التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف ستؤثر السياحة على السعوديين

السياحة فتحت أوسع أبواب التحول الثقافي بعد أن ظلت السعودية لعقود صندوقا مغلقا إلا للأجانب الباحثين عن العمل أو قاصدي بيوت الله الحرام.

السبت 2019/11/09
لا بد لهذه التحولات العميقة في طبيعة الحياة السعودية أن تحدث تغييرا في بنيتها الاجتماعية، أن تطبع أثرا، لاسيما البوابة الواسعة التي ستُفتح لتدفق الأجانب في شكل سياح أو مستثمرين.
هذا البلد الذي بقي محافظا لعقود منذ أخذ شكل دولة عصرية، يستأذن التاريخ اليوم ليحرك أوراقه الخامدة ويحرض الزمان لينفخ فيه دورة جديدة للحياة، ويمد في عروق الواقع نبضا متقدا وشكل حياة مختلف.
ستبعث هذه التحولات على مراجعة نظرتنا لأنفسنا وفحص كل ما يمت إلى الذات العامة ومساءلتها في سياق تحديث منظومة المجتمع الكاملة. إنه انفتاح عكسي يفرض “تقبل الآخر” شروطه في التبسط وتفتيت الشعور الحاد بالفوارق، ويدعم جهود إدماج المجتمع في الحراك البشري المعولم، بحيث تتم إزاحة كل إطار يقصي قدرته على التجاوب ويحلّ بدلا عنه ذهن منفتح ومقبل ومستعد للاتصال بالآخر على اختلافاته.
ستساعد هذه الجرعة الكبيرة من السياح القادمين من 50 دولة، على إعادة تقديم حكايتنا عن أنفسنا. لقد أصبحت المتاحف الشخصية منتشرة ويربو عددها على المئتي متحف، والقرى التراثية بقيت شامخة محتفظة بعراقة إنسان هذا المكان وهو يصارع ظروف الحياة وشظف المعيشة. وهي الآن تلقى اهتماما رسميا وشعبيا، بلغ درجة التنافس بين القرى والمناطق السعودية على صونها وترميمها لتحكي قصة دقيقة وشاهدة على المسافة الطويلة التي قطعتها البلاد لتبلغ ما هي عليه اليوم من حداثة وتطور ودأب على الاستمرار في مشوار طويل من البقاء والتقدم.
سيساعد برنامج التأشيرة السياحية التي أطلقتها السعودية تحت شعار أهلا بالعالم، وانتشرت دعايتها في المواقع الرئيسية من عواصم العالم في مواجهة النظرة السلبية والمختزلة التي طالما عرفت وطبعت عن السعودية تاريخا وثقافة وحكومة وشعبا. وستعطي فرصة للتعرف على الأجزاء المجهولة وغير المكتشفة من هذه البلاد.
سيلمس الأجانب عن قرب حجم ما تنطوي عليه السعودية من روعة وتميز وفرادة، بعد أن كانت لعقود صندوقا مغلقا وبابا موصدا ووجهة غير مرغوب فيها، إلا من الأجانب الباحثين عن عمل أو القاصدين بيوت الله الحرام وأداء الشعائر الدينية، وكلا التجربتين كانت محدودة التأثير ومقتصرة على مجتمعات مسلمة تتشابه مع المجتمع المحلي في عاداته وتقاليده، الأمر الذي حدّ من درجة تأثره وانفعاله بمدخلاتهم الثقافية والسلوكية.
ولعل تجربة الابتعاث التي انخرط فيها مئات الآلاف من المجتمع السعودي، بقصدهم عواصم العلم الكبرى في العالم، أودعت بعض التأثير والتغيير في نفوسهم وشخصياتهم، لكنهم سرعان ما يتحولون إلى نخب منغلقة على ذاتها، وتتحرك في إطار محدود دون أن يلامس أثرهم الإطار العام للمجتمع.
ولرفع درجة استعداد المجتمع لاستقبال الوافد الجديد في منظومة التحول البرامجية النوعية التي تبنتها الحكومة السعودية، أقرّت لائحة للذوق العالم، لضبط السلوك المجتمعي بما يتوافق وضرورة إدماج مفردات حياتية مهمة لإنجاح برامج السياحة والانفتاح الثقافي، وهذا ديدن متبع مؤخرا مع كل خطوة تتخذها السعودية للنأي عن السلبيات المحتملة، وضبط آليات سلوك وردود الفعل الاجتماعية، مثل سن قانون التحرش بعد إقرار قيادة المرأة للسيارة، الأمر الذي يزيد من تأثير وتعميق هذه التحولات الجديدة في بنية ونسيج المجتمع.
تتناول الكثير من الجهود البحثية والأكاديمية الجادة تحولات السعودية والسعوديين خلال تاريخهم القديم والمعاصر، لكن الباحث الاجتماعي النابه منصور العساف يؤرخ تحولات المجتمع بطريقة مختلفة ومميزة.
وعبر البودكاست القصصي “أشياء غيّرتنا” الذي تنتجه إذاعة “ثمانية” على منصة إلكترونية، يستعرض المؤرخ الاجتماعي العساف كل أسبوع شكلا من أشكال تغيّر المجتمع السعودي. ويشرح سبب ذلك التغيّر، وكيف يؤثر على الحياة التي نعيشها اليوم، بحيث ينتقل التاريخ من صفحات الكتب إلى الشوارع والمجالس، ويتعرف المستمع على الجيل القديم وكأنه يرى نفسه من خلاله.
لقد تناول العساف في تجربة جديدة، غير المحكي من سيرة المجتمع السعودي، ورصد التحولات غير المرئية التي صنعت فارقا في ذهنيته وطبيعة ما هو عليه.
ويبدو أنه الآن بإزاء واحدة من أكثر مراحل التغير الاجتماعي وسلة من المدخلات التي ستشكل هوية جديدة وروحا ثقافية مغايرة ستبلغ كل الأطر البعيدة والقريبة، ولن يكون الحال خلال مسافة زمنية قصيرة كما هو الآن على الإطلاق، بما يستدعي شحذ كل الأدوات العلمية لصبر المجتمع ومراقبة استجابته ورصد تحولاته.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...