التخطي إلى المحتوى الرئيسي

آفاق التفاهم بين السعودية وإيران

في سياق استغراق طهران في سلوكها، تتعسف الآن في التقاط أي إشارة عفوية من السعودية للبحث في سبل للتفاهم باعتباره ضعفا من الرياض، وتبريرا لبراءتها من تهمة السلوك العدواني الذي تحاصرها نتائجه الوخيمة.

الجمعة 2019/10/11
هل هناك فرص لحديث عن سلام أو تفاهم وتقريب لوجهات النظر بين السعودية وإيران؟ سيما وأنّ عددا من دول الإقليم تبرّعت للعب دور الوسيط لخدمة هذا التواصل بين العاصمتين، وأنّ أحدا لا يودّ للتوتر الذي يقارب حافة الهاوية أن يتفجّر في شكل حرب أو مواجهة لن يسلم منها أحد، وتحذّر منها الرياض وطهران على حد سواء، رغم أن الحماقات التي ترتكبها إيران لا يمكن أن تكف عنها سوى باجتراح الخيارات الصعبة والمرّة.
ربما خفتت نذر الحرب التي كانت تشتعل خلف التصريحات المتهجمة والتكهنات المحمومة التي كانت تنزلق إليها المنطقة، وتصاعدت إشارات متقطعة إلى ضرورة إحداث فجوة في جدار التوتر المتصاعد، وخلق فضاء لتواصل ما يجمع أقطاب المنطقة ويخفّض من انبعاث القلق والتوتر.
لكن للرياض وجهة نظر في هذا الشأن، وهي التي تعتبر رأس حربة الاتجاه الدولي لوقف عدوان إيران على المنطقة، وتقليم أظافرها التخريبية وحزّ رؤوس الأفاعي التي غرزتها في بُقع مختلفة من جسم الشرق الأوسط، تأتمر بأمرها وتخدم أجندتها.
تتمسّك الرياض بفكرة مواجهة إيران وتعتبرها ضرورة لا ترفا، وخيارا حتميا لا يمكن التنازل عنه، بالنظر إلى حجم الخراب الذي خلقته طهران بسلوكها التدميري، والذي لا تُجدي معه كل جهود الاحتواء والمجاملة، على اعتبار أنك تتعامل مع نظام يقبع في كهوف التاريخ والعالم القديم، ولا يخضع للغة دولة معاصرة تميل إلى قرارات سياسية تحتكم إلى المنطق.
لا تثق السعودية في رغبة طهران بالسلام أو بأقلّ منه وهو التفاهم، لأنها تتصرّف على أساس عقدي لا يقبل التنازل عن جشع طموحاته التوسعية، باعتبار التنازلات خرقا في صميم العقيدة التي تؤمن بها وتتبنّاها.
ولدى الرياض خبرة طويلة في انتكاسات الطريق المعقّدة لإعادة طهران إلى جادّة الدول الطبيعية، وذلك ما يجعل حماسها منخفضا تجاه رغبة طهران في التواضع أو الكفّ عن سلوكها الذي يحتّم ضرورة مواجهته رغم تكاليفه الباهظة، لكنها ستكون أقلّ ضراوة من السماح باستمرار هذا النزيف لاستقرار المنطقة.
وفي سياق استغراق طهران في سلوكها، تتعسّف الآن في التقاط أي إشارة عفوية من السعودية للبحث في سبل للتفاهم باعتباره ضعفا من الرياض، وتبريرا لبراءتها من تهمة السلوك العدواني التي تحاصرها نتائجه الوخيمة، ولتحشيد المزيد من خيال القوة التي تتوهّمها لمدّ نفوذها ولفت انتباه تابعيها الراقصين على خرائط الخراب من ميليشياتها.
تحمل عُمان دورا تقليديا في التوسّط لإيران لدى كل خصومها الإقليميين والدوليين، لكنها اليوم متراجعة بحكم أنها لا تملك ما تؤثر به على أيّ فرصة للتفاهم في هذا الخصوص. مثله جهود العراق الذي يودّ أن يستثمر علاقته الأثيرة بطهران في إحداث ثقب في تصميم الطرفين على المواجهة، لكنه انشغل مؤخرا بموجة الاحتجاجات التي اشتعلت على ترابه، وقريبا منه باكستان التي أعلن رئيس حكومتها عمران خان أنه يجتهد لإجراء حديث يصبّ في هذا الإطار، لكن انشغالاته المحلية في كشمير تستحوذ عليه وتؤثر في فعالية دوره المفترض.
وفضلا عن تلميع ألمانيا واستثمار روسيا للقضية، فإنّ فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تبدو أكثر جدية في بذل جهد لبناء صفقة تخفّف التوتر وتنقذ واقع المنطقة من منزلقها الصعب.
لكن الصفقة الفرنسية مسكونة بالكثير من الثغرات التي تفسد وجاهتها وتعطّل جدواها، وهي عرضة لنسفها من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغريدة واحدة على تويتر، سيما إذا اشترطت إيران مقابل مجرد الجلوس معه قرار “رفع العقوبات” وإعادة الحالة إلى النقطة صفر، وهو ما يتعارض مع إستراتيجيته تجاه طهران حتى تذعن لكل العمليات الجراحية التي تقتضيها الصفقة الأوبامية الغابرة.
كما أن المقترح الفرنسي موصوف من طرف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير بعملية استرضاء لإيران لن يفعل أكثر من تغذية سلوكها العدواني.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...