عمر علي البدوي
كتب الشاب حازم طيارة على حائطه في الفيس بوك: «أشعر أن يوم الحساب قريب من أي يوم آخر.. لم أشعر بهذا الشعور القوي قط في حياتي» ثم توفي بعد فترة وجيزة في حادث مروري في العاصمة القطرية الدوحة.
ليست هي المرة الأولى بالنسبة لي عندما يكتب مستخدم ما شعورا غرائبيا يخامره وهاجسا يضغط على أنفاسه، ثم ما يلبث أن يبادرنا خبر وفاته بعد مدة قصيرة من منشوره الأخير.
اليوم لدي جمع من الأصدقاء الذين لم يعد لهم وجود على ظهر هذه البسيطة وكانت لهم حسابات على عدد من شبكات التواصل الاجتماعي، أقوم أحيانا بزيارتها وتصفح صورها وبعض قديم منشوراتها، لقد بقيت حساباتهم مثل أطلال دارسة وبيوت هجرها أهلها، وبقيت خلفهم شاهدة على تاريخ مضى كانت تحويهم وتنطوي على سمرهم ومرحهم.
الفيس بوك لا يشبه البحر الذي يلفظ أمواته إلا في زرقته، إنه يحتفظ بها ويتركها مثل أطلال دوارس تحتفظ ببقايا أثرك ودوام ذكرك، هنا يأتي سؤال مهم في مصير الإنسان، ماذا يمكن أن تقدم ما يبقيك على ذكر طيب؟ ماذا تكتب ليبقى في الأرض وينفع الناس ولا يذهب جفاء كزبد البحر؟
استخدم لغة إيجابية ومفعمة بالحياة، إن لغتك الخاصة تحتفر فيك المشاعر وتصنع شكل حياتك.
ابتعد عن الألفاظ القاسية والفاحشة، حتى لا تلطخ لسانك وتثقب أذنيك وتصم سامعيك وتثقل كتابك.
اجعل حديثك مثل عبير زهرة يجتذب الطائرات، وموسيقى عذبة تصغي لها الآذان، وحداء تطرب له الأسماع وتشتاق لمغناه.
ما إن تستخدم كلمات الحمد والشكر والفأل والاستغفار، حتى تشعر أن حياتك بدأت تنزاح لصالحك، وكأنك تأخذها إلى الطريق الذي تريد، تماما وكأنك تصنع حياتك وعالمك مزدحما بالأفراح وصاخبا بالمفاجآت المبهجة.
الأشخاص الذين يجتهدون في تقتيم الصورة الناصعة، وتلطيخ المنظر المشرق، وإظلام زوايا الحياة المضيئة، عادة ما يعانون من ضعف القدرة على توظيف كلمات متفائلة وإيجابية.
حاول تجنب مثل هؤلاء، إنهم يؤذونك من حيث لا تدري ويبنون لديك (تركيبة لغوية سلبية)، تنقض على مشاعرك الإيجابية وتقضي على التذاذك بالحياة واستمتاعك بلحظات العمر الماتعة.
اللغة الجيدة، تصنع فيك الشعور بالحياة، تدفعك لرؤية الجانب المضيء أو الجزء المملوء، تحول الأشياء الباردة إلى فورة فرح وثورة انتصار على اليأس، واللغة السلبية، تخلق بلادة الشعور وتفقدك الحياة.
اجعل الآخرين يذكرونك بالخير ويتذكرونك بآثار الإيجابية والمواقف الجميلة، يحنون إلى مجالساتك ومؤانساتك، يتوقون إلى ابتسامتك الواسعة وقلبك الكبير الذي يشعرون تجاهه بالانتماء والاهتمام.
حذار أن تترك وراءك ذكرى سيئة أو موقفاً مزعجا تظن معه أنهم لن ينسوا أيامك أو يحترموا ذكرياتك، إنهم سينسون شخصك اللئيم ويتذكرون إساءاتك وخيباتك عند أول فرصة للنيل منك والانتقام لقلوبهم وكبريائهم.
المعروف دائما والطبع الحسن في الفعل والقول والتعامل والاهتمام بالآخرين خير بريد لشخصك ولاسمك ولرسمك ولذكراك، وخلاف هذا يعتبر من أقل ما يذكر إلا في سوء.
ليس هناك مبرر لتشعر بالحنق على حياتك، أو تعيش حالة مراجعات دائبة ومجهدة لمكتسباتك من الرجال والأموال.
انطلق بعفوية واسترسل في حياتك وكأن الأيام لن تخذلك، صحيح أنه لا يصح أن تعيش خبا أدهم باردا لا تحيط أمرك بالعناية ولا تهتم لشأنك بالرعاية.
ولكن الأهم أن تكون سهلاً هيناً ليناً سلساً غير جزع ولا فاحش، فإنهم أكثر أهل الجنة سكنى وأكثر أهل الدنيا سعادة واستبشاراً.
حاول أن تقضي وطرك مما تشتهي، فإن الشهوة غول كاسر إن لم تقم بحقه انقض وحشاً يقتات من مخزون رشدك ويفتت كتلة جسدك، يشغل ذهنك ويبلي فكرك ويذهب عقلك ويشتت أمرك، خذ حاجتك من الحب والوصل والرغبة والولد وزينة الحياة الدنيا.
إن أخطأ في حقك مخلوق، اصفح واغفر واعف فإنها بمجموعها كفيلة أن تشفي قلبك وتداوي أمر صاحبك، وإذا أحسن إليك أحدهم فبادر المكافأة ورد الجميل وقابله بالحسنى كما ابتدأك ثم إذا ظهر وكأنه تراجع وانكمش فاحمله على أحسن المحامل واترك للتفسيرات الإيجابية أن تبرر له علها أن تكون أصوب وأقرب.
هذه الحياة نسبية، لا يدوم حالها ولا يضمن مآلها ولا تدرك كلها ولا يقنع أقلها، إن تعلقت بها عطلتك وإن زهدت فيها أجملتك، لا يرعك بؤسها ولا يضق بك عسرها وهي فانية بأسرها، هذه الدنيا يا صديقي مطلعها وأسّها.
لا تطمئن لما أنت عليه، دائماً ابحث عن فرصة للتغيير، التهم الكتب وطالع تجارب الناس وتصفح وجوه المشاريع وهكذا كن في لهث دائم عن حقيقتك وموقعك من هذه الحياة، ومن مستقبلك، ومن تاريخك.
لا يدفعك الخوف أو الشك أو الغيرة أو التقليد فقط، بل قناعة شبه راسخة أن الإنسان يجب أن يتميز دائماً وأن يمارس التغيير الدوري وأن يتجدد.
لا شكل ثابت لمعنى التغيير فهو قد يعني: التطور أو التحول أو التقدم أو التراجع، المهم أن تبحث دائماً عن الفرص الأفضل لنفع الناس وتحقيق ذاتك وخدمة دينك واسترضاء ربك.
من معاني التغيير هو عملية التصحيح، ليس كل ما تعرفه أو تقوم به هو نافع أو على صواب، كثير من أوضاعنا يحتاج إلى تعديل ومواءمة وأحياناً اجتثاث وتبديل.
كثير من قناعاتنا أو علاقاتنا أو معلوماتنا أو سلوكاتنا تسهم في إبطاء تقدمنا أو انحدار إنتاجنا أو حتى تنغيص حياتنا، جميل أن نلتفت إليها ونعالجها ونقوم بإحلال المعاني والسلوكيات الصائبة والإيجابية.
إنه عمل أشبه ما يكون بالكشف الدوري للجسد ومداواة علله، أو الاهتمام بمعرفة جاهزية المركبة وسلامة أطرافها للطرق الطويلة ومدى احتفاظها بشروط الأمان والسلامة.
يمكن أن يكون من ملامح التغيير الدوري هو «التجديد»، إذ عليك أن تقتل الروتين الجالب للسأم والتضايق، عليك أن تبعث نَفَساً ممتعاً لحياتك المكرورة، وعليك أن تجرب الحياة من طريق آخر وتستمتع بها حتى لا تضج أو تضيق من تكاليفها الثقيلة ومشاقها المتعبة.
بعث لي صديقي برسالة يقول فيها: توفي صديقي منذ زمن ولم أمسح اسمه ورقمه من هاتفي حتى إذا مررت على اسمه دعوت له، أحبائي وأصدقائي وكل أهلي.. كونوا لي هكذا حين أرحل».
وكان آخر ظهور له في البرنامج 27 / 4 / 2011 ولم يتغير هذا الوقت بعدها مطلقاً، رحمه الله تعالى.
الرابط :
http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/blogs/84783#.VE16_vmsUk0
تعليقات
إرسال تعليق