التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دروس ثورتي العراق ولبنان للجماعة الحوثية

الجماعة الحوثية تحاول تكريس إقامة طويلة للنفوذ الإيراني في اليمن، على خطى حزب الله وسواه من منتجات طهران في الخارطة العربية.

الأربعاء 2019/11/13
لماذا يريد الحوثيون الإصرار على البقاء حيث أوشك الآخرون على الانتهاء؟
لماذا تمعن الجماعة الانقلابية في الالتحاق بالرعاية الإيرانية والانضواء تحت مظلتها، في وقت تصحو فيه البلدان التي تضررت من تلك العباءة، التي خنقت فضاء وسماء بعض العواصم العربية، وقد أخذت الآن تنتفض وترفض هذا الدور الإيراني السلبي وتدفع ثمنا باهظا للخلاص منه ومن تبعاته الكارثية؟
لأول مرة منذ 8 أعوام، تندلع مظاهرات حازمة وشاملة ضد الفساد في العراق، تتجه بوصلتها مباشرة ودون مواربة ضد التدخل الإيراني وأتباعه وذيوله في الداخل، وقد كسرت تابوهات الخوف والتردد واليأس. ومثل ذلك يجري في لبنان، الذي بلغ بأهله البؤس حدّا لا يطاق ولا يمكن قبوله بعد اليوم.
من قلب كربلاء، حيث توهم قاسم سليماني وزبانيته، أنها أضحت تاج إمبراطوريته الجشعة المتوسعة، “هوّس” شباب حرّ بمعزوفة تقطر وطنية وعفوية وبسالة وهم يرددون “إيران برّه برّه.. كربلاء تبقى حرّة”.
وعلى وقع “كلن يعني كلن” التي صرخت بها حناجر اللبنانيين في الساحات العامة، وفي المواقع التي اعتقد “حزب الله” أنها حصن جغرافي وديموغرافي يوفر له الولاء المطلق والدعم اللامتناهي في الضاحية والنبطية وسواهما، يتعمق رفض النفوذ الإيراني وتتقوض بناه وعراه، التي أبرمها ورمى مفاتيحها في بحر ظنه السادر بتمام المهمة وإنجاز الوعد.
عاجزا، وقف حسن نصرالله في لبنان، إلا من خطابات التحايل والمراوغة بين تهديد فجّ ووعود فارغة. ومثله فعل وكلاء طهران في العملية السياسية المشلولة في العراق، أمام انتفاضة عفوية لا تنتمي إلى مرجعيات معلنة ولا أطر محددة، ترفض كل مشروع دخيل وسياسة تأتمر بالخارج، وتبحث عن وطن يلتئم في حدوده القطرية ويستجيب لحاجات أهله وينتظم في سياق المجتمع المتحضر والقانون الدولي.
الانتفاضات التي اندلعت بالأساس لمقاومة ظروف معيشية، لم تعد تطاق في هذه البلدان، وقد عانت شعوبها من أعباء حياتية غليظة، كشفت عن جحيم التدخل الإيراني، الذي يغذي وكلاءه المحليين باستراتيجية الانفراد بواقع البلدان وإقصاء المكونات الوطنية وتوريط البلاد في سلسلة من المغامرات الدموية والعبث بعلاقاته الخارجية وإثارة حنق المجتمع الدولي والإفراط في تفسيخ الهوية المحلية لصالح مشروع أممي توسعي تهجس به طهران وتنساق له الأحزاب التي تدور في فلك طهران.
إنها وصفة جاهزة تقدمها طهران لجميع من يدفع بلده للالتحاق بمشروعها الطائفي. وهو مسار حتمي للسقوط في الفوضى الشاملة. لماذا تصر الجماعة الحوثية على إقحام اليمن في هذا المنزلق الخطير، بعد أن صحا العراق ولبنان؟ ولماذا لا تتوقف عن سياساتها العبثية العمياء وتجاوب مع فرص الحل الشامل، الذي يوفر خروج البلاد من ذلك النفق المظلم؟
تحاول الجماعة الحوثية تكريس إقامة طويلة للنفوذ الإيراني في اليمن، على خطى حزب الله وسواه من منتجات طهران في الخارطة العربية، تبث دعايات مكثفة، وتعبث بالمناهج المدرسية، وتستثمر في المناسبات الدينية، مثل الاحتفال بالمولد النبوي لتحويله إلى منصات توطّن النفوذ الإيراني وتعمق مفرداته الوجدانية والمفاهيمية لتأبيد وجودها في الواقع اليمني.
لكنه وجود هشّ، ستذروه رياح أقرب انتفاضة جماعية ترفض هذا العبث، طال الوقت أم قصُر. لن يكون لإيران موطئ قدم في اليمن، وستنتفض القطاعات الشعبية ضد وكلائها الحوثيين، وستأبى الخضوع لمعاول سليماني التي تعبث بتراب اليمن وثراه.
تعيش طهران اليوم ظروفا صعبة، وتئن تحت وطأة عقوبات اقتصادية قاسية، وتواجه رفضا دوليا شاملا وانتفاضات شعبية تنتشر في جغرافيات مختلفة كانت نهبا لنفوذ إيران، وقد حان وقت رفضها.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...