تعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان في سدة مؤسسة الطاقة يشكل جزءا من تحولات جديدة.
الأحد 2019/09/22
أكد وزير الطاقة السعودي الجديد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مؤتمر صحافي في جدة، قبل أيام، إن “إمدادات السعودية من النفط عادت إلى مستوياتها قبل الهجوم على مرافق أرامكو”. وأضاف أن “أرامكو مستعدة للطرح الأولي لأسهمها بصرف النظر عن آثار العدوان السافر”، موضحا أن “آثار هذا العدوان تمتد إلى أسواق الطاقة العالمية، وزيادة النظرة التشاؤمية حيال آفاق نمو الاقتصاد العالمي”. وكانت كلمات الأمير عبدالعزيز بمثابة طمأنة لأسواق العالم بأن الأمور تحت السيطرة. قبل ذلك كان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أصدر أمرا بإعفاء وزير الطاقة خالد الفالح من منصبه، موجها بتعيين الأمير عبدالعزيز خلفا له.
ويأتي هذا التعيين في ظروف غير طبيعية تمر بها أسواق أهم وأغلى سلعة في العالم، بالإضافة إلى ما ينتظرها في السعودية من أفق جديد بطرح جزء منها للاكتتاب العام، والجهد المبذول لتنويع مصادر الطاقة والتخفيف من الاعتماد على النفط وحيدا في الدخل.
لغة الوقائع
تحديات عديدة تنتظر الأمير عبدالعزيز في هذا الموقع الحساس من قبيل التذبذب في أسعار النفط، ونسج علاقات هادئة أمام توتر محموم يتصاعد في أسواقه وممراته التجارية، والاحتفاظ بلغة تطمينية تدعمها الوقائع في ظل العقوبات المفروضة على طهران، والهجمات التي تتعرض لها معامل نفطية وسفن تجارية محملة ببراميل الخام، وفضاء مسموم بالتكهنات يخيّم على أكثر مناطق العالم ارتباطا بهذه السلعة.
كل هذه الأجواء غير العادية تطوّق خبر تعيين الأمير عبدالعزيز في موقع القرار لأهم وزارة نفطية في العالم. الأمر الذي يجعل منه خبرا يتجاوز محليته إلى المستوى العالمي، وترتبط تفاصيله وانعكاساته على السوق الدولية وكل المنضوين فيها.
ولد الابن الرابع للملك سلمان بن عبدالعزيز في العام 1960، ووالدته هي سلطانة بنت تركي السديري التي توفيت في يوليو 2011. حاصل على ماجستير في الإدارة الصناعية، ودرجة البكالوريوس في علوم الإدارة الصناعية في عام 1985 من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
للأمير الوزير تجربة أكاديمية مهمة أيام كان يعيش في المنطقة الشرقية، ساعدته لاحقا في الجمع بين الواقع والنظرية، وتقريب الفجوة بين الجانبين، كما ترأس إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران.
دور الأمير عبدالعزيز جوهري في رسم الرؤية السعودية لملف النفط. فقد ترأس الفريق المشكّل من وزارة البترول والثروة المعدنية وأرامكو السعودية لإعداد الاستراتيجية البترولية للمملكة، إضافة إلى الفريق المكلف بتحديث الاستراتيجية
حصل على درجة البكالوريوس في الإدارة الصناعية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، وعلى درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران. عام 1987 تلقى الأمير عبدالعزيز اتصالا من الوزير هشام ناظر، الذي كان قد تولى الوزارة خلفا للشيخ أحمد زكي يماني، وطلب منه الانضمام إليه في الوزارة.
تردد الأمير عبدالعزيز أول الأمر، لكنه وافق بعد قليل. وكانت بداية مسيرة طويلة وحافلة من العمل الوطني في هذا المجال المهم بلغت ثلاثة عقود وانتهت به وزيرا على رأس دواليب الوزارة محمولا على كفوف الخبرة والتجربة العريضة.
وبدأ مشوار الأمير عبدالعزيز في الوزارة مستشارا للوزير، وهو المنصب الذي شغله حتى عيّن وكيلا للوزارة لشؤون البترول. واستمر في منصب الوكيل حتى مايو 2004 عندما صدر أمر ملكي بتعيينه مساعدا لوزير البترول على المرتبة الممتازة. وظل في المنصب حتى أصبح نائبا للوزير، ثم وزيرا للدولة لشؤون الطاقة.
والأمير الوزير عضو فعال في كل من مجلس المحافظين لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة في بريطانيا، ونادي أكسفورد لدراسات الطاقة، وكذلك الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في العاصمة الأميركية واشنطن. وعضو في المجلس الاستشاري لرئيس الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في واشنطن ويشغل منصب الرئيس الشرفي لجمعية الاقتصاد السعودية، كما أنه عضو في عدد من الجمعيات العلمية، واللجان والمعاهد؛ منها جمعية الجيولوجيين السعودية، ومعهد البترول في لندن، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، والمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن.
التحولات السعودية
يشكل تعيين الأمير عبدالعزيز في سدة مؤسسة الطاقة، جزءا من تحولات جديدة في شكل الإدارة في أجهزة الدولة، يراد لها أن تبث روحا مغايرة في أدائها ومخرجاتها، استجابة للتحديات المستجدة في محيطها العملي وحوضها السياسي.
هذه أول مرة يتولى فيها أحد أفراد العائلة المالكة في السعودية منصب وزير الطاقة في الدولة التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، ويأتي إلى المنصب بوصفه سادس وزير لهذه الوزارة في تاريخها المؤثر المهم.
وقبل أيام قليلة عينت شركة أرامكو، عملاقة النفط السعودي، الأمين العام لمجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الحكومي ياسر بن عثمان الرميَّان، رئيسا لمجلس إدارتها خلفا للفالح. وخلال الفترة الأخيرة حثت السعودية الخطى لتخصيص عمل الوزارة وتسريع أدائها بفصل انشغالاتها المختلفة في كيانات مستقلة، إذ استحدثت وزارة للصناعة والموارد المعدنية، منفصلة عن وزارة الطاقة، في الشهر الماضي.
الأمير الوزير يمتلك تجربة أكاديمية مهمة أيام كان يعيش في المنطقة الشرقية، ساعدته لاحقا في الجمع بين الواقع والنظرية، وتقريب الفجوة بين الجانبين
منذ أن اقترب الأمير الوزير من مؤسسة النفط الأهم في العالم، وهو ينمي خبراته التي ستكون أهم عون له في للقيام بواجباته كوزير للطاقة، وعاصر الكثير من التحديات التي عصفت بالوزراء المتعاقبين على الوزارة، فيما كان يجلس بجوارهم مستشارا أو نائبا أو مبعوثا ومكلفا بالملفات المعقدة. مع الوزير ناظر شهد مراحل التوسع في أنشطة المصافي، وآليات العمل على استقرار السوق، وحروب الخليج العربي وما عكسته من فوضى وتقلبات للأسعار.
ثم جاء الوزير الأكثر جلوسا على المقعد، علي النعيمي، وقد استمرت الوزارة في لعب دور متعاظم في المشهد المحلي والعالمي، فتعزز حضور الأمير أكثر في منظمة الأوبك، وأصبح معروفا في قاعاتها وكواليسها، بقدراته التفاوضية وأدواره الفاعلية.
وأخيرا مع سلفه الفالح الذي استغرق في إعادة ترتيب الظروف التواصلية مع أقطاب العالم النفطي، وطور العلاقة مع الصين والشرق الأقصى والروس، والحفاظ على سياسة سعرية ترضي الجميع.
ترأس الأمير عبدالعزيز الفريق المشكّل من وزارة البترول والثروة المعدنية وأرامكو السعودية لإعداد الاستراتيجية البترولية للمملكة، إضافة إلى الفريق المكلف بتحديث الاستراتيجية. كما كان له دور في إنجاز أول استراتيجية أقرتها منظمة أوبك في مؤتمر أوبك الوزاري في عام 2005، حين ترأس اللجنة المكونة من وكلاء وزارات البترول والطاقة في الدول الأعضاء في منظمة أوبك لإعداد استراتيجية أوبك للمدى الطويل.
مهمة ثقيلة
ولا يبدو أن الأمير عبدالعزيز سيكون مضطرا للبدء من الصفر، وهو بخبرته العريضة التي تمكنه من الانسجام مع طبيعة العمل في هذا المنصب، مع تلافي الأخطاء التقليدية التي تصحب كل مستجد، ومن شأن تعيين يأتي بابن أصيل لهذا المجال لأن يحقق استمرارية أدائية منتجة لا تخلق ارتباكا يؤثر على السياسات. الكثير من الواجبات والملفات تنتظر الوزير الجديد في مهمته الثقيلة، بعضها ينتمي إلى الحقبة الماضية ولا يزال عالقا بصدد معالجته، وأخرى طارئة بفعل الظروف الجارية والتحديات القائمة.
اعتادت المملكة أن تحافظ على أدائها النفطي وعلاقتها بالسوق بمنأى عن السياسة، رغم التداخل المعقد بينهما، حيث أبقيا السعودية في سياستها المحترفة والمتحضرة لسلعة النفط بعيدا عن التوظيف والعبث والاستغلال السياسي.
ومع ذلك فإن التحدي الأساسي أمامه اليوم هو الحفاظ على استقرار السوق أمام تحديات الركود الاقتصاد العالمي، والهجمات العبثية التي تقترفها جماعة الحوثي ضد المنشآت النفطية السعودية، مما اضطرها للعمل أسابيع من دون طاقة إنتاجية كاملة من النفط الخام والغاز بعد الهجوم بطائرة من دون طيار على أهم منشأة نفطية في العالم. كما أنه من أكثر ما ينتظر الأمير من المهام، هو توصيل اكتتاب “أرامكو” إلى بر النجاح، وسط كل ما يحيط به من الاستفهامات والتفسيرات، وهو على مشارف الطرح العام الأولي لأرامكو بعد إعلان قائمة البنوك المشاركة في الاكتتاب وقد شملت بنكين سعوديين.
بالإضافة إلى التعامل مع واقع “النفط الصخري” الذي حظي بتقنيات متطورة ومستمرة في تخفيض تكلفتها، ودخول لاعبين مؤثرين من عمالقة رؤوس أموال وإمبراطوريات نفطية وقوة عظمى بما يحوّله إلى منافس حقيقي لا يمكن تفاديه.
فيما يقبع واحد من أكثر الملفات أهمية بين يدي الوزير الجديد، وهو خطط السعودية لبناء مفاعلين كهروذريين وذلك في إطار خطة تهدف إلى تقليص استخدام النفط والغاز في توليد الطاقة الكهربائية، وتتنافس روسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والصين وفرنسا للفوز بعقد إنشاء أول محطة من هذا النوع في المملكة. الأمر الذي أعلنه وزير الطاقة السعودي الجديد خلال أول مهمة خارجية له بعد ساعات من تولي منصبه، وقال الأمير خلال مؤتمر للطاقة في أبوظبي “إننا نواصل الأمر بحذر؛ نحن نجرب مفاعلين نوويين”.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق