هناك فرق بين أن تقوم بنشاط معين لمجرد تمضية الوقت وإزجاء الساعات الجوفاء ، وبين أن تستفيد من أوقات الفراغ للقيام بنشاط ممتع يحقق لك إشباعاً ، لاحظ الفرق في ترتيب الموضوع وفي النتيجة التي ينتهي إليها ، هناك فارق بين أن تقوم بعمل للهروب من الفراغ وبين أن تستقبل الفراغ بحفاوة لتقوم بعمل ممتع ومشبع .
وهذا يحدده مقدار ما اكتشفته من ذاتك وهواياتك وما يروق لك القيام به باستمتاع ، يتحول حينئذ الفراغ من مجرد مساحة مفتوحة من الوقت إلى فرصة زمنية رحبة ومتاحة لتكثيف إحساسك بالاستمتاع ومراكمة قدراتك وتطوير مستواك في ممارسة ما تهواه وينشط له قلبك ، ويصبح الفراغ بذلك نعمة تحسد عليها كما قال النبي الكريم .
هذا يتضح أكثر في شهر رمضان ، إذ تجتمع كل شروط الإشباع الذي يصادف تفرغاً لتحقيقه ، هناك هدف واضح وجلي تستجيب له الدواعي النفسية والاجتماعية وتتسق في إطار جامع ينتظم الفرد والمجتمع وفكرة واضحة عن الزمن : وهو فضيلة رمضان ، وعن الوقت وكل مستوياته من خيرية الشروق والغروب وقيام الليل وعبادات النهار ، وقد تتباين درجات الإشباع بين مجتهد وآخر ، وكلما أمعن الإنسان في ملأ الوقت كان هذا أقرب للإشباع من غيره ، رغم المحاولات التجارية والاستهلاكية لتفريغه من معانيه النبيلة .
إنها " أزمة مرحلة " بمعنى التداخل الرهيب وتهاوي اعتبارات السن في الذهنية العامة والاستعداد الواقعي ، إذ لكل مرحلة عمرية معينة اشتراطات واقعية ومعيشية ملازمة وأي تقاعس يحدث في توافرها واستيفائها يحدث بلبلة في واقع الإنسان وحياته ، فالشاب الذي تحين لحظة زواجه وتعجزه التكاليف يبتلى بنوع من الفراغ يخصه ، والذي تحين لحظة تمام دراسته وتحصيله وظيفة مناسبة ويعيقه عن ذلك عائق فإنه سيواجه أزمة حادة ، وكذا المراهق الذي يتحمل تكاليف لا يطيقها أو يستعجل عمره بمرافقة من يكبره أو لا يناسب مستواه وهذا يدفعه إلى ممارسة ما لا يليق بمستواه العمري ، و ما لا يحقق له الإشباع الكافي بداعي أن كل مرحلة عمرية لها ما يناسبها أو يتفق معها من جهة الأنشطة والقرناء .
تعليقات
إرسال تعليق