التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حدود الدور الروسي في الخليج

 

ربما أبدت روسيا وجهة نظر وسطية تجاه قضايا المنطقة، تأخذ بحسبانها المقاربة العربية، لكن قدرتها على التأثير تبقى محدودة.

السبت 2021/03/20

انفتحت شهية النقاش حول دور متوسع لروسيا في منطقة الخليج العربي، في ظل الانسحاب المتدرج للحضور الأميركي، واستثمار هذا المناخ المواتي لتحقيق مكاسب يمكن البناء عليها لتطوير الفعالية الروسية في منطقة مهمة بالنسبة إليها، فيما تراجعت درجة أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة.

يبدو المحور الاقتصادي هو الأولوية في هذه العلاقة، لاسيما في مجالات الاستثمار والسياحة والتصنيع العسكري والطاقة وتنسيق السياسات العامة، لكن الاقتصاد هو صنو السياسة، ولا يحضر أحدهما إلا مصحوبا بالآخر.

ولذلك فإن هموم السياسة مطروحة اليوم على طاولة الدور الروسي في الخليج، جنبا إلى جنب مع الفرص الاقتصادية الواعدة.

تريد موسكو إعادة تأهيل النظام السوري، وتوفير دور عربي أكبر في مستقبل الحل المتعثر، سواء في مشروع إعادة الإعمار، أو إرساء توازن مع النفوذ الإيراني، أو دعم تقارب مع أقطاب المعارضة السورية في الخارج لإضفاء طابع شرعي على أي حلّ لا يضمن نهاية ساحقة للأسد، وما يمثله من ضمان لمكاسب روسيا وربما إيران، اللتين بذلتا الكثير في هذا الصدد.

والدور العربي، يبدأ بطبيعة الحال من دول الخليج التي أضحت الثقل الوازن في المنطقة، وقد حصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إبان زيارته لدول الخليج على تصريحات مهمة بشأن مستقبل الأزمة السورية التي انقضى عليها عقد حتى الآن.

لكن المسألة السورية معقدة وشائكة، والبعد المحلي والإقليمي فيها لا يقل تعقيدا عن البعد الدولي، في ظل تطوير آلية عقابية وإجماع في عواصم غربية أخذ يتزايد لاستبعاد الأسد وتحميله مسؤوليات عشر سنوات من الإمعان في جرائم متعددة.

فضلا عن العقدة الكبرى، إيران ودورها السلبي في سوريا وبقية المنطقة، فهل تملك موسكو وصفة مرضية ومنصفة للتعامل مع وجهي العملة؟ بالنظر إلى تجربتها مع إسرائيل، فإن لعبة عضّ الأصابع بين طهران وتل أبيب على الأراضي السورية، تعطي صورة عن قدرات روسيا المحدودة في ضبط هذه العلاقة والنجاة بها من أشواك الخلاف.

لن تترك واشنطن روسيا مرتاحة في التحرك في منطقة الشرق الأوسط، لأن السيطرة في تلك المنطقة تمنح المزيد من الفرص لروسيا لتقويض الغرب على جبهات أخرى وانتصارها يتطلب خسارة الولايات المتحدة

وربما أبدت روسيا وجهة نظر وسطية تجاه قضايا المنطقة، تأخذ بحسبانها المقاربة العربية، لكن قدرتها على التأثير تبقى محدودة. في المقابل لا تصحّ المبالغة في وصف هذا الإقبال الروسي على المنطقة، وكأنه إحلال بديل مكان آخر، فالولايات المتحدة نفسها كانت حريصة على إبقاء العلاقة مع الخليج حيوية ومفيدة، لاسيما في المجالات الاستراتيجية التي طالما عكست الشراكة العميقة بين الجانبين، بصرف النظر عن التصريحات التي كانت دائما تعبيرا فجّا ومتناقضا مع واقع حال العلاقة التي تنمو وتتوسع في المجالات التعاونية المختلفة.

وطالما ظل الخليج بحاجة إلى الدور الأميركي في المنطقة بكل خدماته ذات الجودة والجدوى العالية، ظلت واشنطن، كما كانت في الكثير من المراحل التاريخية، مهتمة بالدور الخليجي والاستفادة من هذه الشراكة لتحقيق توازن مهم في المنطقة، يضمن حماية المصالح المتبادلة واستمرار المنافع المشتركة.

من جهة، ليس من المحتمل أن تترك واشنطن، روسيا مرتاحة في التحرك والتمدد في منطقة الشرق الأوسط، وقد حث معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الإدارة الحالية في البيت الأبيض على مواجهتها، “لأن السيطرة في تلك المنطقة تمنح المزيد من الفرص لروسيا لتقويض الغرب على جبهات أخرى. فاكتساب نفوذ أكبر في الشرق الأوسط سيجعل الكرملين أقرب إلى تحقيق أولى أولوياته، وهي إضعاف النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ فانتصار روسيا يتطلب خسارة الولايات المتحدة”.

يمكن الاستفادة من رغبة روسيا في توسيع شراكتها الخليجية، وهي تبحث عن تحقيق مصالحها وحيازة أكبر قدر من المكاسب الممكنة، وموسكو مستثمر جيد في مناطق الفراغ المتاح، لاسيما وأنها ملاحقة بشراسة من أوروبا والولايات المتحدة، ولديها تجربة سيئة في ليبيا، بعد أن أخطأت حساباتها ودعمت التدخل الأجنبي، لتجد نفسها مستبعدة ومقصية من هناك.

ستكون المنطقة دائما مهمة ومتاحة للكثير من الشركاء الدوليين، وسيكون على دول الخليج توفير آلية وتطوير إستراتيجية لاستقطاب هذا الإقبال والاهتمام على النحو المفيد والمربح، والنجاة به من التنازع الشرس على مناطق النفوذ والثروة والتأثير.

بريطانيا مثلا، وهي تفحص خياراتها ما بعد الخروج من المجمع الأوروبي، تضع عينها على منطقة الخليج، وقد تبنّت إستراتيجية جديدة تضع روسيا في خانة الخصوم، الأمر الذي سيجعل من الخليج منطقة تنافس بينهما، كما هو الحال في بقع جغرافية أخرى.

في ظل ذلك من المحتم على دول الخليج والمنطقة عموما، أن تضع في اعتبارها قيمة وحساسية هذه الشراكات المتاحة مع ملاحظة هذه الخصومات الواعدة بمناسبات ومساعي الاختراق والالتفاف والتطاحن، الذي ربما يأتي مؤذيا للمنطقة كذلك فوق ما تعانيه في راهنها من تداخل الحسابات الإقليمية والدولية وتشابكها.


الرابط:





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...