< «لم يكن في الحسبان وأنا في الطريق إلى مدرسة الإمام أبي حنيفة بالقحمان التابعة لمكتب تعليم القوز في محافظة القنفذة أنني سأسافر عبر الزمن وأعود إلى الماضي بتفاصيله الجميلة كلها. وأنت داخل لفناء المدرسة تتفاجأ بقرية تراثية بكل تفاصيلها».
بهذه الكلمات بدأ أحمد الفلاحي حديثه إلى «الحياة»، معلقاً على خطوة إحدى مدارس القنفذة، مما لاقى إعجاب المجتمع وتقدير إدارة النشاط بتعليم القنفذة.
وأضاف: «داخل المدرسة تجد صوراً من سعف النخل والدوم يزين أسوارها، ويقابلك مبنى «العشة»، المسكن التقليدي لسكان جنوب القنفذة، تتجول داخله وتجد كل تفاصيل المبنى القديم من الأدوات المستخدمة في ذلك الزمن، من «الخوص» وسعف الدوم والنخل الذي تُصنع منه الأواني المنزلية في ذلك الوقت والفخارية، وتجد أمامك مجسماً لأزياء العروس التقليدي بكل ما يحويه من أدوات الزينة المستخدمة في ذلك الوقت بزينة «العكرة» وهي نباتات عطرية من البيئة المحلية تتكون من الريحان والبرك والشذاب، تزين رأس العروس مع الطيب.
وفي ركن آخر من القرية التراثية، تنتشر أدوات الحراثة القديمة من المحراث والأدوات المستخدمة للحرث، وفي منتصف باحة المدرسة بُني ما يشبه البئر القديمة مع تصوير حي لعملية سحب الماء من البئر في الدلو تسمى «الجبد»، يقوم بها أحد كبار السن، بينما الأطفال يتابعون المشهد باهتمام كبير يقيس المسافة الفاصلة بين جيلين.
وفي زاوية أخرى، تقابلك «المطحنة» وهي آلة قديمة تستخدم لطحن الحبوب، مصنوعة من الحجر الجبلي تتوسط «التفال» وهو بساط مصنوع من الطفي.
ما زال السفر في الماضي ممتع في جنبات القرية التراثية، فبائع زيت السمسم «السليط» و«المحبّل» الذي يصنع الكراسي التقليدية من مادة الخوص «الطفي» يعمل أمامك ويستمتع بعمله، ربما بدافع الحنين ومشاهدة جيل جديد معزول عن هذا الإرث التراثي، ما يجعله أكثر حماسة، يقابله بائع الفخاريات «من الموافي والمجامر والغضار» وغيرها من الأدوات التي تصنع من الفخار وكأنه يهزأ ببريق الأطقم التي تزين جنبات مجالسنا وبريقها الزائف، ولا يسعك إلا أن تتجول في ذهول وأنت تشاهد عملية إنتاج القطران «الطلاء»، وهي مادة لزجة تستخرج من جذع شجرة السمر وبائع «الريحان» يقف عند نهاية المدخل، وكأنه يريد أن يحتفظ برائحة الماضي والعبق الجميل.
ويضيف الفلاحي: «الجميل والمفرح أن تجد من يهتم بتراثه ومورثه في خضم التسابق الحميم لاستيراد أنماط حضارية مستوردة لا لون لها ولا رائحة، فالمدرسة أعادت لنا شيئاً من الثراء والإرث التراثي البيئي المميز، ومن هنا نطالب البلديات وإمارة المحافظة أن تتبنى هذا المشروع ليكون نواة لقرية تراثية دائمة تحفظ لنا هذا التراث الجميل من الاندثار والضياع، ومثل هذه الفعاليات هي ما يميزنا عن غيرنا.
وقال المشرف على المشروع حمد الشرقي: «المشروع هو برنامج يهدف إلى ربط الماضي بالحاضر في صورة جميلة ملموسة مجسمة تربط الأبناء بالآباء والأجداد، وتشجع الطلاب والأبناء على مهنة الشرف التي تسد حاجته بتعريفه بالحرف والمهن القديمة وتحفز وتشجع الأسر المنتجة بالإسهام في تنمية المجتمع وبنائه».
وأضاف: «محافظة القنفذة تزخر بالتنوع في البيئات البحرية والجبلية والزراعية وهي من أعطى لها زخماً كبيراً من المميزات، والمحافظة بحاجة إلى قرية تراثية ومعهد للحرف التقليدية للمحافظة عليها من الضياع ودعم قوي للسياحة البيئية والزراعية والبحرية كذلك، ومثل هذه المشاريع على أهميتها ما زالت مبادرات فردية تفتقد لجهة ترعاها وتؤسسها بشكل مؤسساتي يتوافر له كل الدعم».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق