التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإخوان لدى أردوغان: ورقة أم مبدأ؟

 


لا يستبعد أن يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لسيرته الأولى للاستثمار في الجماعات الأيديولوجية في حال انفجرت أزمة مّا بعد أن أثبتت أنها تحسن اللعب في بؤر الفوضى والخراب.

الثلاثاء 2021/03/30

في إطار سعيها الحثيث لتجاوز ظروفها الخانقة على كافة الأصعدة شرعت أنقرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه من علاقات خارجية وترتيبات داخلية للتخفيف من فداحة الثمن الذي دفعته جراء سياساتها المتهورة خلال السنوات الأخيرة. الفشل في جملة من الملفات والاستحقاقات حتّم على صانع القرار المنفرد بتشكيل الشأن العام التركي اتخاذ خطوات جراحية قاسية تكلفه بعض التنازلات يقدمها إلى جيرانه الذين طالما أمعن في استفزازهم والإساءة لهم وإثارة نقمتهم.

بالنسبة إلى الجانب العربي، المصري خصوصا، كانت ورقة الإخوان الورقة المفضلة التي يمكن أن تقدمها تركيا لترميم علاقاتها بجيرانها. وأصبح واضحا بالنسبة إلى البلد المضيف أن منهج وطرح وقدرة الجماعة باتت عاجزة عن التقدم إلى الأمام، وأن المنطقة العربية قطعت الطريق على أي احتمال يتضمن وجود الجماعة أو يتسامح مع عودتها.

ولأن الإعلام هو وحدة القياس الأولى في تناول الخيارات السياسية غير المرئية، اُستدعي مالكو ورؤساء الفضائيات التابعة لجماعة الإخوان ممن ينشطون منذ عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي على الأراضي التركية إلى اجتماع عاجل، وطلب منهم تغيير مضامين قنواتهم، والبدء تدريجياً في إقصاء السياسة التركية عن أي أجندة من شأنها إثارة حنق الجانب العربي واستفزازه.

حاول أصحاب القنوات الفضائية امتصاص الصدمة الأولى بتقديم تفسيرات ظنية بشأن هذه الخطوة، من قبيل أنها مجرد تطوير في إطار ما وصفوه بميثاق “الشرف الإعلامي”، ولكن مخاوف من أن تتبعها التزامات أكثر قسوة تتطلب منهم اتخاذ مبادرة من شأنها أن تعيق التوصل إلى أي تفاهم محتمل يحول دون إقصائهم الكامل وتطويق نشاطهم، أجبرتهم على إعادة التفكير في خيارات منفى بديل.

وللتذكير كانت قطر قد لوحت بالتخلي عن دعم الإخوان إبان المحاولات الأولى لإنهاء أزمتها خلال التفاهمات المبكرة مع جيرانها عام 2019، سواء بالتقليل من الرعاية المباشرة أو نقلهم إلى مستوى الدعم غير المباشر. المهم أن تنظيم الإخوان كان كبش الفداء المفضّل للعاصمتين في سعيهما لإصلاح علاقاتهما والتفاهم مع جيرانهما والتخفيف من كلفة السياسة الشاذة والشاقة التي اتبعها كل منهما.

هناك تفسيرات كثيرة تتعلق بهذه الخطوة وما إذا كانت نتيجة انعكاس للمصالحة الخليجية التي شملت إنهاء أزمة قطر وإعادة ترتيب العلاقات بين الأطراف الخليجية على أساس الوضوح والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية، أو كانت بسبب سياسة الوافد الجديد إلى البيت الأبيض وما تبعها من تحولات في منطقة الشرق الأوسط، أو نتيجة ضغوط وتحديات وتبعات السياسات العمياء التي تجاوزت قدرة تركيا على الاحتمال.

في جميع الأحوال، إنها خطوة مهمة ومؤشر يؤكد قيمة المصالح وتبدل الحسابات السياسية وتأجيل المبادئ وإعادة إنتاجها حسب الظروف المستجدة والطارئة.

تغليب المصالح على المبادئ مفهوم يبرز في سياسات إيران بوضوح من خلال رعايتها لرموز ونشاط تنظيم القاعدة السني، ومن خلال دعمها لأرمينيا ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية، ولن تتردد عن فتح قنوات سرية مع الشياطين الكبرى والوسطى والصغرى إذا حتمت عليها مصلحتها ذلك.

الغريب أن الجماعات المؤدلجة لا تضع ذلك ضمن حساباتها، الأمر الذي يبقيها في دائرة مغلقة من الانفعال والدخول في متاهة من العلاقات السياسية الشائكة شديدة التعقيد، فضلاً عن توظيفها في اختراق المجتمعات المحلية وإعاقة عمل الدولة في تسيير الشأن العام ورعاية مصالح البلاد.

المنطقة تعيد تشكيل نفسها من جديد، رغم كل القناعات القديمة التي بولغ في تقديرها، بعد جولة خاضتها خلال العقد الماضي لم تخل من الخسائر والدماء والفوضى استنفد خلالها الإخوان ومعهم بقية من الأدوات الأيديولوجية أغراضهم بعد أن قررت عواصم المنطقة التي طالما استثمرت في الجماعة لتمرير مشاريعها أو تمترست خلف سرديات المظلومية التي روجت لها أن ترفع عن كاهلها العبء الذي تضخم خلال السنوات العشر الماضية.

السودان واحد من الدول التي حققت خطوات مهمة على هذا الصعيد بعد أن تخلص من نزيف الاقتتال الذي كان يخوضه سعيا وراء حسابات خاطئة، وتخلص من جرثومة الأيديولوجيا التي وجهت سياساته العامة حتى وقت قريب، وإزالة المعوقات التي حالت دون بناء سودان صحيح ومعافى، وعكف على إصلاح أحوال البلاد والعباد.

رغم ذلك لا يستبعد أن يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لسيرته الأولى ويستثمر في الجماعات الأيديولوجية في حال انفجرت أزمة مّا، فهذه الجماعات تحسن اللعب في بؤر الفوضى ومستنقعات الخراب.

أثبتت أنقرة في عهدة الذهنية التسلطية ونهم التوسع أن مشكلتها ليست مجرد استضافة جماعة ما أو طردها، بل لديها سجل من التدخلات المؤذية في المنطقة العربية. لقد كانت وراء الكثير من المشكلات والتوتر في الخليج واليمن والعراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس، وكانت تتصرف ضد مصلحة هذه الدول العربية إلى أن أصبحت الفاتورة باهظة جداً، وانعكس ذلك سلبا على الأوضاع السياسية في الداخل التركي، مما شجع بعض رفقاء الأمس للانقلاب على أردوغان.

أحمد داوود أغلو أقرب أعضاء الحزب إلى أردوغان حتى وقت قريب قدم وصفة يمكن أن تختصر الكثير من جهود التحري والبحث، قائلا “لا توجد ملفات يمكنك عرضها واستغلالها، أنت لا تعمل وفق الحقائق، لقد حولت الإدارة الحكومية إلى مسلسلات قدمتها للقنوات التلفزيونية، كل ما تفعله هو مجرد بيع للأحلام”.



الرابط:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...