التنسيق بين الرياض وموسكو يهدد هيمنة قطر على سوق الغاز العالمي ويعزز "رؤية المملكة 2030" الهادفة لاستثمار كل الإمكانات.
الخميس 2019/10/17
تعطي التحركات السعودية المتسارعة باتجاه توسيع الاستثمار في مجال صناعة الغاز لمحة أكثر وضوحا عن نوايا الدولة الخليجية الغنية بالنفط لمزاحمة جارتها قطر، التي تواجه تحديات للانفراد بالسبق العالمي خاصة وأن الرياض عقدت عدة شراكات توجتها مؤخرا خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى البلاد.
الرياض - تسابق السعودية الخطى لإنجاز مشروعها الاستراتيجي بتوسيع إنتاجها من الغاز والدخول بقوة إلى أسواقه وتلبية حاجاته والمنافسة في هذا القطاع الحيوي، بوتيرة متصاعدة تنقلها من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير والاستثمار في مصادره بشراكات عالمية أخذت تبرمها وتعلنها باستمرار.
ولطالما تجاهلت السعودية الغاز واعتبرته أمرا تكميليّا وأقلّ ربحية من النفط، رغم امتلاكها رابع أكبر احتياطي في العالم.
لكن “رؤية المملكة 2030” التي تهدف إلى استثمار كل الإمكانات التي تمتلكها السعودية، والتي تثاقلت أو تساهلت في استغلالها، يعزّز هذا التوجّه الجديد، فضلا عن تلبية الطلب المحلّي المتزايد على الكهرباء.
ويبدو أن التنسيق السعودي الروسي في هذا المجال سوف يخلق بيئة مختلفة لهيمنة قطر الكبيرة على سوق الغاز المسال العالمي خاصة وأن خطط الدوحة المتعلقة بزيادة الإنتاج في السنوات الخمس المقبلة تواجه عدة عثرات.
ولعل من أبرز تلك الشواهد هو تعطل الاستثمار في حقل بارس المشترك مع إيران، الأمر الذي يمدد استئثار القطريين بالحصول على عوائد أكبر من احتياطات أكبر حقل للغاز في العالم.
وبنت قطر رفاهيتها خلال ربع القرن الماضي على تبني سياسة الغاز كبديل للنفط بعد هزة اقتصادية وأزمة خانقة منتصف التسعينات قادت في بعض مبرراتها إلى إطاحة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بأبيه أمير قطر الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.
التوقعات تشير إلى أن الطلب بحلول 2030 سيصل في السعودية إلى الضعف، الأمر الذي يتجاوز تقريبا قدرة شركة الكهرباء الحكومية على الوفاء بها مع ملاحظة ارتفاع استهلاك البلاد للغاز بنسبة 60 بالمئة بين عامي 2007 و2017.
هذه التحركات تنسجم مع النظرة المستقبلية لتوجهات الأسواق العالمية، وتوقعات تراجع الطلب على الخام خلال السنوات الـ15 القادمة، والبحث الجاد عن بدائل الطاقة المتجددة مقابل زيادة الطلب على الغاز إلى النصف حتى 2040.
السعودية تملك احتياطيا من الغاز يبلغ حوالي 324.4 تريليون قدم مكعب وقد تتضاعف مع الاكتشافات الجديدة
وبتسليط الضوء على ذلك، يتضح أن معظم شركات النفط العالمية مثل بريتش بتروليوم وشل وتوتال بدأت في إعادة صياغة توجهاتها بالتركيز على الغاز.
وبدأت أرامكو منذ منتصف سبعينات القرن الماضي في استخلاص الغاز واستخدامه لتطوير منتجات إضافية ذات قيمة إلى جانب النفط. وبات عملاق الطاقة السعودي المورِّد الوحيد للغاز لبلد يعد سابع أكبر سوق للغاز في العالم.
لكن وبناء على التوجه الجديد لديها، استثمرت الرياض مليارات الدولارات في منابع النفط والغاز خلال السنوات الخمس الماضية، وسوف تضاعف إنتاجها ضمن رؤية 2030.
وتمتلك السعودية احتياطيا من الغاز يبلغ 324.4 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى تريليونات الأقدام المكعبة المحتمل اكتشافها، حيث نفذت أرامكو حفر 70 بئراً في 2018، بحثا عن الغاز الحجري.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قد دشن في ديسمبر 2016 مجموعة مشاريع في التنقيب والإنتاج في معامل واسط للغاز ومعامل أخرى بقيمة إجمالية قدرها 50 مليار دولار.
كما افتتح مشروع وعد الشمال والذي يحتوي على أول معمل لإنتاج الغاز الصخري في منطقة طريف، وبدأت أرامكو إجراء دراسات زلزالية في بعض أجزاء البحر الأحمر، حيث يعتقد البعض بوجود رواسب غاز طبيعي كبيرة.
وإلى جانب ذلك هناك استثمارات جديدة سيتم ضخها لاستثمار الغاز الصخري بمنطقة الأحساء في حقل الجافورة القريب من الحدود الإماراتية العمانية، الذي تقدر احتياطاته بنحو 3 مليار قدم مكعب من الغاز الصخري.
ونتيجة تلك الخطوات تم تحقيق زيادة في إنتاج الغاز من 9 مليارات قدم مكعب يوميا إلى 12.4 مليار قدم مكعب يوميا وفي غضون خمس سنوات سيصل إلى 24 مليار قدم مكعب يوميا.
وأعلنت أرامكو على لسان رئيسها التنفيذي أمين الناصر أنها ستصدر نحو 3 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا إلى دولتيْ الإمارات وعمان، مدشنة بذلك مرحلة جديدة في اقتصاد السعودية بالتحول من استراتيجية إنتاج الغاز لتلبية الاستهلاك المحلي الى التصدير.
وستنشئ أرامكو شركة غاز دولية متكاملة تستثمر في موارد الغاز الكبيرة، إذ أن الرياض مقبلة على ثورة صناعية هائلة في مجال الغاز تلبّي 75 بالمئة من استهلاك قطاع المرافق العامة وتعزز نمو قطاع الكيميائيات المحلي، وتفتح مجال لتصدير الغاز الطبيعي المسال.
تأتي هذه الخطط بينما تسعى أرامكو إلى توسيع نفوذها بالاستحواذ على فرص عديدة بمجال الغاز في الولايات المتحدة وروسيا والهند وباكستان وإندونيسيا، من أجل تعزيز مبيعاتها.
ومن ذلك اتفاق السعودية لشراء الغاز الطبيعي الأميركي كجزء من خطة تقدر تكلفتها بنحو 160 مليار دولار على مدى عشر سنوات لتطوير أصولها من الغاز.
وتنوي الرياض أيضا شراء حصة في يامال وهو أضخم مشروع روسي للغاز بعد توقيع أرامكو مذكرة تعاون مع شركة نوفاتيك الروسية في مجال الغاز الطبيعي المسال في فبراير من العام الماضي.
هناك أسباب محلية وسياسية للاهتمام بالغاز، إذ تستنزف السعودية الكثير من النفط الذي يتم إحراقه في محطات الكهرباء، وهو جزء من حصة إنتاج السعودية في منظمة أوبك، وسيؤدي إيقاف ذلك إلى زيادة صادرات البلاد النفطية دون أن تخلّ بالتزاماتها تجاه المنظمة.
وإذا تمكّنت أرامكو من إنتاج الغاز تجاريا من مشاريعها الاستكشافية والتوسعية المختلفة، فإن ذلك سيؤدي إلى إيقاف استهلاك ما بين 400 إلى 800 ألف برميل يوميا في توليد الكهرباء بالغاز ويجعلها قابلة للتصدير.
ليس ذلك فحسب، بل تستهدف السعودية خفض انبعاثاتها من الكربون، وسيكون الغاز أكثر نظافة من النفط في توليد الكهرباء.
ومن المتوقع أن ستصبح السعودية نتيجة هذا التوجه، واحدة من أكبر مصدّري الغاز المسال في العالم مستقبلا.
وتدفع الاكتشافات الأخيرة للاحتياطيات من الغاز، تدفع السعودية للدخول إلى نادي الدول الخمس الأوائل في العالم من حيث الاحتياطيات.
وسيضاعف ذلك دورها وتأثيرها الذي خبرته عبر بوابة النفط، والذي طالما انفردت به السعودية تاريخيّا، وكانت بعقلانيتها المعهودة تجنّب الأسواق العالمية عن أي تأثيرات سياسية أو عمليات لا أخلاقية لاستثمار ورقة النفط.
ومع كل ذلك، ستحافظ السعودية في الوقت نفسه على حضور فاعل ومؤثر في المنظومة الاقتصادية للعالم، بل سيعزز تأثيرها السياسي ومحوريتها في المنطقة.
كما ستحقق زيادة الاهتمام بالغاز الذي سيصبح عمّا قريب واحدا من أكثر مصادر الطاقة طلبا في العالم، حماية السعودية من تأثير اللاعبين التقليديين في هذه السوق الصاعدة، بعد أن تصبح لاعبا عالميا رئيسيا في أسواق الغاز والنفط معا.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق