التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الرجل الافتراضي




عمر علي البدوي

«في علم التواصل الاجتماعي يقال بأن من يضع صورة شخص من جنس فائق الجمال، في الغالب يكون صاحب منظر قبيح سواء كان ذكراً أو أنثى»
اللستة ما تطمّن أبداً أبداً

« رسالة بلاك بيري
يقضي عمار أغلب يومه في متابعة جديد القائمة التي تتجاوز الثلاث مئة جهة، يتبادل مع أصدقائه الرسائل والصور والنكات، ويناقش المقربين منهم على الخاص بلونه الأسود المعروف
عرف في أوساط قائمته بكثرة ما يبث في أثير البلاك بيري فضائل الصلاة وقيمة الاستقامة على الطريق المستقيم، وفي كل يوم جمعة يعتبر المصدر الأساسي لرسائل معطرة بروح الإيمان ومعتقة بنفحة القرآن
لشدة ما يغرق في بث الرسائل الدينية ينسى موعد الصلاة وتفوته لمرات كثيرة، وربما ترك صلاة الجمعة لأكثر من شهر أو يزيد
تثير رسائله الدينية المعهودة حالة استنكار واستغراب في وسط من يعرفونه على وجه الحقيقة، وحالة إعجاب وتقدير كبيرين ممن لا يعرفه إلا عبر حسابه في البلاك بيري، لربما كان يقصدهم في المقام الأول، مما جعل رسائله تتلقى الشكر والذكر وعديد (إعادات التوجيه) لتعميم الاستفادة والانتفاع بها
وعلى العموم فإنه وغيره أصبح ملزماً بالاستجابة لشروط المزاج العام في البلاك بيري الذي يفرض عليه الإدلاء بغير قناعاته الأصيلة، ومغازلة مشاعر الآخرين بما يستهويهم من منقولات تمس الدين والثقافة، وأقل من هذا النكات والتعبيرات الساخرة وهكذا
قبله تعرض فريح لمحاولات ابتزاز متكاثفة و(خرفنة) عدادها يتجاوز أصابع اليد، لقد أسال لعابه الحديث المتكاثر عن مواعدة البنات عبر هذا الجهاز، وانطلق لتمثل صورة الشاب الغني المكتظ بالرومانسية والعاطفة الجياشة ووظف كل خبرته المختزنة بقصص الفشل واستخدام كل الأدوات التقنية للجهاز، ولكنه في كل مرة يفشل ويقع فريسة جديدة، الآن انخفض حماسه وغادره الإحساس بدهشة البلاك بيري
وقد يتظاهر شاب يعيش في قرية ريفية لا تظفر بأقل مستويات التمدن والشروط الحضارية، يعيش في بيت بسقف متهالك وفي قرية ينقض عليها الغبار بشكل متكرر، وتحدق فيها الشمس بعينين حمراوين شديدتي التقيظ والحدة ثم يكتب بكل بساطة : «في واحد من صباحات باريس الشتوية، جلست على طرف مقهى باريسي كلاسيكي يعج بالغرباء، أرتدي معطفي الأسود، وأحتسي كوباً من القهوة الساخنة»
الرجل الذي يستخدم تقنيات الاتصال الحديثة لا يختلف كثيراً عن حقيقته فإن دمثاً خلوقاً مملوحاً كان بها، وإلا كان ثقيلاً مزعجاً لا يُقبل ولا يُطاق
تقنيات الاتصال الحديثة صبغت الحياة الاجتماعية بأساليب الوصل والفصل الخاصة بها، فإن أحب حديثك «اتبعك» وإن غير ذلك استخدم « delet » و«unflow » وأشباهها
ثمة ازدواج بين الشاب في واقعه الحقيقي، وبين حضوره الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن «تويتر» وفيس بوك يدعم كشف الأسماء الصريحة لمزيد من الموثوقية والإقبال، بينما يحرّض البلاك بيري على إخفاء الهويات لتجنب الحرج والنقد اللاذع والهروب من تمثل ما يبثه من حسابه إلى الجمهور من قيم وقناعات
أحياناً يستخدم الشاب أدوات البلاك بيري في صوره وتحديثاته ورسائله ما يعبر عن رغائبه وسقف ما يطمح إليه، يرسم شخصيته المثالية التي يتصورها، يذهب إلى أبعد ما يبذل ذهنه من طهورية وانسجام فائق الروعة .
وهذا يتوافق مع ذهن ومزاج المراهق الذي يعيش حالة من المثالية، والغموض، والاستعاضة بالبدائل التي تعبر عنه وعن طموحاته العاطفية والمادية .
هل يذكرك هذا بشيء؟ بالفعل، إنه لا يختلف كثيراً عن الواقع، الاحتكاك البشري نفسه بكل ما فيه من المسايرة والتبعية ولون من النفاق الاجتماعي الذي يضمن للمرء أحياناً القبول والتماهي .
كنت دائماً أقول لصديقي عطية الذي (أتفلسف) عليه وأظهر أمامه بصورة أرسطو أو زرادشت، أن الإنسان يشبه نفسه، ستجده في كل مرة بكل آماله وآلامه وبكل عوالجه وخوالجه، وهو في العالم الافتراضي لا يقل شبهاً بالإنسان الطبيعي لكأنه روبورت وضع في جوفه قلب بشري وذهن آدمي .





الرابط : 

http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/component/k2/item/15405-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A-3?Itemid=1#.Uu2eyj00EpV






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...