تمنّي إيران النفس بفرصة “أوبامية” واعدة بعد وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم، وقد سبقت إيران دول المنطقة في تهنئته وتشجيعه على اتخاذ موقف مغاير لما كان عليه الرئيس الموشك على المغادرة دونالد ترامب.
أعطى ترامب تجربة مغايرة تماما لما كان عليه عهد أوباما، حتى في الأيام الأخيرة لولايته، ألقى بعبء جديد من العقوبات القاسية على طهران، واستهدفت العشرات من الأشخاص والكيانات، في أحدث تحرك من قبل واشنطن لزيادة الضغط على نظام الملالي، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيراني أزمة عملة وتزايد الدين العام وتضخما متزايدا.
بل أكثر من ذلك بتراجعه في اللحظات الأخيرة عن قصف الأراضي الإيرانية ومهاجمة موقع نووي إيراني الأسبوع الماضي.
على خلاف تام لما كان عليه الحال أيام الرئيس السابق باراك أوباما، الذي حصلت إيران خلال توليه الرئاسة على اتفاق مريح ومربح مع القوى الدولية، وانفتحت لها خزائن الدول الغربية بالمليارات من الدولارات، وكوفئت بسكوت كامل عن نشاطها التخريبي وسلوكها العدواني في المنطقة. ومنحت ضوءا أخضر غير مباشر لبرامجها العسكرية والتسليحية الصاروخية، وهو الأمر الذي تتمنى أن تحصل عليه مجددا بوصول الرجل الثاني في إدارة أوباما السابقة إلى البيت الأبيض.
لكن عوائق عديدة تعترض طريق الرئيس المنتظر بايدن في حال سعى لإعادة إنعاش العلاقة مع طهران، إذ لا تبدو الأخيرة مستعدة لتحقيق شرطه بالالتزام الصارم بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”.
من جانب آخر، فقد تغير الحال الذي كانت عليه المنطقة في عهد أوباما، وفي إطار تقارب غير مسبوق يجمع البلدين، استفاد من مناخ تراجع إيراني وتضعضع داخلي وهشاشة في قدرتها قطع الطريق على محاولة بغداد استعادة خط اتصالها مع محيطها العربي، تم منذ أسبوع على فتح المعبر البري الرابط بين السعودية والعراق.
كما أن إسرائيل وهي العدو الرئيسي لإيران تنتعش وتتمدد في المنطقة، وسيكون لها دور في الضغط للتخفيف من اندفاع واشنطن لتحسين ظروف وشروط علاقتها مع طهران، في ظل تجديد الرئيس المرتقب بايدن التزامه بمفردات العلاقة التقليدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وفي الجوهر منها صون أمنها والتضييق على أعدائها.
وقد ذكرت وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل بصدد وضع إستراتيجية جديدة لتدشين محادثات مع حكومة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حيال إيران.
كما يبدو الخليج متمكنا من أدوات الضغط والضبط لحماية مصالحه بعد أن استثمر السنوات الأربع الماضية في تطوير مؤهلاته الأمنية والإستراتيجية للحد من أي ضرر قد يقع عليه نتيجة انكفاء أو التفاف الدور الأميركي على هواجسه واعتباراته.
تتوقع طهران أن الرسائل المفخخة التي ترسلها عبر وكيلها في اليمن على الأراضي السعودية، بوصف الرياض أحد أركان خطة مواجهة السلوك والتمدد الإيراني، كافية لردع السعودية عن دعم أي توجه عقابي تستحقه إيران إزاء حماقاتها السياسية والأمنية.
لكن شيئا لا يمكن أن يوقف قرارا إستراتيجيا اتخذته الرياض ودول الخليج لوقف طهران عن زحفها الهستيري للسيطرة بسهولة على المنطقة، وهو ما جدد الدعوة إليه العاهل السعودي في كلمته منتصف نوفمبر أمام مجلس الشورى، وحثّ المجتمع الدولي على اتخاذ “موقف حازم” للتصدي لسعي النظام الإيراني للحصول على أسلحة دمار شامل، وتطوير برامج للصواريخ الباليستية، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورعايته للإرهاب وتهديده للسلم والأمن الدوليين.
وفي مواجهة الصلابة التي تبديها الرياض في وجهها، تزعم الخارجية الإيرانية، أن يدها للصداقة لا تزال ممدودة أمام السعودية، داعية إلى الابتعاد عن توجيه الاتهامات إلى إيران نتيجة ما سمته الجهل بالمعادلات الإقليمية والدولية، وهو ما يشير إلى حجم طموحها لانفراجة تحملها نتيجة الانتخابات الأميركية الأخيرة.
رغم وعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق الذي شارك في بنائه أيام عمله نائبا للرئيس أوباما، لكن تغيرات داخل التركيبة السياسية الأميركية قد تعرقل إعادته بنسخته الأصلية القديمة، لاسيما وأن خطوات إيرانية اتخذت كرد فعل على إدارة ترامب ساهمت في إفشاله وتعقيد العودة إليه، وقال مسؤولون إيرانيون مرارا إن خطواتهم باتجاه عدم الالتزام بالاتفاق “لا رجعة فيها”، وإنه لا يمكن ببساطة محو التقدم الذي يتم إحرازه في مجالات البحث والتطوير في إيران.
وبذلك، يصعب العودة إلى الاتفاق بشكله السابق الذي كان محل اعتراض دول الخليج، كما يدعم الثلاثي الأوروبي الذي ساهم في إنجاحه والحفاظ عليه، أي تعديلات من شأنها أن تجعله مقبولا ومدعوما من دول المنطقة، ومن ذلك أن يشمل تحركات إيران الإقليمية وتطوير الصواريخ الباليستية إلى جانب تقييد أنشطة طهران النووية.
لا أحد يريد لهذه المنطقة أن تستمر في نفق المخاطر بلا أفق للخروج. دول الخليج من أكثر الدول رغبة وميلا للاستقرار والسلام، وتودّ لعواصم إقليمية أن تلتقي معها في منتصف طريق التفاهم والشراكة والتعاون على النفع المتبادل في إطار الاحترام ونزع أوهام السيطرة وغرور الإمبراطوريات المتخيلة، وقد وصلت بعد أربعة عقود من الاحتكاك بالسلوك الإيراني لقناعة بأن طهران لا تفهم لغة الحوار وتبادل وجهات النظر، وأن الضغط المشفوع بدعم دولي ضروري لنزع فتيل السلوك التخريبي الذي تتخذه إيران ومثلها الآن تركيا أردوغان.
وإذا كان لا بد من طاولة للحوار حول مستقبل المنطقة وأدوار اللاعبين فيها، فلا يمكن أن يحدث ذلك بمنأى عن حضور الدور الخليجي ومشاركته وضع النقاط على حروف التفاهم والشراكة والعمل من أجل منطقة آمنة ومستقرة.
ودعا الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في كلمة له بمؤتمر “المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية”، الرئيس الديمقراطي القادم جو بايدن إلى عدم تكرار “أخطاء الماضي” مع إيران.
وشدد على أن إعادة الانضمام إلى الاتفاق، كما هو، لن تخدم الاستقرار في منطقتنا، وإعادة الانضمام ثم التفاوض حول القضايا المهمة الأخرى سيُسقط الدبلوماسية في فخ ويجعلها عرضة للابتزاز الإيراني.
تعليقات
إرسال تعليق