يبدو أن ( جاك دروسي ) مبتكر موقع تويتر يشعر بالذهول ، ومن حسن حظه أنه لا يجيد العربية حتى لا يتمكن من قراءة الحراك المحموم على صدر موقعه في السعودية .
أتخيل لو كانت شركة خدمات تويتر تملك لوحة عملاقة لتكشف عن نشاط موقعها ربما تقع السعودية في المناطق الساخنة والموبوءة بالصراعات والتقاذفات .
بلغة الأرقام فإن السعودية سجلت إقبالاً متكاثفاً للتسجيل في الموقع وأن هناك نمواً كبيراً في عدد المستخدمين العرب لخدمة تويتر ومن السعودية تحديداً .
من ناحية أخرى عرضت شركة فرنسية أكثر المدن التي يتم نشر التحديثات من سكانها ، وأظهر الترتيب وصول مدينة الرياض إلى المركز العاشر ، وتربعت في المقدمة مدينة جاكرتا الإندونيسية ومن ثم طوكيو وبعدها لندن .
وقال المدير التنفيذي لموقع تويتر أن السعودية من أسرع المناطق نمواً في استخدام تويتر بالشرق الأوسط وبمعدل تجاوز ٣٠٠٠ ٪ . ( موقع عالم التقنية )
استقبل السعوديون تويتر بكل حمولاتهم المتشنجة أو طموحاتهم المنفتحة ، أو بالأحرى تدفقوا عليه على هذا النحو ، وظفوه لصالح صراعاتهم ومشاجراتهم ، حتى اختنق ذلك العصفور الوديع من شدة الاستقطاب .
الجميع يشترك في هذه الملحمة الافتراضية : مثقفون على درجة عالية من التعمق ، ورجال دين يكتسون الوقار ، وإعلاميون لا يفوتون مجالاً حيوياً مثل هذا ، وآخرون ( يطيرون في العجة ) أو يركبون موجته على نحو ما يقول المثاقفة التويتريون .
لا معنى للهدوء ، فهناك الكثير من الحسابات التي تنتظر التصفية ، ومن الصناديق التي طال أمد إقفالها ، وهناك الكثير من الماء الذي يتمخض في الأفواه وحان موعد التخلص منه والبوح بكل ما دونه .
الحق أنهم أحياناً يعملون من الحبة قبة ، ( يهشتقون ) كل شيء ويتلقفون الكلمة وهي خديج ، ويهطلون وابلاً من التغريدات وحمماً من المنشورات على صورة قد لا تستحق أو لا تصح .
يبدو أن المجتمع كان متعطشاً ، أو مستبعداً ، أو منحجباً عن بعضه ، حتى راقت الفكرة والتقت الأقطاب وتنادت الأحزاب وفتحت الأبواب ، وكانت الملحمة .
كل شيء معرض للتجيير لطرف ما وسط حدة الاستقطاب ، والتهمة تنفذ بأسرع من الرصاصة في أطراف معادلة أيدولوجية متوهمة ، هناك استعداد للوقيعة وحالة استعداء عام وتحفّز لفتح جبهة قتال افتراضية وحشد الأنصار وتعبئة الأتباع والزحف باتجاه أراضي الهاشتاقات المباركة .
أصبح التغريد بعفوية مستبعداً في ظل أجواء مشحونة ، أو بالأصح أجواء ترصد وترقب لأي هنة أو رنة حتى يختلط الحابل بالنابل وتعلق المشانق وتساق النوايا تحت أضواء التشريح والتنقيب والافتضاح ، لا تبدو الأمور بهذا السوء ولكنها لا تقل كثيراً عن ذلك .
أصبح الموقع مؤثراً بالفعل ، تحققت بعض المطالب ، وفتحت جراح كثيرة ، وأغلقت ملفات كانت عالقة ، وجرت أمور شائكة ، وانكشفت عورات واستبانت عيبات ، وأحياناً إذا مررت بحزمة الهاشتاقات السعودية ربما تخرج بصداع نصفي أو دوار بحر أو ( رجة في الدماغ ) لشدة ما فيها من حدة وجسارة ( قذف محصنات - شهادات مزورة - اعتقال - تفكيك الخطاب المتصهين ) يا غارة الله !!!
هناك أحزاب للكنبة والكدادين وغيرهم تمارس حقها السياسي في عالم الافتراض ، تنقد وتفند وتصد وترد ، وأحياناً تناصر طرفاً دون آخر ولكنها دائماً تنتصر للمواطن البسيط الغلبان ، وأصبحت مهنة ناشط حقوقي تأشيرة دخول إلى أحقية المشاركة والاعتراف التويتري والعناية بتغريداته ، أو بالأحرى أصبحت مهنة من لا مهنة له .
في تويتر بصبغته السعودية يمكن أن يأتي ( العيد ) في غير موعده وقد يتجاوز عداد جيئاته أكثر من أعياد المسلمين في السنة ، وأحياناً لا يغادرهم العيد طويلاً وهو ماكث في ديارهم ويحتفل ( بطلعاتهم الغلط ) كثيراً ، فربما تكتشف فجأة أنك غير منضو في الفرقة الناجية لأن أمك قذفت بك في غير أرض نجد ، وربما تمتعض من سياحة فندقية فاخرة من ذوات الخمس نجوم .
أما ( الجبهة ) فإنها كثيراً ما تتعرض للصفع والرصع ، وهي قابلة لذلك في ظل تغريدات لا توزن ولا تحسب للواقع حساباً ، وعندما أجريت بحثاً عاجلاً لهذه الكلمة وجدتها ملقاة على قوارع التغريدات تئن من ألم الصفع وتشكو من ويل النقع ، حتى خلدها تويتر في سجله الخالد وتاريخ تغريداته الباقية ما بقي في تويتر نفس .
يمتلك نجوم سعوديون أكبر قدر من المتابعين لحساباتهم ، والبعض ( حسداً من عند أنفسهم ) ينقمون على عدد إعادات التغريد والتفضيل التي يتلقاها شخص واحد في تغريدة واحدة ، حتى يكاد الواحد منهم أن يكتب ( بخ ) فتنهال عليه مثل هطل المطر .
اتهم البعض بشراء المتابعين والتعاون مع شركات تجارية لضخ عدد كبير من المستخدمين في عداد الأتباع ، وأجري تحقيق صحفي أعاد الأمور إلى نصابها - حسب مصادره وتحقيقاته - وأفصح عن العدد الحقيقي للمتابعين وتلقفته وسائل الإعلام ، ومما شكّل صداعاً في رؤوس المغردين هي حملات موجهة تهدف لخفض أعداد المتابعين وضرب قاعدته الجماهيرية بطريقة انسحابية تكتيكية تؤثر في شعبيته ومصداقيته وجدارة الإقبال إليه .
والحقيقة أن كل أعداد المتابعين التي بلغت ملايين مملينة عند بعض الدعاة الذين احتفلوا بطرق خاصة وعامة وأقيم لشأنه هاشتاقاً أريد به إغاظة الخصوم ، لا تساوي شيئاً عند نجوم الغرب ممن تجاوز متابعوهم عشرات الملايين فلا معنى للاحتفال ولا قيمة للهشتقة ولا تكلف تهمتهم بشراء المتابعين ولكنها دائرة الفراغ وجوعة الاستهلاك المحلي تعود لتدور على نفسها مجدداً .
لك الله يا جاك دروسي ، بيني وبينك بعضهم لا تعطيهم وجه وأنا أخوك !
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق