التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مثقفون يراهنون على الإصلاح الثقافي لأعطاب المجتمع.. وآخر يرى أن الثقافة نفسها تحتاج إصلاحاً



جدة – عمر البدوي 

< في ظل ما تعيشه المنطقة من تزايد عمليات التطرف وانتشار الفكر المتشدد في الأوساط الاجتماعية الذي قد يجد من يبرر له، متجاوزاً كل الاعتبارات الدينية والثقافية التي يمكن أن تصد توجهات تؤذي البشرية وتعوق استقرارها وتنميتها، وفي طريق البحث عن علاج ناجع لأزمة التشدد الديني والسياسي، اختبرت المجتمعات الحلول المتاحة والممكنة من دون أن يؤثر هذا أحياناً في قدرة الفكر المتشدد على التجنيد والتوسع، فيبرز سؤال ملحّ عن قدرة الجهد الثقافي على تفكيك بنى التشدد؟ وهل من دور يعول على الثقافة والإنتاج الأدبي لمواجهة موجات التطرف الديني والفكري؟
وفي ظل ما عرف عن الإصلاح الديني والإصلاح السياسي، أين هو الإصلاح الثقافي عن المسألة؟
تحدث إلى «الحياة» عدد من الكتاب، في محاولة للإجابة عن السؤال الآنف الذكر. ويراهن الشاعر طلال الطويرقي على دور الثقافة في إصلاح أعطاب المجتمع، ويقول: «الثقافة منظومة متكاملة، ولا يمكن تفكيكها وتجزئتها بشكل ما. ولذا هي تحتاج إلى الوعي المترف والإرادة الجادة لتكون واقعاً معاشاً يؤتي أكله في شتى مناحي الحياة. فحين تريد إصلاح المجتمع أو التعليم أو أي عملية إصلاح محتملة فلا بد من الوقوف على الثقافة فهي جذر التشكل الأولي الذي يقوم عليه الوعي الجمعي بصورة ما. ولذا فالثقافة حلقة الوصل الرئيسة والواصلة في حياة الفرد والمجتمع ولذا يجب التعاطي معها بشكل جاد ومثمر».
في حين يرى الكاتب الصحافي عبدالله الكعيد أن الثقافة ذاتها «تعاني بلهاً، فكيف تساعد في تفكيك منظومة التشدد»، متسائلاً: «هل هناك نتائج ملموسة في كل شأن دخله الإصلاح زعماً؟». وقال: «الإصلاح مفردة أصبحت متداولة ولا فائدة منها، لهذا لا ينفع مع الحشائش الضارة إلا اقتلاعها من جذورها، وهذه هي حال الثقافة ومؤسساتها في بلادنا فلا ينفع معها إصلاح أو استصلاح بل لا بد من حرث الحقل جيداً ووضع بذور صالحة للاستنبات، وغير هذا يعتبر ضياعاً للوقت والجهد والمال»، مشيراً إلى أن الإشكالية في هذا الأمر «أن الثقافة كابن المُطلّقة قلما يجد من يرعاه ولهذا لن يجد هذا الابن حضناً غير هيئة عليا تمسك بيده كل صباح لإيصاله إلى أبواب العلم والمعرفة والنجاح». ويقول الباحث رائد السمهوري: «حين نتكلم عن ثقافة الشعوب العربية والمسلمة؛ سيكون الدين حاضراً، كونه جزءاً أصيلاً، بل الجزء الأوضح من ثقافة شعوبنا العربية والإسلامية»، مضيفاً أن الشعوب العربية توصف بأنها شعوب محافظة، «صحيح أنها تتفاوت في الدرجة، ولكنها سواء في النوع، وهي شعوب متدينة بمجملها، تقر بالتوحيد والنبوات والشرائع، وتحب الإسلام وتتفاعل مع قضايا المسلمين ولو بالحدّ الأدنى من التفاعل. ولعل المجتمع السعودي هو أكثر المجتمعات العربية محافظةً».
وذكر أن التشدّد يصل إلى درجة من الغلوّ لا تخطر ببال، «ذلك التشدد الذي نتاجه التأثر ببعض الخطابات الأيديولوجية التي تنسب نفسها إلى الإسلام، وهو تشدد لا ينتمي كذلك إلى الثقافة الدينية للمجتمع، بل هو وافد عليها بتأثير من بعض اتجاهات الخطاب الديني، اتجاهات لا تمثل ثقافة المجتمع السعودي بل ولا ثقافة غيره من المجتمعات العربية، ولكنها تجد لها تأثيراً وقبولاً في الشباب الذين يريدون أن يكونوا متديّنين، فيقعون أسرى لمثل تلك الخطابات. ولا حلّ إلا بخطاب بديل تتاح له الفرصة لمواجهة تلك الخطابات الغالية المتشددة بلا مجاملة، وتغذية التيّار الوسطي المعتدل الذي يعي الواقع ويؤمن بالتعدد والحق في الاختلاف».
وفي البحث عن معادلة موضوعية أمام مسألة التشدد قال الشاعر محمد هادي القوزي: «لن يحدث التوازن الثقافي المطلوب في الحياة المجتمعية إلا بتقريب المسافة بين الوعي والواقع، نحصل فيها على العافية السلوكية وبالتناغم بين ما نريده مع أنساق ثقافتنا بعيداً من التخلف والتطرف وذلك من خلال إيجاد مبادرات ثقافية تحقق الانسجام والطمأنينة مؤطرة بثوابت راسخة تحافظ على العلاقة بين الثقافة والوعي، والواقع كي تسبح في مناطق دافئة تحيا فيها المبادرات التي يحتاجها المجتمع في التنمية الروحية والمعرفية على نحو مستمر، فبدلاً من أن تكون تبرعات المجتمع المادية منصرفة على مشاريع ثانوية، تكون في الإنفاق على التثقيف والتدريب».
ولفت القوزي إلى أن الحفاظ على ثقافة متجددة، «يتطلب منّا موازنة الواحد منّا بين بُعده الداخلي (الشعور بالذات ومراقبتها) الذي تحيا فيه عالمه الصغير أفكاره وتأملاته وبعده الخارجي الذي ينصبّ في التعامل مع المحيط من حوله وتحسين علاقته بالآخر.
وحتى تكون المواجهة الثقافية أكثر جدوى في محاربة التطرف الفكري يجب «الإنفاق بسخاء على التثقيف ونشر المعرفة فهذا أنفع للفقير وأنفع للامة، فبالثقافة المتجددة يمكننا الانطلاق حضارياً وتصبح قدرتنا على القضاء على الانحرافات الفكرية أكبر وإن طال الوقت».


الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...