التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بوتين من الرياض إلى أبوظبي: جولة ثنائية بعنوان موحّد

الرئيس الروسي يبحث عن موقع مؤثر له في المنطقة يعزز روح الأداء الروسي الجديد دوليا.

الأربعاء 2019/10/16
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات بعد يوم من زيارة قام بها إلى السعودية، وتم فيها تتويج التقارب بين موسكو والرياض عبر التوقيع رسميا على ميثاق التعاون بين “أوبك” والدول المنتجة خارج المنظمة، وعلى مذكرات تفاهم واتفاقيات، سيكون لها مثيلها مع الإمارات بما يدعم الاقتصاد الروسي وقت يعاني فيه بشدة منذ استهدافه عام 2014 بعقوبات أوروبية وأميركية، كما يدعم أساس السياسة الخارجية الروسية في المنطقة والعالم وأيضا يثبّت دعائم الحلف السعودي الإماراتي كقوة إقليمية مؤثرة في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة وتصعد قوى أخرى إلى جانب روسيا على غرار الصين.
أبوظبي – هبطت طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء في أبوظبي قادمة من الرياض، ضمن جولة تبعث برسائل واضحة حول ما تتطلع إليه روسيا وما يمكن أن تقدمه السعودية والإمارات ضمن سياستهما الجديدة التي بدأت تستوعب شروط المرحلة العالمية الجديدة وتسلحت بما تستوجبه.                                                               
زيارة بوتين وما تحمله من زخم تؤكد نجاح هذه الإستراتيجية في استقطاب التحالفات الدولية الجديدة وتنويع الخيارات السياسية والعسكرية للسعودية والإمارات، كما تشير إلى تأثير دورهما في الكثير من ملفات وقضايا المنطقة التي باشرت العاصمتان الخليجيتان في تناولها على أرضية مشتركة وصلبة من التعاون والتلاحم الإستراتيجي.
يبحث الضيف بوتين، في الإمارات والسعودية، عن موقع مؤثر له في المنطقة يعزز روح الأداء الروسي الجديد دوليا. وهو يدرك أهمية العاصمتين في التأثير على معادلات الإقليم، ودورهما المؤثر في حسابات أكثر بؤر العالم تشابكا وتعقيدا، كما يدرك الترابط بينهما بما جعله يربط بين الرياض وأبوظبي ضمن جولة واحدة.
سياسة الحلف السعودي الإماراتي تنهج نهجا يقوم على بناء شبكة من التحالفات وعدم الاعتماد على الحليف الأميركي بعد تنامي سياساته الانسحابية في المنطقة
ولدى القيصر الروسي ذاكرة سارّة بشأن جدية كل من البلدين في تنمية العلاقات وتحقيق النفع الأقصى من بعضهما البعض، من ذلك التفاهم النوعي بشأن النفط الذي تطور إلى شكل من المبادرة تحمل اسم (أوبك بلس) لتنسيق السياسات الهادفة إلى استقرار أسواق النفط، وكان لبوتين والأمير محمد بن سلمان أكبر الأثر والفضل في إنجازه وإتمامه بفضل علاقة شخصية اتسمت بالإعجاب والتقدير المتبادلين.
وسينعكس هذا التفاهم الشخصي والتجربة الناجحة على توسيع فرص التعاون في جوانب عدة من بينها العسكرية والاقتصادية والتنموية التي تشمل قطاعات الطاقة والصناعة والصحة والبحث العلمي والفضاء.
وأكد رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف في بيان أن “روسيا والإمارات العربية المتحدة لديهما الكثير لتقديمه عبر تبادل التكنولوجيا والاستثمارات”. وأضاف “لدينا شراكات ليس فقط على الأرض بل أيضا في الفضاء”، موضحا أن “إمكانيات التعاون غير محدودة”.
وكانت روسيا أرسلت في نهاية سبتمبر الماضي أول رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري (35 عاما) إلى محطة الفضاء الدولية في مهمة استمرت لثمانية أيام. وتم استقباله كبطل في بلاده. وكان الأمير السعودي سلطان بن سلمان آل سعود أول رائد فضاء عربي استقل مكوكا فضائيا أميركيا العام 1985. وبعدها بعامين، أمضى الطيار السوري محمد فارس أسبوعا في محطة “مير” الفضائية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي.

نقلة نوعية

جاءت الزيارة لتترجم هذه النقلة النوعية في شكل العلاقة بين الطرفين ولتنهي مسافة طويلة من التردد وتبدد الشكوك بفضل الإرادة السياسية التي جمعت البلدين على مصير واحد أو خندق واحد حسب تسمية ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
في أكتوبر 2018، قام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة تاريخيّة لروسيا كأوّل زيارة يقوم بها عاهل سعودي إلى روسيا، تمّ الاتفاق خلالها حول موضوعات بارزة، أهمها في المجال العسكري ومجال الطاقة. وفي العام الذي يليه وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والشيخ محمد بن زايد خلال زيارة له إلى موسكو، إعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، الأمر الذي كسا العلاقات بطابع أكثر جدية ونفى عنها كل الصعوبات التي كانت تقمع تطورها وتقدمها منذ عقود.
‏الملاحظ أن سياسة الحلف السعودي الإماراتي تنهج نهجا يقوم على بناء شبكة من التحالفات وعدم الاعتماد على الحليف الأميركي التقليدي، خاصة بعد تنامي أعراضه الانسحابية في المنطقة وزيادة صعوبة التفاهم مع طبيعة تسييره للأمور داخليا بما يبطئ من نتائج تحالف كان لعقود يساعد في تحقيق استقرار المنطقة وضمان استمرار معادلات التماسك في بنيتها السياسية والإستراتيجية.
وبالنظر إلى الحقبة الرئاسية الراهنة في واشنطن، يبدو واضحا أنها لم تتعاف تماما من عيوب فترة باراك أوباما، بل زادت تعقيدات الشأن الداخلي الأميركي من ارتباك الرئيس دونالد ترامب في أدواره الخارجية وانعكس على غياب أي إستراتيجية للعمل في منطقة كانت دائما مسرحا لنفوذ الولايات المتحدة ومحل ثقة اللاعبين الإقليميين فيها، الأمر الذي دفع بعواصم التأثير في المنطقة، وعلى رأسها الرياض وأبوظبي للبحث في البدائل وفحص تجارب جديدة وإعادة تعريف التحالف الخارجي وتطوير العلاقات التي تنمو بشكل متصاعد مع روسيا والهند والصين.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...