التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«أنشودة العطش» عمل فني سعودي يستعيد علاقة واحات الأحساء بعيون الماء

الجمعة - 12 شوال 1443 هـ - 13 مايو 2022 مـ رقم العدد [ 15872]


تمثل الأرض وطن الإنسان الكبير، وتجسد أنماط الحياة تفسيرات ملونة لعلاقة الإنسان مع الأشياء والأشخاص من حوله، يعمل فيها الوقت ضمن سياق من التطور الدائم؛ الذي يأخذ تعبيرات مختلفة ومتعددة، وبفعل الوقت نفسه، وفي وعائه الزمني العريض، تضمر الرابطة الوظيفية، ويبقى أثر من الانطباع والتأثير، والسرد المضمر في انتباهات الذاكرة المستعادة.

يحكي عمل «أنشودة العطش»، عن العيون الكثيرة التي تزخر بها منطقة الأحساء شرق السعودية، وقد أخذ بعضها يجف، والماء ينحسر فيها ويقل، وتمثل الأنابيب التي تستخدم لسحب المياه من العيون المتهالكة، والواحات التي أخذت في الضمور، شاهداً على حكاية هذه العلاقة العتيقة.

يتحدث إلى «الشرق الأوسط» محمد الفرج صاحب العمل ويقول «حاولت العمل عليها بطريقة تجعلها تتفاعل مع الهواء، وتصدر صوتاً يعبر عن الخواء، بما يشبه حشرجات الموت، وقطع المعدن الصغيرة التي تستخدم لربط الأنابيب ووصلها ببعض، تعطي الزائر فرصة النقر على سطح الأنابيب، والمشاركة في أنشودة العطش».

سعف النخيل الذي يلف بعض الأنابيب مثل أمل معلق بقشة، إذا مر بها الهواء تصدر حفيفاً يشبه النحيب، وهو عزاء من الذاكرة، لعلاقة طالما كانت سبب الحياة وأداة البقاء، فيما تمثل اليوم، وأمام هذا المشهد القاسي من انحسار الماء وجفاف العيون، ما يوصف بهزيمة الريف.

«تعاودني خيالات» يجمع 11 فناناً من ثقافات متعددة بأعمالهم الفنية المختلفة


تعبر الأطوال المتفاوتة للأنابيب عن مراحل في عمر البئر، إذ تكون أول الأمر سخية، تتفجر بالماء، ولا يتطلب الأمر الكثير من الحفر في أعماقها لبلوغ مستوى الماء، ثم بمرور الوقت، تضن البئر بالماء، ويحفر المزارع بعيداً في أعماقها لاستنزافها إلى آخر قطرة، حتى توشك على الجفاف وتؤذن بالرحيل.

محمد الفرج القادم من بلدة القرين في الأحساء شرق السعودية، اتصلت طفولته وصباه ببئر أم سبعة، وهي نبع مائي عذب، يقدر دفقها بعشرين ألف جالون في الدقيقة، وسميت بعين أم سبعة لأنها ترفد 7 مجاري مائية لتغذية الواحات وسقي المزارع المجاورة، ويطلق عليها محلياً «الثبارة السبعة».

في عمله الآخر «أحافير المعرفة» المصنوع من كرب النخيل أو نهاية سعف النخلة، ملقاة على الأرض مثل بقايا عظام، تشبه النخلة الإنسان في وجوه كثيرة، وتمثل اليوم رمزاً ثقافياً ووظيفة رمزية للمجتمعات العربية، بعد انتهاء أدوارها العملية، وتحيط بها قطع من أبيات الشعر والعبارات الشعبية وحكايات من الموروث المحلي، التي رافقت الإنسان ورسمت محددات شخصيته الاجتماعية والسلوكية.

وشارك الفرج في العديد من المعارض المحلية والخارجية، كما أن له تجارب متعددة في إطار الفنون البصرية، واستثمر دراسته في الهندسة الميكانيكية لفهم العلاقات بين الأشياء والمفاهيم والأشخاص، وقد انعكس ذلك في ابتكار تعبيراته الفنية التي حولها إلى أعمال تحفز التفكير وتعيد تعريف موقفنا من الأشياء.

يشارك الفرج بأعماله، في معرض «تعاودني خيالات» الذي ينظمه معهد مسك للفنون في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض، كمساحة للإبداع تجمع تحت سقفها 11 فناناً من ثقافات مختلفة بأعمالهم الفنية التي تناقش سؤال التغيرات البيئية التي يشهدها العالم.

وتعد الأعمال المشاركة في هذا المعرض نافذة على عالم يحبس فيه الفنان لحظات معرضة للزوال نظراً للظروف البيئية المحيطة، وتحملنا إلى عالم يعيد لنا تعريف الأرض التي نمشي عليها، ويرسم لنا خرائط نفهم من خلالها معنى الوطن والذاكرة.

الرابط:

https://aawsat.com/home/article/364


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...