التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من يملك انتباهة " مجنون سوما " ؟





وهو الحاج سعيد الطحان الذي كان يواظب على حضور كل حفلات الست أم كلثوم ، ونال شهرة عالية بسبب عبارته الشهيرة "عظمة على عظمة يا ست" ، التي كانت تتعالى وسط الجمهور أثناء غناء السيدة .
التقطت له صور عديدة أثناء ترديده عبارته الشهيرة فى حفلات أم كلثوم ، وهو من كبار تجار طنطا إذ كان يردد أحياناً "تاني والنبي يا ست ، ده أنا جايلك من طنطا" ذلك إذا احتاج من السيدة أن تكرر مقطوعة معينة من الأغنية ليستعيد فرصة استمتاعه بها .

تأمل صورته وهو منهمك في غناء السيدة ، غارق في تفاصيل المشهد ، مستسلم لتأثير اللحظة المتكثفة في حالة من الانسجام غير التقليدي الذي أذهبته حمى التسارع التي أودت بالعالم هذه الأيام .

الطحان من جيل الأغاني المطوّلة ، قبل زمن هذه المتعجلة ، من جيل الدقة والتفاصيل المملة ولكن المشبعة ، يوم كان الزمن يمضي بهدوء وعلى أقل من مهل الأيام .

اليوم وبفرض الثقافة المتوترة ليس بمقدور - إلا القلة المحظوظة - أن تحصل على هذه النعمة العظيمة من الهدوء وسعة البال والنفس الطويل مع الأشياء ، الكل يتثاءب من الملل .

لقد أضجرتنا وسائل التواصل حتى من أنفسنا ، فلا يستطيع المرتهن لانبعاثاتها أن يجد ذاته ، يثِب من سطح إلى آخر في محاولة لاهثة غير مفيدة للحصول على ما يراه ولا يصل إليه ، وكأنه السراب .

من يملك انتباهة الطحان اليوم فهو ذو حظ عظيم ، في زمن لا يقوى المرء على إنجاز مهمة تستغرق جهداً وهماً أكثر مما تطيقه النفوس المبددة التي يسرع إليها السأم في المشاوير القصيرة .

الكل يشتكي اليوم من تسرب نفسه بين يديه ، ومن رهق الجري في الأحلام الضامرة والأوهام الفاترة ، بينما استجمع الطحان أمره ، وقد رزق السكينة ووقار النفس وانشراح الصدر وسعة الخاطر ، وأصبح بمقدوره أن يستمتع بكل انحناءة لحن وكأنه قطعة من سكر ، وكل كلمة وكأنها عزف منفرد .

يخيّل إليّ الطحان وهو في مشوار جيئته وذهابه من طنطا إلى القاهرة محترقاً من الشوق ، يرتدى "الطحان" زياً مصرياً شعبياً من أبناء البلد عبارة عن جبة وقفطان والتى كان يشتهر بها أعيان واكابر مصر فى هذه الفترة، إذ كان الدخول لحفلات سيدة الغناء العربي بالزي الرسمى وهو إما الجبة والقفطان للأكابر والأعيان أو البدلة للموظفين ورجال الدولة .


 ثم يصل إلى القاعة التي تستعد لاستقبال كوكب الشرق ، وما إن تبدأ حتى يغرق في تفاصيل الكلمات وبحر الألحان ، لا يفوّت منها شيء ، ذلك لأنها لحظة في عرف زمانه لا تخلق مرتين ، فلا " يوتيوب " يحتفظ بزبد المشهد منزوعاً من تأثير الواقع ، ولا تلفزيون يكرر مرات الإعادة حتى يقتل الشوق في مهده والمتعة في رحمها .

وهو في طريق عودته من حفلة الست ، يكرر الكلمات مأخوذاً بسحرها بينما يعبق اللحن في ذاكرته ويسهب في الكلام عن اللحظة التي طارت فيها الست بشغاف قلوبهم ، تنمو الأغنيات في فؤاده وقد عاد بغير الوجه الذي ذهب به ، باشّاً مفعماً وقد أخذ كفايته ، كفايته لا أقل ولا أكثر .










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...