على ضفاف البحر الأحمر الذي يمد أمواجه في فضاء لامتناهي من الكون يرقد ذلك البناء الهادئ الذي يحتضن معرض "أسبوع الفن" بجدة، كانت السيارات تتوافد بشكل ملفت على بوابة المعرض، تقل عشرات الزائرين للوقوف على تفاصيل المعرض الذي ينظم مشغولات فنية .
يغلب العنصر النسائي على الحضور في المساء الأخير من عمر المعرض، يقبل النساء بشغف يثير انتباه أكثر المتواجدين بروداً، لعل المعرض يشكل متنفساً لنساء يعشن في ظروف اجتماعية غير طبيعية، وأكثر من ذلك عندما تجد بعض المعروضات التي اشتغلت عليها النساء تعبر بوضوح عن نوع من الضجر أو التعبير عن رغبة عميقة للتغيير .
" وسمة منصور" التي تعرض بعض صورها العبقرية على جدران المعرض كتبت في لوحة تعريفية مثبتة إلى جانب واحدة من صورها التي تحمل عنوان سعوديات عازبات: "تسعى صوري إلى توسيع الجدل في الحوار الدائر عن المرأة السعودية من خلال تقديم صورة مختلفة بعض الشيء عن واقعها وتجاربها، وينظر العمل إلى كيفية قيام المرأة السعودية العزباء بإعادة التفاوض حول حدود دورها الاجتماعي والنسائي وتجاوز الأعراف الاجتماعية في المملكة العربية السعودية وغيرها من الأماكن، وطرحت من خلال صوري تساؤلات حول الطرق التي يمكن للبنى الاجتماعية من خلالها التأثير على تصوير المرأة السعودية وتجسيدها في الصور " هكذا تكتب وسمة إلى جانب لوحة ضخمة تجمع مربعات من الصور تحوي أكياس للتسوق وحقائب نسائية تتضمن بعض المشتريات وكأن الأسواق والمراكز التجارية تعبر عن فرصة التنفيس اليتيمة عن نساء السعودية والتعبير عن اهتماماتهن التي حشرت في زاوية التبضع والاستهلاك التجاري بالنظر إلى واقعهم الاجتماعي والبيئي المتأزم .
إلى جانب الأسواق التي تعتبر أبغض الأماكن إلى الله في المخيلة الدينية وأكثر أماكن النشاط الديني لرجال هيئة الأمر بالمعروف في السعودية تعتبر العوالم الافتراضية فرصة للهروب من الواقع الضيق، وهذا ما لمع في ذهن نور كيلاني التي رأت في " شبكة الإنترنت ملاذا للناس في المملكة العربية السعودية والعالم للهروب من الواقع، والعيش في عالم افتراضي.
وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة، تتصارع عوالم الأزياء والفن والتكنولوجيا في تركيب هذا التصميم للتعبير عن الوجهة التي يرغب الفنان باختيارها والتي تتناقض مع هذه العوالم " ووضعت هذا النص على مدخل غرفة مزدحمة بالأجهزة التقنية الحديثة والموسيقى الصاخبة وكأنها تختطفك من ضيق الواقع إلى سعة الحقيقة الافتراضية لبعض الوقت .
في الطريق إلى بقية زوايا المكان، يعترضك مجسم لجسد امرأة بيضاء استعيض عن ساعديها بأبواب سيارة، وكأنها تجنح باتجاه حلمها المهيض وحقها المسلوب التي ما لبثت تطارده لسنوات طوال دون أن تحقق خطوة واحدة في سبيله، وما زال الأمل في ذلك مختطفاً من ذهنية اجتماعية قاسية .
وعلى اليسار من ذلك المجسم تجهرك صورة لرجلين ملتحيين قبالة شاطئ البحر ويقبض كل منهما على عود آيسكريم، وكأن الأمور بدأت تتحسن والفطرة أخذت في استعادة عافيتها بعد عقود من تحريف معاني الحياة وفرض تفسير حاد للتدين الاجتماعي ألهبته سنوات الصحوة العجاف التي عصفت بالمجتمع وقفزت به من طور العفوية إلى جحيم الأيدولوجيا وانغلاق العقل وجفاف العاطفة .
وغير بعيد عن ذلك تواجه في ناصية المعرض لوحة تضم عشرات القطع من أشرطة الكاسيت المصفوفة بعناية، والعناوين التي ما زالت محفورة على وجه الكاسيتات تكشف عن حجم الجهد الذي بذل خلال سنوات الصحوة الدينية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لتغيير ملامح المجتمع إلى التجهم والقسوة .
عناوين المحاضرات التي صرفت اهتمامها في إنذار المرأة وتحذيرها مما يتربص بها من التغريبيين والليبراليين وشد انتباهها إلى مخاوف ومخاطر لم تولد إلا في أذهان متأزمة، وهجوم كاسح وماحق على الأسواق والحفلات وكل معاني الحياة البريئة وإشاعة التوجس والخوف منها، كل ذلك طبع الذهنية الاجتماعية بما أنتج مرحلة من القسوة والنضوب والتخلف .
في ذيل المعرض يقف واحد من المشاركين لعرض وجهة نظره في موازين العدل والقسط عبر أدوات تاريخية وحديثة استخدمت لموازنة المسافات وفض النزاعات، جمع غفير من النساء يلتف حول رجل يشرح باستمتاع بينما يقف إلى جانبه أستاذ جامعي استأذن للتعليق على الفكرة وبدأ يهاجم النساء بلهجته البدوية المتمعّرة، رغم أن النساء لا تمت بصلة لموضوع الحديث ولكن منظرهن واقفات للاستماع استفز ذاكرته العتيقة وأخذ يكيل الشتائم والاستنقاص بسبيل التلميح، ولكن النساء بدأن في مغادرة المكان كتعبير حضاري للاحتجاج على هجومه السافر ، وخارج أروقة المعرض ينتظر بقية النساء .
الرابط :
http://162.13.30.34/Web/Culture/2014/2/879716.html
تعليقات
إرسال تعليق