أثارت تغريدة للناقد المفكر الدكتور سعد البازعي، في «تويتر»، عن عدم دعم رجال الأعمال المشاريع الثقافية، تموجات واسعة في الوسطين الثقافي والأدبي السعوديين، تفاوتت بين دعم الفكرة، وبين معارضتها. إلا أن عاصفة التغريدة أفرزت ما يمكن وصفه بـ«الحاضنات الثقافية»، التي على أصحابها التنزل من «البروج العاجية»، ليكونوا أكثر اتّصالاً بحياة الناس وهمومهم الفكرية، بعيداً على إعادة إنتاج الماضي والدوران حوله. ودعا أصحاب هذا التوجه إلى أن يلعب الشباب دور الصانع في هذه الحاضنات. وقال البازعي في تغريدته: «يبقى السؤال عن تقاعس رجال الأعمال في المنطقة الرئيسة، الرياض، عن دعم أي مشاريع ثقافية، وهو أمر مخجل في وجود عدد ضخم من الأثرياء». ولعل عبدالإله الزميع أول الرادين على التغريدة، مشيراً إلى أن الأندية تحصل على الدعم من الدولة، ومع ذلك جهودها «دون المستوى» و«مجرد أمسيات وفلاشات»، كما قال.
ليرد عليه البازعي أن «أكثر الأندية الأدبية يقدم ثقافة حقيقية وجادة، والدولة تقدم له 950 ألف ريال في السنة فقط. لا يقول هذا (ما ورد في تغريدة الزميع) إلا من لا يعرف الأندية». واستمر النقاش بينهما حول جماهيرية الأندية النخبوية، وسواها من الفعاليات الشعبية والفنية، وحول ما إذا كان ذلك ناتج من قدرة المجتمع على استيعاب الثقافة الجادة، أم على القوالب الجامدة التي تقدم فيها تلك الثقافة.
وجاءت تغريدة الدكتور سعد البازعي بتأثير فعاليات «ملتقى النص»، الذي أقيم في مدينة جدة. وأشاد في تغريدة أخرى بالكلمة التي ألقاها سعيد العنقري، وأكد فيها أهمية دعم المشاريع الثقافية. وأضاف البازعي في التغريدة ذاتها: «علمت أن الرجل (العنقري) قدم مبنى لنادي الباحة الأدبي، كلف 16 مليون ريال».
وأتبعها بتغريدة، قال فيها: «يبدو أن أبناء الباحة من رجال الأعمال ضربوا مثلاً رائعاً وغير عادي في دعم المشاريع المختلفة في المنطقة، ومنها المشاريع الثقافية المختلفة». قبل أن يبدأ نقاشه مع متابعيه حول دور الأندية في إثراء الثقافة ورعايتها.
واستطلعت «الحياة» آراء مهتمين عن دور الأندية، وسواها من المجتمعات الواقعية والافتراضية في احتضان الحركة الأدبية، وإنماء المواهب ورعايتها. فقال رئيس اللجنة الثقافية في محافظة القنفذة التابعة لنادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله بانقيب لـ«الحياة»: «حين ننظر في واقع هذه المؤسّسات؛ لا نجد ذلك بالصورة المأمولة».
ولفت بانقيب إلى أن هذه المؤسسات حصرت دورها في «نطاقٍ ضيقٍ لا يتجاوز جيل الروّاد من الأدباء والنقاد، فعددٌ غير قليل من مناشط تلك المؤسسات عاكف في ندواته ولقاءاته على ما أسهم به أولئك الرواد، ما جعل هذه المؤسسات منفصلة عن الواقع، وحاجات الناس الفكرية والثقافية، بل إنّ عدداً من أعمال تلك المؤسسات أغرق في التخصصية الدقيقة التي حولت المؤسسة الثقافية إلى مؤسسة أكاديمية، فاختلط عليها الأمر بين الدور الأكاديمي الذي مقره الجامعة، وبين الدور الثقافي المناط بها».
ورأى رئيس اللجنة الثقافية في القنفذة، أن على المؤسسات الأدبية (الحاضنات الثقافية) إذا أرادت أنْ تقدم دورها الحقيقي في رعاية الحركة الفكريّة والأدبيّة، أنْ «تجدّد نهجها، وأنْ تكون أكثر اتّصالاً بحياة الناس وهمومهم الفكرية»، منبهاً إلى أن ذلك لا يكون إلا إذا «قدمت الثقافة والفكر في ثوبٍ لا يغرق في التفاصيل الدقيقة التي لا تهم إلا فئة محدودة من المتخصصين، فيجدر بها أنْ تتخذ طريقاً وسطاً لا يبتذل الثقافة والفكر، ولا يجعلها قابعة في برجٍ عالٍ، ولا يكون ذاك إلا بلغةٍ سليمةٍ تبتعد عن التخصصية، وتحافظ على الصحة والجمال والرشاقة».
وأكد عبدالله بانقيب أن إتباع هذه السياسة يضمن لهذه المؤسسات «مدخلاً إلى وجدان الناس، ويجعلها أشد قرباً لعالم الثقافة والأدب والفكر». ودعا ما سماه بـ«الحاضنات» إلى أنْ «تتلمّس اهتمامات الشباب وشجونهم، ولن يتحقق ذلك بجعلهم في دور المتلقي، بل يجب إدخالهم في قلب تلك الحاضنات، وإشراكهم في دور الصانع والفاعل لحركة الثقافة والفكر، فهم الأعرف بحاجاتهم، وهم الذين يحملون رؤية مستقبل أفضل، تغشى فيه الثقافةُ والفكرُ مجالسَ الناس، فتكون مادة حديثهم، وموضوع مسامراتهم، وتتّصل بشؤون حياتهم».
من جهته، رأى الكاتب المسرحي محمد العثيم أن الثقافة من دون مالٍ كافٍ لإنتاجها «لن تنجح». ودعا إلى ضرورة أن «نوجد مصنع لإنتاج الثقافة، مصنع له مسرح وسينما، ويروج على مساحات المملكة، وإنشاء مركز يجمع الموسيقى والغناء، وإلى جانبه يباع الكتاب والفيلم وشريط الغناء، وقاعات فنون شعبية، وأماكن إنتاج تلفزيوني، وورش فن تشكيلي».
وأكد العثيم أن تكون هذه المراكز المدعومة في كل قرية ومدينة، فـ«هنا تنمو الفنون وتتحول من مجر هواية إلى تجارة». بيد أنه رأى أن الأهم من ذلك أن تكون هذه المراكز «محمية ويعاقب المُعتدون عليها»، في إشارة إلى حوادث الاعتداء التي طاولت خلال الفترة الماضية مؤسسات وفعاليات ثقافية وأدبية من أشخاص يوسمون بـ«التشدد».
حلواني: نعيش زمن «غربة الأدب».. والأندية تمارس «الإجحاف»
رأى الأديب الروائي أحمد محمد حلواني أن الحاضنات الثقافية التي يفترض أن تدعم الحراك الأدبي وترعة المواهب في كل فنون الأدب «غير موجودة حالياً، وإن وجدت في بعض المناطق أو المحافظات؛ فإن دورها يتيم ويدها قصيرة»، لافتاً إلى «إجحاف الأندية الأدبية التي تتقاضى ملايين الريالات، ولا تعطي اللجان التابعة لها إلا حثالة ما يبقى»، منتقداً الأندية الأدبية التي «لا تقوم بأدوارها كما ينبغي، فيما تغرد اللجان خارج السرب».
وقال حلواني، وهو عضو في أكثر من ناد أدبي، كما أنه عضو رابطة الأدب الإسلامي، لـ«الحياة»: «يخطئ من يقول إن الحراك الأدبي السعودي وصل إلى ما يطمح إليه الأدباء والمثقفون، مقارنة في غيرنا، على رغم ما لدينا من إمكانات ومواهب وفحول في الرواية والشعر والقصة والمقالة وغيرها»، مؤكداً أن لدى الشباب «مواهب وقدرات جبارة، لكنها تموت عندما تصطدم في عقبات كثيرة، منها طغيان العامي الشعبي، والهراء الممزوج بالسب واللعن والكلام الرخيص، وتخصيص قنوات وجوائز خيالية لا تعطى لأهل الأدب، ولا لمن ينتسب له».
ولكن الأديب الروائي حلواني يرى أن ثمة عزاء في هذا الواقع، وهو «أننا ألفنا الغث وشراء الناس بثمن باهظ، وتركنا السمين، ولم ندفع فيه ثمناً بخساً»، مؤكداً أن الشباب في أمس الحاجة إليها في ظل «غياب الأندية الأدبية الحية الميتة، واللجان التابعة لها المستيقظة النائمة، والحاضنات أعان الله أهل الثقافة والأدب ومن يهمهم أمر الحراك الأدبي المذبوح من الوريد إلى الوريد».
واعتبر حلواني أننا في زمن «غربة الأدب»، متسائلاً: «أيُعلم من هم في الأندية الأدبية واللجان الثقافية وجمعيات الثقافة والفنون ووزارة الثقافة، ومن لهم صلة إن كانوا يعلمون، وإن كانوا لا يعلمون بذلك فإن لسان الحال يقول: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق