إيران منشغلة بإعادة تموضعها واحتلال موقع مؤثر في سياق الحوار المرتقب مع الإدارة الأميركية الجديدة، واليمن واحدة من الأوراق التي تنوي استخدامها في هذا الحوار مشجعة وكلاءها الحوثيين على المماطلة.
لا تزال رحى المعارك مستمرة في مأرب، التي يريدها الحوثيون فاصلا وخطوة تحضيرية لمرحلة مقبلة، يتراجع فيها صوت البنادق ويتقدم الحوار. حينئذ لا بد من أوراق للضغط وعناصر للقوة. ويخسر الحوثي الكثير من مجنديه على أبواب المدينة، لكنه لا يبالي بإزهاق أرواح اليمنيين، إذا كان العائد السياسي مغريا لرعاته في طهران.
مشهد يتكرّر، لاستخدام الحوثيين هذه الفرص الخطيرة ورقة ضغط للمنافسة على نيل بعض المكاسب أو الوقت لتثبيت سلطة الأمر الواقع، دون أن يأبه لمصالح اليمنيين أو يراعي حياتهم. وهذا تصرّف غير مستغرب ممن زرع الألغام، وجنّد الأطفال، وسرق قرابة ملياري دولار خصصت لمرتبات الموظفين، وهدّد بتفجير البلاد، وتأبيد حالة الأزمة فيها، للحصول على شرعية القبول بنفوذه في اليمن.
إيران منشغلة بإعادة تموضعها واحتلال موقع مؤثر ووازن في سياق الحوار المرتقب مع الإدارة الأميركية الجديدة، واليمن واحدة من الأوراق التي تنوي استخدامها في هذا الحوار، وتشجع وكلاءها الحوثيين على المماطلة والتحايل على ضغوط إنجاز مخرج لأي من الطرق المسدودة في المشهد اليمني. وليس في حسابات الجماعة الانقلابية أن تتأخر أو تخذل رعاتها في طهران، حتى لو تسببت في إرهاق الشعب اليمني بجولة جديدة من المتاعب التي تثقل كاهله، لأنها في حقيقة الأمر لا تمتّ إليه بصلة، ولا يقوم مشروعها إلا على ركام الواقع المرّ.
تعيش دول المنطقة الذكرى العاشرة لموجة الربيع العربي، وبالنسبة إلى اليمنيين ذهبت أحلام تلك المرحلة أدراج الرياح. لقد تسبب الفشل المتواصل لمشاريع التفاهم والتسوية، ثم الانقلاب الدموي للحوثيين، في دخول البلاد نفقا مظلما تبدّدت معه الطموحات الشعبية، وحتى الحد الأدنى من ظلال دولة قائمة، أضحى عزيزا عليهم التمتع به والحصول عليه.
هل ساعد وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن في تسريع خروج اليمن من مأزقه، بوضع النقاط على الحروف، ووقف الجماعة الحوثية عن الإمعان في إنهاك اليمنيين، وتساهل المجتمع الدولي معها، وإعادة توجيه الضغوط من على قيادة التحالف العربي، إلى الجماعة الانقلابية، وتحميلها مسؤولية ما حلّ باليمن من دمار وخراب، وحرمان الشعب من الوصول إلى حقه في حكم نفسه وتقرير مصيره، عبر مخرجات الحوار الوطني أو المبادرة الخليجية أو قرارات الأمم المتحدة، أو الحلول المحلية التوافقية التي كان الحوثي أول من يلتف عليها وينكرها، ويعيد دخول البلاد في دوامة المجهول؟
الجواب حتى الآن، لا، بل كان التفسير التلقائي لدى الحوثيين لرسائل واشنطن ودعواتها إلى التهدئة والحوار، المزيد من التصعيد والمكابرة ورفع رصيد المرارة اليمنية.
صدر في وقت سابق تقرير مهمّ لفريق الخبراء الدولي المعنيّ باليمن، وقدم إضاءات لعدد من زوايا الملف اليمني، لكن تداوله بقي في خانة تبادل التهم والتصفيات الإعلامية، وغاب عنه أي دعم يساعد في بناء تصورات عملية ترفد محاولات الخروج بالبلاد من مأزقها وتلمس طريق النجاة من الانهيار النهائي والفشل الكامل، لاسيما وأن العالم والمجتمع الدولي يزداد انشغالا بقضاياه المحلية، في ظل جائحة كورونا التي تقلص من قدرات الجميع على العمل خارج حدوده.
هناك دعوات متكاثرة لوقف الحرب بأي شكل، لكن لا أحد يعرف كيف ستكون الخطوة التالية بعد إخماد البنادق، وما إذا كان اليمن مجرد تفصيل في ملف الحل الشامل بين أطراف إقليمية ودولية في المنطقة. لكن هذا لا ينعكس بالضرورة على الداخل اليمني، المليء بالثقوب والعيوب، واشتباك الحسابات والمعادلات، بمعنى أن ذلك همّ آخر سيسيل حوله الكثير من الحبر وربما الدماء.
وتخوض الحكومة انطلاقا من عدن تحدّيا صعبا لتعادل مفعول سيطرة الحوثيين في بعض مناطق اليمن، وتقدم نفسها للمجتمع الدولي، بديلا متاحا يمكن التأسيس عليه لبناء مشروع الدولة المستعادة. ولا يسع الحكومة في عدن إلا النجاح في هذا التحدي، حتى لا تخسر البلاد آخر رهاناتها للنجاة من سلطة الأمر الواقع الذي تفرضه الجماعة الانقلابية، التي تتحيّن تفاهم أو تطاحن اللاعبين الإقليمين والدوليين، بما يؤول إلى منحها ورقة الشرعية والاستمرار. ولن تألوا هذه الجماعة جهدا في إفساد تجربة الحكومة في عدن وتثبيطها، حتى لو كان عبر ورقة الخلافات وتشجيع أمنيات الانفصال لدى بعض المنضوين وتغذيتها تحت لواء “الشرعية”.
تعليقات
إرسال تعليق