحة الشرعية، إلى أن أصبح لكل جماعة شيخها السعودي الذي تقاتل به إلى جانب مهاجريها السعوديين وسواهم على الأرض الدامية.
* الحرب من أجل المال:
ولأن السعودية كدولة استطاعت تقريباً بعد تجربتها المريرة مع موجة الإرهاب والتشدد أن تجفف فرص جمع الأموال والتبرعات التي تتم خارج إطار الدولة لتمويل أنشطة الجماعات السلفية المقاتلة، فإن الكويت تبنت هذه المهمة في ظل الانفتاح السياسي الجزئي الذي تتمتع به، وسعة فرص التحرك إلى جانب انعدام المواقف السلبية المسبقة وإطباق المشهد المأساوي للقضية السورية على المشهد العام مما يتيح فرصة للتنفس واستغلال الموقف وهذا صنع سمعة مدوية لرجل دين كويتي اشتهر بجمعه للتبرعات وإعلانه تمويل جبهة النصرة رغم قاعديتها الصريحة.
ولكن بقي النشاط متاحاً لطالب علم سوري داخل الأراضي السعودية ولكنه نشاط مشروط بتغذية الفصائل المعتدلة والمجالس العسكرية التي تضم منشقين عن الجيش النظامي مما أشعل خلافاً بين الرجلين الكويتي والسوري على وجهة الدعم.
ولأن "داعش" انسلخت عن قاعديتها بعد تشددها الذي جاوز الحد الشرعي حسب الرأي المشاع ومظنة الاختراق المخابراتي التي تدور حولها والفساد الذي استشرى في قيادتها، حاولت وبعد أن أدير الظهر لها البحث عن موارد أخرى، فوجدت ذلك في التهجم على إخوة الدم والعقيدة وفرض الضرائب والإتاوات على الأهالي وممارسة أعمال تقترب من الإجرام والسرقة مدعومة بمبررات شرعية لضمان تحصيل دعم مالي وموارد كافية لتوسيع نشاطها الذي لا يتضمن مواجهة النظام الأسدي في أجندته.
* كتيبة المهاجرين الخليجيين:
أكثر ما يميز الفصائل الجهادية ذات الطابع الأممي عن سواها هي إتاحة الفرصة لاستقبال المقاتلين الأجانب وتجنيدهم لضرب العدو والمشاركة في القتال المباشر، وبذلك تكون هي الوجهة التي يقصدها الخليجيون الراغبين في المشاركة لقتال النظام الأسدي.
وتميل بعض الجماعات السلفية، كمناورة إعلامية، لاكتساب الأنصار واستلاب الأتباع، إلى إظهار الوجوه السعودية في الواجهة الإعلامية لإضفاء القوة والقبول والتأثير على الجماهير، كما أنها تهتم في خطابها إلى إثارة النقاط التي يتحمس لها الخليجيون على وجه الخصوص.
ورغم الحظر الشرعي للمؤسسة الدينية الرسمية من النفير إلى مناطق الصراع الأجنبية والتحذير من بعض الرموز الشرعية المعتبرة من المشاركة في القتال والاكتفاء بالدعم المالي والإغاثي وتوفير العتاد، إلا أنَ الخليجيين يتسربون بوضوح إلى الأراضي السورية للانضواء تحت الوجهات الجهادية المختلفة.
الثورة السورية التي أغرقت في العسكرة فتحت فرصة مواتية وجبهة غير عادية لفصائل القاعدة بأطيافها المختلفة التي تعيش فرزاً تاريخياً غير مسبوق بين قطبي التشدد الأقصى والاعتدال التكتيكي، ويعيش الخليجيون في القلب من هذه المعادلة المضطربة.
"داعش" ما زالت تملك شيئاً من القبول والمصداقية رغم حملات الهجاء والتقريع التي منيت بها، ولكنها تحظى ببعض الإعذار والمسامحة وتشهد موجات من الوافدين ويتعرض بعض منتقديها لحملات تبكيت وتوبيخ واتهام يبلغ آفاقاً خطيرة، وهذا يجسد شيئاً من تجذّر الاختلال في المسألة الجهادية في الساحة الخليجية.
وخلال هذا الصراع الذي تطور من حرب كلامية إلى اشتباك دموي ومن نزاع على الرايات والبيعات الشرعية إلى نزاع مسلح، شهد المهاجرون الخليجيون تذبذباً في الانتماءات، إذ سجلت دفعة من الانشقاقات في صفوف "جبهة النصرة" إلى "الدولة" أول إعلانها، ويبدو أن شيئاً معاكساً سيحصل الآن بعد إثبات انحراف الأخيرة وسقوط شرعيتها.
ولإثبات الحضور الخليجي العميق في المشهد الجهادي السوري، فإن الأطياف الفكرية التي نبتت على الأراضي الخليجية تتنفس بوضوح في صراع الإخوة هناك، فالسرورية والإخوانية والتكفيرية مصطلحات تستخدم للمهاترة والصراع كذلك.
ويزيد هذا الالتباس الموقف الرسمي الصريح والجاد لدول الخليج من الثورة السورية والدعم اللوجيستي والدبلوماسي الكبير الذي تبذله الحكومات لإسقاط نظام الأسد ودعم المعارضة المسلحة، وأجواء الشحن الطائفي المحتقنة التي تشهدها المنطقة ومشاركة ميليشيات شيعية أجنبية إلى جانب النظام السوري، فضلاً عن توارد مشاهد المأساة الإنسانية والكارثة التي تنزل بالشعب السوري.
وعلى الصعيد المحلي الخليجي، يعيش الفضاء الإعلامي موجة من النقاش الساخن حول ما يسمى شيوخ التحريض على الجهاد في سوريا، ويبدو أن هذا يأتي ضمن سلسلة من المعالجات التي اتخذت لاحتواء الدور الخليجي الشعبي من نشاط الجهاد الأممي، وتتوقف نتيجة هذا المسعى على جدية هذه الخطوات وجدواها ومصداقيتها.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق