إيران تترقب انتخابات حاسمة وترشح التوقعات فوز دفعة جديدة من المحافظين، وفي هذه الأجواء تبدو سياسة العناد التي تبديها حكومة روحاني بمثابة استرضاء للتيار المتشدد واستبقاء لحظوظ ما يوصف بالمعتدلين.
رفضت إيران الوساطة الأوروبية لاستئناف الحوار بشأن الملف النووي، وتصرّ على أن الحديث لن يبدأ تحت سوط العقوبات. بينما تبدو خطة الرئيس السابق دونالد ترامب لتخريب نوايا العودة إلى الاتفاق فاعلة ومؤثرة حتى الآن.
في المقابل ترفع طهران من ثمن التأخير في العودة، من خلال زيادة كمّية وحدّة هجماتها الموزعة في كل محيطها، لتضع المزيد من الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة، لإحراجها وتذكيرها بأنها ليست مستعدة لتدفع ثمنا جديدا لاتفاق مختلف أو معدّل، ولن تهدأ بنادقها "العربية" إلا بالعودة الكاملة إلى الاتفاق القديم.
يريد الرئيس الأميركي جو بايدن وطاقمه العودة إلى الاتفاق بأي ثمن. وتبدو الإدارة الأميركية، في بعض الأحيان، وكأنها ترجو من إيران أن تقبل الدعوات الملقاة على قارعة الرجاء، وتلتقط إشاراتها المستمرة، لكن طهران تشدّ الحبل، وتتمنّع عن القبول، طالما العقوبات قائمة.
لعبة شد الحبل بين الجانبين ليست دليلا كافيا على أن المسألة تواجه طريقا مسدودا. وربما تُفاجأ المنطقة، في وسط هذا التوتر والترقب، باتفاق جديد أو عودة لما كان قائما، بعد أن يفرش بايدن السجادة الحمراء لتسهيل كل العقبات ورفع كل العراقيل، ليفوز بالعودة التي وعَد بها ويتوق إليها.
تمطر ميليشيات إيران القواعد الأميركية في أربيل بوابل من الصواريخ المجهولة، وتشجب التدخلات التركية في العراق، وتهاجم السفن في مياه الخليج العربي، ويرفع وكلاؤها الحوثيون في اليمن من معدّل هجماتهم في مأرب وعلى مواقع مدنية داخل السعودية، وتوشك على تفجير سفارة الإمارات ودبلوماسييها في إثيوبيا. بينما تكتفي إدارة بايدن بهجمات متواضعة على البوكمال السورية، للإيحاء بأن تصرفات طهران مرفوضة وأن إيران لن تفلت من العقاب. رسالة هزيلة بينما طهران تستبيح المزيد من الخطوط الحمراء.
تترقب إيران انتخابات حاسمة في مرحلة مفصلية، وترشح التوقعات فوز دفعة جديدة من المحافظين المتشدّدين بالمنافسة. وفي هذه الأجواء تبدو سياسة العناد التي تبديها حكومة روحاني بمثابة استرضاء للتيار المتشدد واستبقاء لحظوظ ما يوصف بالمعتدلين في إيران، خاصة بعد أن جاء نقض واشنطن للاتفاق في عهد ترامب بمثابة تصديق لوجهة نظر المتشدّدين في عدم الثقة بالغرب، وخصم بالتالي من رصيد "المعتدلين".
وفي جميع الأحوال لا تبدو اللعبة المزدوجة بين الصقور والحمائم مقبولة في ظل السيطرة البشعة لميليشيا الحرس الثوري على توجهات إيران، وسياسة العناد والإيغال في التصلّب والصلف لن تكون حلا ناجعا ولا مناسبا لأزمة البلاد التي تشتد ضراوتها وكلفتها على الشعب الإيراني المغلوب على أمره.
وجّه الرئيس الأسبق محمد خاتمي رسالة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلى المسؤول الأول في البلاد المرشد علي خامنئي، تتضمن مقترحات وحلولا للسنوات العشر المقبلة في إيران.
مثله فعل الرئيس السابق أحمدي نجاد، بتوجيهه رسائل كثيرة إلى خامنئي الذي يرفض استقباله منذ أربع سنوات، في إطار بحثه عن دور سياسي جديد، سواء كان ذلك جزءا من لعبة النظام الإيراني لفرش الخطوط وإعطاء انطباع على التنوّع، أم كان موقفا مبدئيا يعبّر عن تيار جديد يضيق بواقع البلاد، ويرشح عن ثقوب التدهور الذي يشلّ كل القطاعات.
هناك آلية روّجها الإعلام، في أن التيار الإصلاحي يمكن التعاون معه للخروج من حالة الصدام المطلق للوصول إلى درجة من التفاهم المقبول، وأن الإقليم والمجتمع الدولي مسؤولان عن مساعدة هذا التيار ورفع حظوظه وتقوية جانبه في وجه التيار المتشدّد، وأن أزمة 2009 التي عصفت بإيران وشملت احتجاجات وسلسلة قمع وسجن وإعدامات، كانت بمثابة كسر عظام بين الجانبين.
لكنها آلية مفترضة لم يجر التحقق منها عربيا، ذلك لأن السياسات المتبعة في المنطقة تدور في إطار رد الفعل، وليست جزءا من منهجية واضحة ومقنّنة ومرتكزة على الفهم واختبار الواقع والإحاطة بتفاصيله وتشابكاته، وهذا ما ينعكس على تواضع مردود السياسات ونجاعة الخطوات المتخذة إزاء كل التحدّيات.
في ظل كل هذه التحولات، تبدو المنطقة ذات الغالبية العربية مستعجلة للتحضير والاستعداد للمرحلة المقبلة؛ ما هي خياراتها وفرصها، ما موقع إسرائيل التي تشاركها نفس الضيق من إيران، وهل سيسمع الصوت العربي في أي مقاربة بشأن مستقبل المنطقة، وما الموقف في حال جرى تجاهل مآخذ ومطالب دول المنطقة من أي تفاهم مرتقب، سواء كان يجري سرّا الآن، أو هو على وشك الحدوث قريبا.. والكثير من الأسئلة المزمنة التي تدور ولا تقدم لها إجابات.
تحظى تل أبيب بعلاقة تفضيلية من واشنطن، وتجري تفاهمات إسرائيلية أميركية خلف الكواليس بشأن إيران. وفي المقابل تنوي إسرائيل عقد ترتيبات أمنية خاصة مع دول خليجية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
لن يكون هذا كافيا للجانب العربي من القصة. بل هو قلة حيلة وضعف في الأوراق المكشوفة أمام قوى دولية تستوفي مصالحها وتساند إسرائيل، ولا تقيم أي اعتبار أو تقدير لوجهة نظر الدول العربية تجاه المسائل المهمّة.
تعليقات
إرسال تعليق