التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قمة العشرين: السعودية تتوج تحولاتها التاريخية

انعقاد القمة يؤسس لحالة الخليج الجديد وقد أضحى مركز العالم العربي وقاعدة انطلاقه ويزداد زخما بدعوة الإمارات للمشاركة بصفتها رئيس دورة مجلس التعاون الخليجي وشريكة الرياض في رسم واقع جديد.
الجمعة 2020/11/13

تتهيأ السعودية لدخول مرحلة جديدة، باستضافتها قمة القوى الاقتصادية العشرين، لتفصح عبرها عن جوهر تحولاتها النوعية، وإدماج مشروع التغيير الذي بدأته خلال السنوات القليلة الماضية في السياق المعولم بقيمه وسياساته وبناه الفكرية وخلفياته الحضارية.

تتبنى السعودية مفردات عالم جديد منفصل تماما عن شكل العالم القديم، أو إطار العالم الثالث الذي بقي لعقود بمثابة حكم أبدي على دول الشرق الأوسط التي أكرهت على المكوث في الطرف المخذول من الكون.

وعلّق رئيس مركز أبحاث “غلوبال سوليوشنز إنيشياتيف” دينس سنور على الأمر قائلا “عندما تتولى السعودية رئاسة مجموعة العشرين، ستصبح أول دولة (عربية) تقود هذه الهيئة الحكومية الدولية”.

السعودية الراهنة مهتمة بتجاوز الحالة الاحتفائية للمناسبة وصولا إلى قيمتها الجوهرية، وأن تتوقف عن مبالغات الادعاء إلى مباشرة المهام

وجاء في تغريدة له على حساب مؤسسته، أن رئاسة السعودية لمجموعة العشرين “توفر لها فرصة لفتح البلاد ومجتمعها، وإظهار مدى قدراتها على معالجة المشكلات العالمية”.

إلى أي حد سيكون احتكاك جيل سعودي وعربي كامل مع هذه المناسبات النوعية، بكل حمولاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية، مؤثرا ومحركا في عملية التغيير والتحول، على المستوى المحلي والإقليمي، لمنطقة طالما عانت من تواضع أحلامها وضعف الثقة بنفسها، وانطوت تواجه مشكلاتها في ركام من الأحداث والوقائع التي تنزلق إليها بلا نهاية.

دفعت السعودية بنخبة من شبابها في مجموعات التواصل والعمل داخل قمة العشرين، ثماني مجموعات تعاونية مستقلة تقودها منظمات المجتمع المدني في البلد المضيف للقمة، تتنوع أعمالها بين الفكر والشباب والمرأة والعمل والعمال والعلوم والمجتمع المدني.

ويقدر أن يتجاوز عدد ما تستضيفه المملكة من مناسبات ويعقد فيها من مؤتمرات، في إطار القمة هذه، المئة مناسبة ومؤتمر، بما في ذلك اجتماعات وزارية.

على الصعيد الدولي والسياسي، ربما يساعد استقطاب هذه القوى، لتجتمع على طاولة واحدة، في تطوير فهمها عن المنطقة، وإدراك الآثار المترتبة على تدخلاتها المتضاربة في تأبيد واحتباس الإرادة السياسية وانسداد الأفق الاستراتيجي.

تمثّل الرياض وجهة النظر المعتدلة حول أدوار الفاعلين الدوليين وتدفعهم لتقليص الشرور في الشرق الأوسط وتوسيع دائرة الأمل في الوصول إلى تسويات ودعم سياسات التقارب المنصف والمربح للمتنافسين.

ويفتح استقطاب القوى الباب لتعزيز تنوع سلة المساهمين في المنطقة، في ظل التراجع الأميركي. وباستدعاء عمالقة التكنولوجيا وأوعية التقدم التقني في العالم سيساهم المنتدى في تسريع أتمتة العمليات الحكومية، وإدخال مفردات العصر الرقمي الجديد وفضاءات التفكير المتطور في التعليم، واستقطاب الاستثمارات الواعدة إلى منطقة أوهن شبابها التشاؤم وغياب الأمل وانعدام الاستقرار وتعكر الأجواء.

تشكلت مجموعة القوى العشرين الاقتصادية في لحظة ضعف عالمي وأزمة اقتصادية خانقة في التسعينات، واكتسبت زخما برفع درجة المشاركين فيها على مستوى الزعماء والقادة عام 2008، وتنعقد القمة الحالية الآن في ظروف مماثلة، لتذكّر بقيمة التعاون الدولي وتوزيع أعباء المسؤولية على المجتمع العالمي.

كما أنها تفتح فرصة ثمينة ومهمة للمنطقة بأن يرتفع صوتها وتحوز حقها في التعبير والإدلاء بهواجسها ووجهة نظر عواصمها حول خطط الخروج بالعالم والمنطقة من أسر الظروف القاهرة، ويصيخ لها العالم سمعه ويقر بأن أي دور ستلعبه المنطقة مستقبلا ينبغي أن يأتي من أبواب القمة المشروعة ومبادئها.

ولنأخذ على ذلك مثال الاتفاق النووي السلبي الذي أبرم عام 2015 بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحد، وكيف أن عواصم المنطقة أخذت على حين غفلة، واندفعت عواصم أوروبية للموافقة لدوافع اقتصادية، ليكتب للاتفاق الفشل، بعد أن جرّ على المنطقة نصف عقد من كوارث تسببت بها الجرأة السلبية لحكام إيران. وهو ما شجع مؤخرا أنقرة على سلوك نفس الطريق التخريبي لإرساء مشاريعها التوسعية. وكان بالإمكان تلافي كل هذا لو اتخذ رأي العواصم المركزية المعنية بالأمر في المنطقة.

العقدة الرئيسية لهذه المنطقة هي التنمية المتعثرة، وهي مفتاح الخروج من احتباس الواقع واحتواء التدخلات والمشاريع التوسعية، خاصة وأن الشرق الأوسط يسجل كبقعة جيوسياسية
أعلى معدلات التدخل الخارجي، والاستباحة من مشاريع أيديولوجية إقليمية.

ولأن التنمية متشابكة مع الواقع بكل أعبائه السياسية، وجب تطوير استراتيجية عمل تنقذ الحكومات من نذر الفشل، وتخفف من وطأة الأدوار السلبية المعرقلة لكل مجهود تنموي.

دفعت السعودية بنخبة من شبابها في مجموعات التواصل والعمل داخل قمة العشرين، ثماني مجموعات تعاونية مستقلة تقودها منظمات المجتمع المدني في البلد المضيف للقمة

أي محاولة لنفي السلوك السياسي، بنوعيه السلبي والإيجابي، تبدو مستبعدة ومعقدة الآن، ولذلك فإن رفع مستوى العمل الحكومي لدول المنطقة وإرساء قواعد تشارك نفعي وسلس مع القوى الاقتصادية تتجاوز ارتهانات الواقع، بمقدورهما أن يخففا من مخاطر المغامرات الهامشية التي تلهي الأجيال وتفسد عليهم أي فرص مستقبلية متوقعة.

وحول ذلك قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “نحن نؤمن أنّ هذه فرصة فريدة لتشكيل توافق عالمي بشأن القضايا الدولية عند استضافتنا لدول العالم في المملكة”.

السعودية الراهنة مهتمة بتجاوز الحالة الاحتفائية للمناسبة وصولا إلى قيمتها الجوهرية، وأن تتوقف عن مبالغات الادعاء إلى مباشرة المهام، في ضوء الروح العملية والحركية التي تتبناها وتلتزم بها مؤخرا.

كما يؤسس هذا المنتدى لحالة الخليج الجديد والمختلف، وقد أضحى مركز العالم العربي وقاعدة انطلاق مستقبله المنظور، وبدعوة دولة الإمارات للمشاركة بصفتها رئيس دورة مجلس التعاون الخليجي، وشريكة الرياض في رسم واقع جديد، تتسع دائرة الأثر المتوقعة لهذا الحدث، بتعزيز التحول الجديد الذي شرعت فيه الرياض.

ومع ما يبدو أنه مشوار طويل لصناعة الفرق، تبدو السعودية مصممة على التحدي ومقبلة عليه بكل إمكاناتها الثقافية والاقتصادية والسياسية والفكرية.



الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...