«داج معتّق.. بكالوريوس سماجة مع مرتبة الشرف الثانية من جامعة أكسفورد قسم الفنون والمواهب الصعبة.. جوهري يا رجل من يحترم.. يحترم».. هكذا يكتب (رئيس حزب الكدادين) تعريفاً بشخصه على جدار تويتر، وهكذا يغريك تويتر للتعريف بنفسك والكشف عن جوانب من حياتك، يحرضك لتختار التعريف الذي يليق بك ويروق لك. الشعوب التي غرقت في الإهمال اليوم تيقظت لحقها في التعبير، مارس عليها المستبد كل صنوف التسطيح والتجهيل والإبعاد عن مواطن المشاركة، واليوم تنتفض لأبسط حقوقها وتطلب كرامتها، وتفصح عن ذاتها.
أحياناً.. نحن من يصنع الوجاهات المزيفة! ومشكلة المقامات عندنا نحن العرب يصنعها (المنصب - الشهرة - النفوذ - المال - السلطة) ولا تقوم على معان حقيقية، وبالتالي تجد أكثر الناس استحقاقاً لهذه المكانة الاجتماعية يتكدسون في طابور عاشر مصيرهم التجاهل والتغييب. نحن مجتمع مستسلم لذهنية متراجعة، ويكفي أن تجد رجلاً بديناً بأكتاف واسعة يتزيّا بمشلحه المهيب ، بينما تتقدمه»كرشته « خطوات لتفرش له الطريق، ويحتف به الجهّال، وتلاحقه أبصار الدهماء الشاخصة. ثم تشتغل «الإشاعة الاجتماعية» في أذهان الناس وعلى ألسنتهم، إنه رجل (غني - واصل - شخصية مهمة علمية أو قبلية - مسؤول دولة)، ثم تبدأ الوجاهة تصنع منذ الآن لترافقه حتى يسحب البساط من تحت قدميه «ذو مشلح آخر».
كلمة «الشيخ» مثلاً التي تطلق لثلاثة (رجل الدين - التاجر الغني - سيد القبيلة) يكفي لإطلاق هذا الاسم أن يتمسح شخص ما بأركان واحدة من هذه الطبقات الاجتماعية ليظفر بهذا اللقب الذي يكفيه شر التعب والمشقة للتصدّر والتسويد. بينما تستبعد أبداً المعاني الحقيقية التي يستحق أصحابها أن يكونوا في صدارة الصفوف، فضلاً عن تأثير هذا «العرف الاجتماعي البائس» على قتل الإبداع وإبطاء حركة التنمية وهضم حقوق الكفاءات وتصغير قيمتهم الاجتماعية والتقليل من الحماس للعمل والإنجاز والنجاح
فإن هذا التصرف السيئ يمهّد لصناعة الاستبداد السياسي، وتسلّط الحكام وفساد الحكومات، وإطلاق يد العابثين ومصاصي دماء وأموال وحقوق الأمة.. يجعل منّا شعوبا ميتة العزائم، مستسلمة خاضعة خانعة، يستبد بها مجرد قطعة قماش مهترئة، ويؤخر مقاعد النبهاء وخلص النجباء. الشعوب والأمم تشبه الكائن الحي، في مطالبه ومخاوفه، في آلامه وآماله، والحاجة للإفصاح عن الذات مطلب ركيزي لدى الكائن الحي بصفته فرداً بشرياً، وبصفته شعباً واعياً وأمة تأمل في النهوض. لا يتوقف الأمر على مجرد متنفسات لتفادي خطر الانفجار، فإن حديقة فاخرة في قرية تعاني شحاً في موارد الماء تعتبر غباء وصبيانية، بل يتجاوز الأمر إلى تحسين شروط المشاركة. والأصوب نقض المشاركة المشروطة إلا إذا تجاوزت حدود اللياقة والقانون. وليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، لكن المستبد يتحول لديه الطموح من طاقة يوظفها في خدمة شعبه وترسيخ قدمه إلى هوس يبتلع معه الشعب والثروة والأرض، ثم يسقط مغشياً عليه بداء التخمة.. إنه يبتلع نفسه ويقضم ما تبقى من أيامه. قديماً كان صبية الجنوب إذا رأوا ثعباناً يتلوى حول نفسه قبل انخماد الحياة داخله، عاجل أحدهم بالقول: إنه يعدّ أيامه.. لا أعرف كم هو الشبه كبير بين المستبد الذي يحاول جاهداً أن يقبض على كل صغيرة وكبيرة في بلده المتهافت من إعياء الاستبداد، وبين هذا الثعبان المقبل على الموت. يبدو أن قصة عدّ الأيام متشابهة لولا أن الثعبان لا يملك أصابع لإدراك عددها المتناقص. لقد تسبب «تويتر» و»فيس بوك».. أكبر شبكات التواصل إلى جانب غيرهما في إحداث دهشة لدى المستخدم البسيط، ليس أقلها سرعة الانتشار والأثر الذي يتركه تصرف صغير أو تغريدة جانبية في مجتمع مسكون بالبطء والرتابة، إنها تقلب الأمور رأساً على عقب، تحول هذا الخمول الذهني إلى حراك واقعي ونتائج خيالية.
هناك دهشة الحرية، لأول مرة يلمس مواطن عادي قدرته على الحديث العفوي المنطلق، رغم الرسوبات النفسية والذهنية للخوف والتردد، مثل رجل أعجم لم ينطق حرفاً في حياته، يستيقظ من نومه الروتيني ليكتشف أنه استعاد قدرته على الكلام وأصبح ينطق، إذا كان تعريف الإنسان في دوائر الفكر النسقي هو حيوان ناطق، فلقد استعاد هذه المرة نطقه وإنسانيته الدفينة معاً، لقد أطلق كل هذين المحتبسين من داخله.
الإفصاح عن الذات انعتاق من ربقة الإملاء الخارجي، انسلاخ من عهدة الوصاية المؤذية، كل أمة أدرى بمصلحتها، ولا يوجد طرف آخر يكون (أبخص) بالمسؤولية وأولى بالمهمة وأجدر بالمستقبل من مجموع الناس أنفسهم الذين يدفعون الخسائر أو يظفرون بالمكاسب.
الحرية مطلب أصيل وليس غرضاً راهناً، لكنه يتعرض للانتقاص دائماً، وهي ليست منتجاً حديثاً جاءت به تقنيات تويتر وفيس بوك، ولكنها أعادت إنتاجه من جديد وبروح العصر الحديث، استعادته الشعوب على جناحي تويتر وفيس بوك.
المجتمعات الشجاعة هي التي تواجه حقائقها، ولا تستنقذ الأمم من آثار الغزو الفكري ولا من بشاعة أعدائها إلا بالتمكين، وهو أن تعمل المجتمعات بكل ثقة على تمحيص تاريخها والاسترشاد بثوابتها والعمل بثقة وقدرة وإرادة على بناء المستقبل.
كما أن التحصين لازم في حركة المجتمعات إلى مصائرها، وهو الاعتصام بالثوابت القطعية التي تجسد إطارنا العام وشخصيتنا الثقافية والحضارية.
إذا كان العقد الماضي احتفل (ببروز الشعبي وسقوط النخبة) وشيوع ما يسمى (بالثقافة التلفزيونية) وتتويج الصورة بوصفها نسقاً ثقافياً، فإن هذا العقد ساعد على بروز الشعبي ورسخ دوره بما لم يسبق له من قبل، عبر أدوات تواصل وتقنيات تأثير وضغط خلقت له قنوات تعبير وتعبئة، وأشركته في الفعل المباشر لتنمية بلاده ورفع الظلم عنها، وتصحيح صورتها وسلوكها.
كما انعكست هذه الثقافة الجديدة التي أوجدتها تقنيات الاتصال الحديثة على كل مجالات الحياة ونشاطات الإنسان، وخضعت لمحاولات التوظيف من أجل الخير والشر معاً كعادة الإنسان في تجيير الأدوات المستطاعة لرغباته.
نسيت أن أقول لكم إن (رئيس حزب الكدادين) يسكن في شيكاغو!
كلمة «الشيخ» مثلاً التي تطلق لثلاثة (رجل الدين - التاجر الغني - سيد القبيلة) يكفي لإطلاق هذا الاسم أن يتمسح شخص ما بأركان واحدة من هذه الطبقات الاجتماعية ليظفر بهذا اللقب الذي يكفيه شر التعب والمشقة للتصدّر والتسويد. بينما تستبعد أبداً المعاني الحقيقية التي يستحق أصحابها أن يكونوا في صدارة الصفوف، فضلاً عن تأثير هذا «العرف الاجتماعي البائس» على قتل الإبداع وإبطاء حركة التنمية وهضم حقوق الكفاءات وتصغير قيمتهم الاجتماعية والتقليل من الحماس للعمل والإنجاز والنجاح
فإن هذا التصرف السيئ يمهّد لصناعة الاستبداد السياسي، وتسلّط الحكام وفساد الحكومات، وإطلاق يد العابثين ومصاصي دماء وأموال وحقوق الأمة.. يجعل منّا شعوبا ميتة العزائم، مستسلمة خاضعة خانعة، يستبد بها مجرد قطعة قماش مهترئة، ويؤخر مقاعد النبهاء وخلص النجباء. الشعوب والأمم تشبه الكائن الحي، في مطالبه ومخاوفه، في آلامه وآماله، والحاجة للإفصاح عن الذات مطلب ركيزي لدى الكائن الحي بصفته فرداً بشرياً، وبصفته شعباً واعياً وأمة تأمل في النهوض. لا يتوقف الأمر على مجرد متنفسات لتفادي خطر الانفجار، فإن حديقة فاخرة في قرية تعاني شحاً في موارد الماء تعتبر غباء وصبيانية، بل يتجاوز الأمر إلى تحسين شروط المشاركة. والأصوب نقض المشاركة المشروطة إلا إذا تجاوزت حدود اللياقة والقانون. وليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، لكن المستبد يتحول لديه الطموح من طاقة يوظفها في خدمة شعبه وترسيخ قدمه إلى هوس يبتلع معه الشعب والثروة والأرض، ثم يسقط مغشياً عليه بداء التخمة.. إنه يبتلع نفسه ويقضم ما تبقى من أيامه. قديماً كان صبية الجنوب إذا رأوا ثعباناً يتلوى حول نفسه قبل انخماد الحياة داخله، عاجل أحدهم بالقول: إنه يعدّ أيامه.. لا أعرف كم هو الشبه كبير بين المستبد الذي يحاول جاهداً أن يقبض على كل صغيرة وكبيرة في بلده المتهافت من إعياء الاستبداد، وبين هذا الثعبان المقبل على الموت. يبدو أن قصة عدّ الأيام متشابهة لولا أن الثعبان لا يملك أصابع لإدراك عددها المتناقص. لقد تسبب «تويتر» و»فيس بوك».. أكبر شبكات التواصل إلى جانب غيرهما في إحداث دهشة لدى المستخدم البسيط، ليس أقلها سرعة الانتشار والأثر الذي يتركه تصرف صغير أو تغريدة جانبية في مجتمع مسكون بالبطء والرتابة، إنها تقلب الأمور رأساً على عقب، تحول هذا الخمول الذهني إلى حراك واقعي ونتائج خيالية.
هناك دهشة الحرية، لأول مرة يلمس مواطن عادي قدرته على الحديث العفوي المنطلق، رغم الرسوبات النفسية والذهنية للخوف والتردد، مثل رجل أعجم لم ينطق حرفاً في حياته، يستيقظ من نومه الروتيني ليكتشف أنه استعاد قدرته على الكلام وأصبح ينطق، إذا كان تعريف الإنسان في دوائر الفكر النسقي هو حيوان ناطق، فلقد استعاد هذه المرة نطقه وإنسانيته الدفينة معاً، لقد أطلق كل هذين المحتبسين من داخله.
الإفصاح عن الذات انعتاق من ربقة الإملاء الخارجي، انسلاخ من عهدة الوصاية المؤذية، كل أمة أدرى بمصلحتها، ولا يوجد طرف آخر يكون (أبخص) بالمسؤولية وأولى بالمهمة وأجدر بالمستقبل من مجموع الناس أنفسهم الذين يدفعون الخسائر أو يظفرون بالمكاسب.
الحرية مطلب أصيل وليس غرضاً راهناً، لكنه يتعرض للانتقاص دائماً، وهي ليست منتجاً حديثاً جاءت به تقنيات تويتر وفيس بوك، ولكنها أعادت إنتاجه من جديد وبروح العصر الحديث، استعادته الشعوب على جناحي تويتر وفيس بوك.
المجتمعات الشجاعة هي التي تواجه حقائقها، ولا تستنقذ الأمم من آثار الغزو الفكري ولا من بشاعة أعدائها إلا بالتمكين، وهو أن تعمل المجتمعات بكل ثقة على تمحيص تاريخها والاسترشاد بثوابتها والعمل بثقة وقدرة وإرادة على بناء المستقبل.
كما أن التحصين لازم في حركة المجتمعات إلى مصائرها، وهو الاعتصام بالثوابت القطعية التي تجسد إطارنا العام وشخصيتنا الثقافية والحضارية.
إذا كان العقد الماضي احتفل (ببروز الشعبي وسقوط النخبة) وشيوع ما يسمى (بالثقافة التلفزيونية) وتتويج الصورة بوصفها نسقاً ثقافياً، فإن هذا العقد ساعد على بروز الشعبي ورسخ دوره بما لم يسبق له من قبل، عبر أدوات تواصل وتقنيات تأثير وضغط خلقت له قنوات تعبير وتعبئة، وأشركته في الفعل المباشر لتنمية بلاده ورفع الظلم عنها، وتصحيح صورتها وسلوكها.
كما انعكست هذه الثقافة الجديدة التي أوجدتها تقنيات الاتصال الحديثة على كل مجالات الحياة ونشاطات الإنسان، وخضعت لمحاولات التوظيف من أجل الخير والشر معاً كعادة الإنسان في تجيير الأدوات المستطاعة لرغباته.
نسيت أن أقول لكم إن (رئيس حزب الكدادين) يسكن في شيكاغو!
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق