التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإرهاب يطلّ برأسه مجددًا

 

السعودية استطاعت في سياق تحولاتها الكبرى إنهاء التطرف وخطاب الكراهية واستعادة مؤسسات الدولة وحمايتها من اختراق الخطابات الدخيلة التي تستهدف الأجزاء الضعيفة من الفكر المجتمعي المستسلم لسردية حركية مفخخة.
الخميس 2020/11/19

يبدو أن تحولات السعودية لا تزال مصدر امتعاض المتشددين، إذ ذكّرت الأحداث الإرهابية المتفرقة التي وقعت في المملكة مؤخرا، ببقاء هذا التهديد محدقا ومليئا بالمفاجآت، رغم كل الخسائر الفادحة التي تكبدها المتشددون في السنوات الماضية. وقد تبنى تنظيم داعش إحدى تلك العمليات، واحتفلت به منصات إعلامية تقليدية مروجة لهذه الأعمال التخريبية، التي تمولها بطبيعة الحال إما قطر أو تركيا.

لم يقل أحد إن دوامة الإرهاب أضحت في طيّ الماضي، ولكن القطع مع أسبابها، مثلما تحقق في السعودية، نجح في خفض تأثير الدوامة وعنفوانها. وإضعاف خصوبة الأرضية المؤهلة لاندلاع مناسبات الإرهاب، هو جزء من النتائج غير المباشرة لعمليات التحول في السعودية، إذ تبتلع فضاءات الأمل والعمل والاستعداد للمستقبل دخان التشدد وسموم التطرف التي بقيت مخيّمة لعقود.

هناك علاقة بين البيان الذي أصدرته الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية ضد جماعة الإخوان، والحادث الذي تعرضت له السفارة السعودية في هولندا، إذ تزامنت الرصاصات الطائشة التي استهدفت المبنى الدبلوماسي السعودي مع شلال من التحريض والتهديد أطلقته أبواق محسوبة على الإخوان المسلمين بعد البيان، رغم أن البيان لم يأت بجديد، فالجماعة مصنفة من قبل الرياض ضمن التنظيمات الإرهابية منذ سنوات، ولم يقم البيان إلا بتأكيد المؤكد عبر أهم مؤسسة شرعية في البلاد.

وبينما الحادثة الآن تحت تصرف السلطات الهولندية، بانتظار أن تسفر التحقيقات عن الحقيقة الكاملة بشأنها، يستمر التحريض ضد السعودية بشأن البيان وكأنه يقدم الأرضية التبريرية لأي عمل يمكن أن يقع للإضرار بها، وقد احتفظ التاريخ المعاصر بالكثير من المرات التي استخدمت فيها الجماعات الدينية المتشددة سلاح الإرهاب والأعمال التخريبية، إذا انسدت أمامها الآفاق وانعدمت الخيارات.

حملات التشويه، يراد منها فصل المجتمع السعودي عن المدرسة التي ترفض المنهج الحركي وتنبذ أدلجة الدين وتسييسه، وهي قديمة اتخذها السروريون (جماعة إخوانية محلية في السعودية) سبيلا لدق الأسافين لزعزعة الثقة بين المجتمع وطبقة العلماء؛ أحد أركان شرعية الدولة.

ويفعل الإخوان اليوم الأمر نفسه، وزادوا على ذلك بإبداء آراء جارحة في رموز المدرسة العلمائية السعودية ذات التوجه المحافظ، وقد أثارت الناشطة اليمنية توكل كرمان جدلا واسعا ورد فعل شعبيا غاضبا بعد وصفها لرجل الدين السعودي الراحل عبدالعزيز بن باز بـ”الضال المضل”.

وربما يصل بهم الأمر إلى محاولة الاغتيال كما جرى لوزير الشؤون الإسلامية السعودي عبداللطيف آل الشيخ، المعروف بمناهضته لمنهج الإخوان، وجهوده في تخليص المؤسسات من تأثير وتغلغل الحركيين.

ومثلها حملات تشويه أمين رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، لأنه اخترق الأوساط الأوروبية والغربية بصورة أنموذجية، داخل الحقل الجغرافي والاستراتيجي الذي استثمر فيه الإخوان كثيرا، مما استفزهم وأثار غضبهم.

تقترب السعودية هذه الأيام من استحقاقات عالمية تعزز من مسيرة تحولها التاريخي، قمة العشرين التي تستضيفها بوصفها قبلة عالمية وعاصمة مركزية في المنطقة، تأتي في إطار ما أضحت تتمتع به السعودية اليوم من قيم تفكير وعمل واستراتيجية نبذت كل مفردات العالم القديم الذي كانت تحتبس فيه.

اقتراب المناسبة، شكل فرصة ثمينة ليستمع السعوديون، أولا، والعالم من بعدهم لعرّاب هذه النقلة النوعية في طبيعة البلاد، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو يتأمل في هذه الفعالية الأثيرة بالنسبة إليه ولجيل كامل من الشباب المتطلع إلى التغيير والتمسك بمكاسب التحول، رغم الرصاصات الطائشة والقنابل العمياء المحشوة بالتخلف التي تريد تأبيد حالة الفوضى والخراب والتراجع في هذه المنطقة.

قال الأمير محمد بن سلمان إن المملكة استطاعت القضاء، خلال سنة واحدة، على مشروع التطرف الأيديولوجي، الذي صُنع على مدى 40 عاما، بعدما وعد بذلك في 2017، وتحقق شوط كبير عبر حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر.

استطاعت السعودية في سياق تحولاتها الكبرى إنهاء التطرف وخطاب الكراهية بفضل استعادة مؤسسات الدولة، وحمايتها من اختراق الخطابات الدخيلة والمبثوثة في الأجزاء الضعيفة من الفكر المجتمعي الذي استسلم لسردية حركية مفخخة.

وتبقى المعركة مع أيديولوجيا التشدد وجماعاته طويلة، وعملية إزاحتها شاقة، لأنها تفتح بؤر تفريخ في مناطق الأطراف، كلما اشتدت عليها القبضة في المركز، وما إن تنفتح ثغرة في استقرار منطقة أو ناحية ما، حتى يتدفق إليها جيل كامل من المتشددين يعيدون المنطقة إلى دوامة عنف لا نهائي. ولذا فإن مواجهة فكر مخضب بالتشدد والدموية، عملية مستمرة، ومواجهة مفتوحة لصد عدوان الإحباط وانسداد الأفق وفقر الخيارات، بفتح آفاق الأمل وتوفير حقوق المجتمعات والاستمرار في تأمين أسباب وشروط العيش الكريم والمستقر والآمن.

ولتثبيت مكاسب المرحلة، وفيما يبدو أنه توسيع لدائرة التغيير، وسد ثغرات الوعي الذي يستهدفه الخطاب المتشدد، وتأهيل العقلية الاجتماعية بأدوات المقاومة الذاتية، قال وزير التعليم السعودي د.حمد آل الشيخ إن الوزارة تعمل حاليا على إعداد مناهج دراسية في التفكير النقدي والفلسفة؛ بهدف تنمية قيم حرية التفكير والتسامح وعدم التعصب الفكري لدى الطلاب والطالبات، وتمكينهم من ممارسة مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المواقف الحياتية المختلفة.


الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...