وزير الخارجية السعودي الجديد تنتظره الكثير من التحديات التي تفرضها ظروف مرحلة حرجة ومعقدة من عمر المنطقة وحالة السياسة في العالم أجمع.
الأحد 2019/10/27
أصبح الأمير فيصل بن فرحان آل سعود محط تركيز وسائل الإعلام والمتتبّعين منذ أعلن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، الأربعاء الماضي، تعيينه وزيراً للخارجية، خلفا لإبراهيم العسّاف الذي لم يكمل عامًا واحدًا في تولي حقيبة الخارجية بالمملكة.
وأصبح اسم الأمير الوزير متداولاً بكثافة، منذ ذلك الإعلان، لتفحص سيرته ومهاراته الشخصية وخبرته العملية وتجاربه في الميدان التي أهلته لهذا الموقع المهم في بلد محوري ومؤثر وفي ظل ظروف وتحديات كبيرة تعصف بالمنطقة والعالم عموماً.
ورغم خبرته الواسعة التي امتلكها، وكان آخرها عمله سفيراً للمملكة لدى ألمانيا التي يعرفها جيداً ويجيد التحدث بلغتها، إلا أن الأخبار والتفاصيل شحيحة لاسم محدود الانتشار يتولى مهمة حساسة ومنصباً يحظى بالكثير من الضوء والانتباه.
منصب وزير الخارجية السعودي الذي شهد استقراراً كبيراً بفضل الثبات والأداء الذي قدمه عميد الدبلوماسية العربية الأمير الراحل سعود الفيصل طوال عقود من العمل في هذا الموقع، لكن بعد تنحيه بسبب متاعبه الصحية ثم وفاته، تعاقب على مقعد وزارة الخارجية السعودية ثلاثة أسماء حتى الآن، وختم وصول الأمير فيصل بن فرحان هذا التسلسل، فيما ينتظره الكثير من الواجبات والتحديات التي تفرضها ظروف مرحلة حرجة ومعقدة من عمر المنطقة وحالة السياسة في العالم أجمع، متسلحاً بتجربة عريضة في المهام الدبلوماسية والسياسية وبقليل من الشهرة التي جعلته محل بحث وتحري المتتبّعين والمهتمين.
تغيير في زمن قياسي
ولد الأمير فيصل عام 1974 في مدينة فرانكفورت الألمانية، وقضى أغلب وقته خارج المملكة وتعلم في الخارج وحصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة. وسبق له أن تولّى منصب مستشار بوزارة الخارجية وكبير المستشارين بالمرتبة الممتازة في سفارة المملكة بواشنطن، وهو شريك مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة شمال للاستثمار، وشغل منصب سفير الرياض لدى ألمانيا ما بين فبراير الماضي، وحتى توليه منصب وزير الخارجية قبل أيام.
يتمتع وزير الخارجية السعودي الجديد، فوق ذلك، بخلفية اقتصادية وتجربة متصلة بالتصنيع العسكري، بعمله عضواً في مجلس إدارة “الشركة السعودية للصناعات العسكرية” ورئيس اللجنة التنفيذية منذ أكتوبر عام 2017. زاد ذلك في أهليته لتولي المنصب الحساس، كما أن إلمامه بالعقل الغربي وهواجسُه بحكم خبرته المعيشية الطويلة في البلدان الأوروبية، جعلا منه ضيفاً مفضلاً لدى القنوات الإخبارية الأجنبية لفهم طريقة تفكير القيادة والمجتمع السعودي، وكان ظهوره التلفزيوني لافتاً وهو البارع بالحديث باللغتين الألمانية والإنكليزية ومفصحاً عن مواقف واضحة وقاطعة بشأن الكثير من الملفات التي تتبناها السعودية. وتظهر مقاطع فيديو متداولة للأمير أنه يتحدث اللغتين بطلاقة، ويوصف بأنه متحدث سياسي بارع، من خلال مشاركاته في مراكز بحوث ومنصات غربية.
شغل الأمير فيصل منصب رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للصيانة والتشغيل، ونائب رئيس ومن ثم رئيس شركة السلام للطائرات، وتولى رئاسة مشروع مشترك مع شركة بوينغ الأميركية لصناعة الطائرات. وعيّن بعد ذلك مستشاراً في وزارة الخارجية، بعد أن عمل لفترة وجيزة كمستشار في مكتب ولي العهد السعودي.
لم يمضِ على تعيين سلفه العسّاف أكثر من عام، منذ ديسمبر الماضي، في إطار تغيير وزاري واسع “بهدف إعادة تشكيل مجلسي الشؤون السياسية والأمنية والشؤون الاقتصادية والتنمية”، برئاسة ولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يعفى من منصبه ويحال إلى الأمير فيصل ويخلفه في إدارة مقعد الوزارة التي خضعت خلال الفترة القصيرة الماضية لتعديلات في هيكل إدارتها وبرامج تطويرية تحسن من عملها وترفع من كفاءة أجهزتها لتواكب حجم المسؤوليات التي اتسعت والأدوار التي أصبح واجباً على السعودية أن تلعبها مؤخراً.
استحقاقات المرحلة الحرجة
ألقت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول بظلالها على الأداء اللامع للخارجية السعودية، الأمر الذي استدعى تعيين اسم ضليع في التفاصيل الإدارية مثل الوزير العسّاف البالغ من العمر 69 عاما، والذي أمضى كل حياته المهنية داخل مؤسسات ودوائر الدولة.
ولم يسبق أن تولى العسّاف أي منصب دبلوماسي أو سياسي، فأغلب المناصب والمهام التي تولاها كانت ذات طابع مالي واقتصادي، كما أن تخصصه الأكاديمي لا علاقة له بالدبلوماسية أو السياسة الخارجية، بعكس سلفه أو خلفه اللذين جاءا من داخل أروقة السلك الدبلوماسي السعودي.
ولذلك عمل العسّاف في الخارجية لبضعة شهور في مهمة فنية محددة، ليبث روحاً جديدة في جسم المؤسسة، وتتخفف من شراك البيروقراطية وتحسن من قدرتها على تحقيق أقصى أداء ممكن وتلافي الأخطاء والثغرات التي كشفت عنها الأزمة المترتبة عن الحادث.
فيما جرى تعيين عادل الجبير وزيراً للدولة من دون حقيبة، وذلك عندما رأت الدولة أن يتفرغ للتعامل مع الأحداث والقضايا الخارجية، بعيداً عن الأعمال الإدارية للوزارة ومنسوبيها وتعييناتهم وترقياتهم ونقلهم ومشاكلهم، حيث تم تفريغه لأعمال محددة؛ للاستفادة من قدراته الدبلوماسية ومهاراته ولغته القوية. وتبعاً لذلك تحول الوجه المألوف في الخارجية السعودية الجبير لتولي الملفات الكبرى، بأعباء ومسؤوليات بيروقراطية أقل، في ظل الكثير من الواجبات الدولية والخارجية التي تتطلب زيادة حضور السعودية كثقل إقليمي وموازن في معادلات المنطقة، في مقابل منافسين لا يتورّعون عن ملء فراغ وسد ثغرات الانسحابات المتزامنة للعواصم العربية التقليدية بعد أن انكفأت وتفرغت لانشغالاتها المحلية، تاركة فراغاً كبيراً، اضطرت معه الرياض أن تزيد من غلة مسؤولياتها وتضاعف من حيوية وفعالية أدوارها.
لتأتي تسمية الأمير فيصل أخيراً لتولي سدة وزارة شهدت الكثير من التحولات في منظومتها وطواقمها، وينضم لمجموعة جديدة من كبار الدبلوماسيين السعوديين في مقتبل العمر منهم سفيرا المملكة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
تنتظر الأمير فيصل بن فرحان حمولة مثقلة بالتحديات والمسؤوليات، في منطقة تزداد توتراً وتطلباً لأدوار أكثر حساسية وفعالية، بعد أن أصبحت الرياض، مختارة أو مضطرة، لاعباً مسؤولاً في الكثير من الملفات العالقة والمتعثرة، وسيكون على الوزير الجديد أن يبرع في التعامل مع كل هذا التعقيد الفظيع والشبكة الواسعة من المهام وأن يوظف ما ادّخره في تجربته من سعة بال وفطنة وحكمة لتفكيك ألغام هذه المرحلة المفخخة بالتحديات.
الوزير الجديد، بخبرته الطويلة في مجال التسليح، وقد قضى ما يقرب من عقد ونصف في هذا المجال، سيكون عليه أن يستكمل مهمة دولته في توطين التصنيع العسكري واستقطاب الدول ذات الاختصاص لتدعم خطة بلاده للتوسع في هذا المجال، والتعامل مع كل العراقيل التي يمكن أن تعيق التقدم في هذا الملف، من قبيل الموازنات الشائكة بين الغرب والشرق، روسيا والصين من جهة التي بدأت في الوفاء بعقودها والتزاماتها مع الرياض، وبين واشنطن وبعض العواصم الأوروبية التي يساورها التردد أو تمنعها شروط وتفاصيل داخلية معقدة قد تبطئ من نوايا السعودية في إنجاز وإنهاء هذا الملف.
الأمير فيصل يعرف بتصريحاته “اللاذعة والقوية ضد إيران”، وخاصة بعد استهداف منشآت النفط السعودية في سبتمبر الماضي. وكان قد صرح وقتها لإذاعة دوتشلاند فونك الألمانية قائلاً إنه “أيّا كانت الجهة التي انطلق منها الهجوم فإن إيران حتماً وراءها، فإطلاق الصواريخ المصنعة في إيران غير ممكن إلا بمساعدتها”.
سيكون عليه تأمين الغطاء الدبلوماسي والسياسي لوجهة نظر السعودية تجاه إيران، المارق السياسي الأكثر إزعاجاً في هذا الوقت إزاء منطقة مثقلة بالمتاعب ولا تنتظر المزيد من فرص الفوضى والانهيار. وسيكون حتماً عليه أن يستوفي شروط نجاح مهمته لمواجهة إيران في جميع العواصم وفي الأمم المتحدة، وخلق توافق جماعي لاحتواء السلوك الإيراني المزعج، بالنظر إلى كل التعقيد المزمن الذي يسكن في التفاصيل.
كانت تلك ملفات عديدة حساسة، ومعها أخرى لا تقل أهمية، مثل استكمال المجهود الدبلوماسي والسياسي المتزامن مع المجهود العسكري للتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، وملفات عالقة في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وقضايا سوريا وليبيا وبقية الواجبات التي اعتادت السعودية أن تلعب فيها دوراً محورياً، سيكون على الوزير الجديد أن يواصل دوره ويبتكر حضوره ويمد في عمر المؤسسة الدبلوماسية لوطنه.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق