التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اتفاق الرياض يحقن الدماء ويؤسس لمرحلة جديدة

الاتفاق خطوة هامة تجاه الوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن. وسيشكل بداية صحيحة لرص الصفوف وتجاوز الخلافات والمساهمة في بناء اليمن الاتحادي الذي يشكل حلما وأملا وتطلعا لدى كل اليمنيين.

الخميس 2019/11/07
مجددا، يتصدى التحالف العربي لرأب صدع الواقع اليمني عبر اتفاق تاريخي انتظم طرفاه في الرياض وبشهادة أقطاب التحالف وحضور جمع من الدبلوماسيين والسياسيين ممن لهم صلة واهتمام بالشأن اليمني. وتثبت الرياض وأبوظبي اللتان تمثلتا بقيادتيهما، إرادة الخير لليمن رغم ما لحقهما من الإساءات والتعديات التي تبنتها أطراف يمنية كانت تحتكم إلى حساباتها الضيقة وانتماءاتها الأيديولوجية دون أن تأبه إلى مصلحة اليمن ولا مستقبله.
من الحوار إلى الاتفاق هي المسافة الفاصلة بين مدينتي جدة والرياض، وهما تحتضنان فعاليات هذا التلاحم والوئام اليمني، متعاليتين على الخصومة التي كادت تشق الصف وتدمي التراب اليمني وتعطل المواجهة الأصلية ضد ميليشيات الحوثي ومشروعه للانفراد بالبلاد.
كاد هذا الانشقاق أن يودي بمشروع تحرير اليمن من قبضة الميليشيا واستعادة الشرعية وصون كيان الدولة إلى مزالق المستقبل المظلم والأفق المسدود، لولا مبادرة قيادة التحالف العربي لاستدراك الموقف وتلافي المشكلة، لاسيما وأنها تملك ثقة الأطراف وبنواياها الصافية الطيبة تجاه يمن سعيد موحد يواجه مقوّضي أمنه واستقراره وازدهاره.
أرادت أبواق الفتنة التي ترصّدت لمشروع التحالف في اليمن أن تغرز كل نقيصة بنواياه وخطواته أن تفتّ في عضد أطرافه، وصبّت جام غضبها ونقمتها على دولة الإمارات أكثر من غيرها. ونالت من تضحياتها التي بذلتها في سبيل تحرير اليمن واستعادة شرعيته. وساقت لها الاتهامات جزافا، مقترفة كل الأباطيل والأضاليل للوقيعة بين الإمارات والشارع اليمني.
لكن، وعلى مرأى من أنظار العالم المنصبة نحو طاولة التوقيع على اتفاق حقن الدماء وتأمين الخروج السالم، نوّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته خلال المناسبة بتضحيات الإمارات الجليلة في ساحة الشرف باليمن.
سيبقى على الأطراف الموقعة والمشاركة واجب الوفاء بمرحلة تنفيذ الاتفاق، والتي لن تكون سهلة وميسرة في ظل القوى المتربصة، التي كان وقع صورة قيادات السعودية والإمارات واليمن ملتئمة في مناسبة التوقيع قاسيا ومبددا لآمالها الفاسدة بتقويض بنيان التحالف العربي وتشرذم اليمنيين وانكسار عزيمتهم في مواجهة المارق الحوثي.
وسيكون لنجاح تنفيذ الاتفاق دور في التأسيس لمرحلة جديدة تساعد على انتشال الشعب اليمني مما يعانيه ويقاسيه من التشرذم والتفكك، عبر حكومة تكنوقراط مدنية ستلقى دعما مطلقا من التحالف العربي، على أمل أن تضع هذه الحكومة، على رأس أجندتها، التعليم والصحة ومكافحة الأوبئة وتمكين المرأة، وأن يكون ذلك بذات درجة الأهمية التي ستُمنح لاقتلاع الحوثية ومكافحة الفساد وتفعيل العمل المؤسسي.
والاتفاق خطوة هامة تجاه الوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن. وسيشكل بداية صحيحة لرص الصفوف وتجاوز الخلافات والمساهمة في بناء اليمن الاتحادي الذي يشكل حلما وأملا وتطلعا لدى كل اليمنيين.
المسألة الجنوبية أصبحت الآن محل تقدير واهتمام، حدث هذا بطريقة حضارية وشرعية بفضل اتفاق الرياض، الذي وفّر لها مظلة آمنة لا تبخس صاحب حق ولا تورد اليمن في مزالق الصدام العبثي، بعد أن فجّرت جماعة الحوثي مشروع الحل في اليمن من الداخل، وخلطت أوراق الحوار الوطني الذي استجاب لكل المطالب ولبّى كل الرغبات قبل أن ينقض عليها الحوثيون، الأمر الذي دعا لقيام تحالف عربي تقوده السعودية يعيد الأمور إلى نصابها ويمهّد الطريق لليمنيين للمضي قدماً نحو مستقبلهم الذي رسمته المرجعيات الثلاث قبل أن يتدخل المشروع الإيراني الخبيث وينشر الدمار والإرهاب ويعطل كل مظاهر الحياة السياسية والتنموية في اليمن.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...