التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عجز الحوثي وتصميم السعودية

تستمر جماعة الحوثي في إطلاق صواريخها العبثية وطائراتها المسيرة بكثافة على الأراضي السعودية ، لا تتبنى الرياض مواقف انفعالية تجاه هذا السلوك ، لأنه يحدث ضمن حرب ، بل تتمسك باستراتيجيتها التي يتهمها خصوم التحالف بالجمود وضعف المردود.

هل هذا صحيح بالفعل ؟

الحقيقة أن هذه المقذوفات الحوثية ليست أكثر من فرقعات إعلامية ، لا قيمة عسكرية وواقعية لها ، وهي تطلق لغرض آخر هو بمثابة رقصة الذبيح ، إذ تنبعث بوهن من منصاتها الهشة في التراب اليمني ، بينما يتكفل الجانب القطري بمهمة الدعاية لها.
تحاول الجماعة أن تنتقي مواقع تعطي فعالية إعلامية أكبر ، سيما وأن محاولاتها السابقة منذ بداية هذا النوع من الهجمات بدت وكأنها لا تقدم ولا تؤخر أو تؤثر في المعادلة ، وكانت السعودية تتعاطى معها بأقل مما يأمله الحوثيون ورعاتهم في طهران ، مما استدعى إضافة أهداف تعطي بعداً استعراضياً أكثر ، وهو من صميم ما تريده الجماعة من وراء هذه الهجمات.
حتى أنك لو شاهدت تغطية الجزيرة القطرية ، الملغمة بالتلفيقات والأكاذيب ، والمعززة برسومات توضيحية استخدمت فيها أكثر ما تدّخره الآلة القطرية من تقنيات ، وشاهدت التقارير المفخمة لقدرات الحوثيين الصاروخية ، وذخائرهم القذائفية ، لظننت في وهلة أن الرياض تتحسس رقبتها من الخوف أو الجزّ ، ولا يعدو الأمر أن يكون أدواراً تخادمية ، وزعت على المنضوين في معسكر طهران للنيل من جدار الصدّ العاتي في وجهها من الشق العربي الذي بقي أعزلاً عارياً إلا من ستر السعودية وشقيقتها الإمارات.

المعركة الحقيقية هي في داخل اليمن ، في مناطق سيطرة الحوثي الذي حجزته الهبّة السعودية عن التمدد ، لكنه بقي مستحوذاً على بعض المناطق الحيوية ، من ضمنها العاصمة صنعاء ، وهو يستميت للحفاظ عليها ولو كلفه ذلك الدفع بالأطفال والمراهقين المغلوب على أمرهم.
فضلاً عن تعثر بعض الجبهات على مشارف مناطق سيطرة الحوثيين ، لأسباب مختلفة ، منها الحديدة التي تخضع لترتيبات أممية ، وصنعاء التي ستتحول إلى حمام دماء لو اتخذ قرار اقتحامها ، الأمر الذي يكلف التحالف مزيداً من الوقت والصبر والتعويل على تحلل مفاصل الجماعة من داخلها ، وارتخاء قبضتها بفعل الحصار والاستنزاف.
يفهم رعاة الحوثي الخطر الذي يحدق بهم من وراء الانتظار ، والوهن الذي قد يدب في نفوس وهمة أتباعه ، الأمر الذي يستدعي الاستمرار في سياسة الضرب والهروب ، لاستفزاز السعودية وتحريك العالم ضدها ووخز تصميمها ، فيما تتكفل قطر برمي النبال الكسيحة على جدار السعودية.

ماذا عن وضع اليمن عموماً ؟
لقد صبّت الأحداث التي جرت في عدن المزيد من الزيت في نار الأوضاع ، ولا تود الرياض إلا تبريد حرارتها حتى تحين لحظة مواتية للفصل في ملف يمني بحت ، وأن يصدر الحل في إطار " يمني يمني " ، بشرط أن يكون هذا في ظل ظروف موضوعية وعادلة حسب وجهة نظر السعودية.

ورغم الكثير من التشويش الذي ينال الحالة اليمنية بقصد إفساد جهود التحالف العربي لدعم استعادة الشرعية ، تبقى السعودية هي أخبر الناس باليمن ومحل ثقة الفرقاء فيه ورهانهم على صدق نوايا الرياض وحدبها على الأشقاء اليمنيين ، بحكم العلاقة التاريخية والامتداد الجغرافي والجذور الاجتماعية المشتركة ، ولذا فإن أي حل يصاغ في شأن اليمن لن ينجح أو يتم بغير دور السعودية ولمستها.

وأمام اختلال الأوضاع في اليمن ، فإن السعودية تدعم حلاً بنفس طويل ، والمشاريع المنفردة في الغالب لن تنجح إلا بتشتيت الجهود وتشويش الرؤية ، من ذلك المسألة الجنوبية المؤثثة بالكثير من الخلافات الخافتة والمؤجلة تحت رماد ووهج الانفصال المأمول، واليمن تاريخياً لم يستقر لأحد ، وهو رهن حسابات شديدة التعقيد ، كان الخارج والسعودية تحديداً عاملاً موازناً في هذه المعادلات.
كما أن اليمن واحد من ملفات المنطقة ، وحسمه مرتبط ويؤثر في الوقت نفسه على حالة السياسة في كل الإقليم ، وسينجز في إطار كل هذه الحسابات المتداخلة.

شكلياً هناك الكثير من الأفكار لحلحة الوضع اليمني ، ابتداءاً بإصلاح أداء حكومة هادي ، وتسخين الجبهات العالقة ، وتحسين موقف الأمم المتحدة الذي تشوبه الكثير من الاستفهامات ، وزيادة الضغط على الحركة الحوثية ، وعلى رعاتهم في طهران والدأب في تحجيم قدراتهم ومواردهم ، والدفع إلى جولة حوار سياسي جاد وفاعل ، انتهاء بتقسيم الحل بين جنوب وشمال عالق بورطاته وتقوية العناصر المناهضة للحوثيين في صنعاء وتمكينهم من أدوات انعتاقهم من سطوته.

كل الأفكار مطروحة بلا شروط أو سقوف ، المهم - حسب وجهة نظر التحالف والسعودية بالتحديد - أن يكون ذلك مدعوماً بالإجماع الدولي رغم الهنات الفاضحة التي ارتكبتها المؤسسات الأممية في هذا الإطار ، لكنه دور مهم لإعطاء الشرعية الكاملة لأي نهاية مأمولة في الشأن اليمني.


الرابط :
https://elaph.com/Web/opinion/2019/09/1264440.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...