الممثل عبدالله السدحان يحتل في وجدان المشاهدين السعوديين والعرب مكانة بارزة، حتى تم تصنيفه ضمن أفضل 43 شخصية مؤثرة في العالم العربي من قبل "مجلة نيوزويك".
الخميس 2019/09/26
بقي الثنائي الفني السعودي ناصر القصبي وعبدالله السدحان لهما أكثر الشراكات التلفزيونية نجاحاً لقرابة العقدين الكاملين. ترافقا في الظهور عبر المسلسل الشهير “طاش ما طاش” الذي عرض على شاشتي القناة السعودية الأولى وشاشة “أم.بي.سي” في مواسم متعددة، قدما خلالها حلقات حفظت كألمع ما قدمته الدراما السعودية في أرشيفها الشحيح.
لم يقدر لنجاحهما أن يستمر بعد أن قرر القصبي أن ينهي مسيرة المسلسل ويطوي قصة الثنائي الأشهر في الخليج، فيما أصر السدحان على الاستمرار ومواصلة مشوار المسلسل، الأمر الذي كان بداية خلاف لم يتوقف حتى اللحظة وبلغ حد تبادل الاتهامات والشكاوى في المحاكم السعودية.
السدحان مثل زميله القصبي، ظهر خلال هذا المسلسل في عدد من الشخصيات والكاركترات التي حفرت في أذهان المشاهدين، مثل “أبومساعد”، و”أبوعلي” الذي جسد الجزء الجنوبي من البلاد، و”فؤاد” من الحجاز، بالإضافة إلى “عليان” و”سعيدان” وغيرها من الشخصيات.
ملامسة المحظور
لامس عدد من مواسم “طاش” السقوف المحظورة وتناول التابوهات ذات الحساسية العالية في حسابات الجمهور السعودي، ما جعل من المسلسل وأبطاله عرضة لأنواع مختلفة من الخصومات والتحديات الصعبة. وبكل الأحوال، شاركت هذه التجربة في صياغة مرحلة تأسيسية للدراما السعودية، واجترحت مدرسة يصعب تكرارها. ورغم تواضع الأداء خلال السنوات الأخيرة قبل إلغائه وهو الذي دفع القصبي لإنهاء مشواره، يبقى “طاش” علامة فارقة في مسيرة التلفزيون والدراما الخليجية وربما العربية كذلك.
السدحان ممثل كوميدي ومنتج وكاتب ولد في مدينة شقراء، غرب الرياض عام 1958. وشارك في بداياته في أعمال كوميدية كثيرة. انطلاقته كانت عام 1974 مع النجم محمد العلي، حين اكتشفه المخرج سعد الفريح ثم أعطاه دورا، حيث كان يخرج حفلاً لنادي الهلال، وكان السدحان من ضمن الجماهير فقدم له بطاقة دعوة للتلفزيون الذي كانت محطته الأولى، ومن ثم في مسرح جامعة الملك سعود في الرياض، ومن خلاله بدأت علاقته بالمسرح حيث كان من طلاب كلية الزراعة في ذلك الوقت.
بدأ مشواره الفني رسمياً مع بكر الشدي وناصر القصبي في مسلسل “عيون ترقب الزمن”. وشارك في العديد من الأعمال والمسلسلات التلفزيونية من أهمها “أيام لا تنسى”، “صراع الأجيال”، وطبعاً “طاش ما طاش” بمواسمه الـ18.
حاز السدحان على الجائزة الأولى كأفضل ممثل في مهرجان القاهرة، وجائزة أفضل مسلسل كوميدي عن مسلسل “طاش ما طاش” في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، وصنف ضمن أفضل 43 شخصية مؤثرة في العالم العربي من قبل “مجلة نيوزويك”.
“طاش ما طاش” هو مسلسل تلفزيوني رمضاني كوميدي سعودي، بدأ عرضه عام 1994، شارك فيه العديد من الممثلين السعوديين والعرب، ويعتبر من أنجح الأعمال التلفزيونية في السعودية والعالم العربي، وقد طلبت مكتبة الكونغرس الأميركية بعض أجزاء العمل لوضعها في أرشيف المكتبة.
وأخذ اسم المسلسل من لعبة ودية تؤخذ فيها قارورة المشروب الغازي المصنوعة من الزجاج فيقوم أحدهم بخضها عدة خضات ليقول لخصمه “طاش أو ما طاش؟” أي عند فتح القارورة هل تفور ويخرج ما فيها من مشروب خارجها أم لا، فيختار الخصم إحداها فتُفتح القارورة والفائز من يصح قوله، وهي لعبة حماسية قد تشترك فيها مجموعة من الأشخاص والكل منهم يدلي برأيه في ذلك.
بدأت فكرة البرنامج من خلال السدحان والقصبي، والمخرج عامر الحمود. وبعد الموسمين الأولين انفصل الثلاثي ليعمل الثنائي السدحان والقصبي بالتعاون مع المخرج عبدالخالق الغانم. واستمر عرض العمل على القناة السعودية الأولى حتى العام 2005 حيث انتقل بشكل نهائي إلى شاشة “أم.بي.سي”.
حاول المسلسل معالجة قضايا المجتمع السعودي في إطار كوميدي ساخر، فلكل حلقة قصة؛ وعادة ما يفتح الفنانان الباب للجميع لإرسال قصص أو كتابات ويقوم فريق العمل بمعالجتها درامياً.
ورغم تميز تجربة “طاش ما طاش” وشهرتها الذائعة، وارتباطها بأجيال متعاقبة من السعوديين، كانت لسنوات وجبتهم الدرامية المفضلة في أكثر أوقاتهم الرمضانية ذروة وخصوصية، إلا أن المسلسل لم يسلم من صدامات والتحامات مع بعض الأوساط الاجتماعية المحافظة والدينية المتشددة، إذ شكلت بعض حلقاته جدلاً عريضاً في مجالسها، ومادة لنبال الخطباء وسهامهم، وعرضة في الكثير من المناسبات للإيقاف والحذف وعمليات التشذيب التي يتبناها مقص الرقيب للتخفيف من حدة الصدام الذي قد يندلع نتيجة المسّ ببعض الموضوعات الحساسة.
كما دخل المسلسل في جزأيه الرابع والخامس بمواضيع تمس القطاع الحكومي والمؤسسات الحكومية والمسؤول والوزير بشكل يتناول الجانب السلبي في القطاع الحكومي وكان هذا يعتبر قفزة نوعية في الإعلام السعودي وقتها.
مناوأة الصحوة مبكراً
كان خط المسلسل شديد البأس على المظاهر والسلوكيات الصحوية، في وقت كانت فيه تعيش أزهى فتراتها، فيما كان المسلسل حائط المقاومة اليتيم على الساحة التلفزيونية، يوم كان الاقتراب منها محط غضب ونقمة جمهور واسع من أنصارها وحشدها العريض. وكانت “معارك طاش ما طاش” عنواناً لكتاب قامت بتأليفه السعودية بدرية البشر، ويتحدث الكتاب عن بعض الحلقات التي أثارت جدلا وسط المجتمع السعودي وعن ثقافة التحريم.
وتتناول البشر، وهي زوجة القصبي أحد نجمي المسلسل الشهيرين، الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية في ديسمبر من عام 2000، بتحريم إنتاج “طاش ما طاش”، وترويجه، وعرضه، وما أثارته الفتوى من ردود فعل متباينة، معتبرة أن “انشقاقا على كل المستويات قد حدث في الموقف من الفتوى”، فلم “تبث إعلاميا، وتجاهلتها الصحف” رغم توزيعها “بصورة علنية في المساجد والمدارس”، مستخلصة أن “استمرار التلفزيون الحكومي في عرض المسلسل، وتوالي جنيه أعلى إيراد إعلاني، يعكس استمرار مشاهدته، وهو ما يعني هزيمة الفتوى”.
حروب الصديقين
أعلن السدحان والقصبي عن توقف مسلسلهما في رمضان 1997، ومرة أخرى في الجزء الخامس في رمضان 2002، ومرة أخرى في الجزء العاشر لكن لم يتم ذلك واستمر لخمسة مواسم أخرى، بعد ذلك توقف عام 2008 في الجزء الخامس عشر واستبدل بمسلسل “كلنا عيال قرية”. إلا أنه عاد مرة أخرى بثلاثة أجزاء انطلاقاً من السادس عشر وعرض في شهر رمضان 2009 على قناة “أم.بي.سي”.
وفي موسم العام 2011 أعلن باتفاق بين الطرفين القصبي والسدحان عن إيقاف المسلسل إلى الأبد، والبحث عن البديل لاحقاً. علق السدحان على توقف “طاش” في وقت سابق بأنه حدث بالاتفاق والتفاهم مع شريكه القصبي بعد أن استقر وعائلته في دبي، وأن ذلك “تمّ بشكل سلس ودون مشكلات”. لكن الأحداث التي تبعت هذا الانفصال تؤشر بخلاف ذلك، إذ تحولت العلاقة من الخلاف المكتوم، إلى رفع الدعاوى في المحاكم، وتبادل السهام على مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات حادة أثارت امتعاض جمهورهما الواسع الذي كان يحتفظ بموقف إيجابي تجاه علاقتهما المميزة.
بدأ الخلاف يظهر على السطح قبل أكثر من 4 أعوام، بسبب بعض الأمور المتعلقة بشركة “هدف” للإنتاج الفني التي كانا يمتلكانها مناصفة، مما نتج عنه توقف مسلسلهما الأشهر “طاش ما طاش”.
لكن مؤخراً بدا النجمان وقد تجاوزا الخلاف بينهما على الصعيد الشخصي عندما ظهرا سوية قبل عامين، إذ شارك السدحان في عزاء القصبي بوفاة والده، وهو ما أعطى مؤشراً إيجابياً حول احتمالية عودتهما بعمل فني مشترك تنفيذاً لرغبة هيئة الترفيه بالمملكة التي عززت من فكرة مصالحتهما بعد أن جمعهما رئيس الهيئة المستشار تركي آل الشيخ على منصة إعلان الهيئة عن استراتيجيتها القادمة. لم يدم الودّ طويلاً، إذ رفع القصبي قضية ضد شريكه السدحان بهدف فض الشراكة القائمة بينهما، وهي الشركة المنتجة للعديد من الأعمال.
ذهب القصبي إلى فضاء جديد يضمّ أحلامه ويستوعب مشاريعه التطورية الجديدة، لاسيما وأن الفرص في السعودية أخذت تضيق، ولا أفق ينذر بتحسّن الظروف، حدث هذا سابقاً قبل أن تتحسن الظروف اليوم بأكثر ما تطيقه التوقعات.
فيما بقي السدحان آملاً في عودة التعاون مع القصبي، إذ كان شاقاً عليه الخروج من سيطرة نجاح التجربة الأمر الذي حدّ من أفقه للتحرر من ذلك، ومن الجرأة على اجتراح مغامرات جديدة قد تفجر طاقاته الشخصية بأكثر مما استوعبته تجربة “طاش” على نحو ما حدث للقصبي تماماً.
جاء العمل الدرامي “كلنا عيال قرية” كرغبة من الشريكين لتجريب قالب جديد وروح مغايرة لطبيعة الثنائي الذي يجمعهما، لكن التجربة حققت أقل من المأمول، واستقرّ لدى القصبي بالتحديد الشعور بضرورة الانفصال وفك الارتباط، والتحرر للعمل بشكل مستقل بما يمكن أن يقدح في روح وشخص وإمكانات كل منهما طاقات جديدة.
وبعد الانفصال، أخذ كل منهما يرتبط بأعمال مستقلة، كانت الكفة فيها ترجح لصالح القصبي في عدد من الأعمال لاسيما “العاصوف” في جزأيه حتى الآن، والذي لم يجد صعوبة في تصدر قائمة الأكثر مشاهدة بين الأعمال الرمضانية الأخرى في الموسم المليء عادة بالمسلسلات والبرامج في كل حدب وصوب.
من جهته غرق السدحان في بعض المهام التجارية والإدارية الخاصة، قبل أن توفر له المحطة السعودية الجديدة “أس.بي.سي” فرصة للعودة مجدداً إلى الشاشة عبر مسلسل “بدون فلتر” الذي عرض في موسمين متتاليين، ولقي انتقادات واسعة من نقاد وفنيين وجماهير اعتبرته تكراراً للنهج الذي عرف عن السدحان الذي أعاد ذلك إلى تأخر اعتماده الرسمي وضيق الوقت والميزانية.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق