ترى الطبيبة والباحثة العالمية ملاك الثقفي أن التعليم والصحة هما شريان أي مجتمع يريد أن ينهض مما هو عليه، وينتقل إلى صعيد المنافسة مع بقية الأمم الفاعلة والمؤثرة على وجه الأرض.
وهي إذ تقول بهذا، فإنها تستمد وجاهة الفكرة وجوهر الطرح من صميم تجربتها الشخصية، ومن مخاض المكابدة التي تجشمتها حتى بلغت شأناً عالياً في سجل الوطن والعالم أجمع.الطبيبة التي كاد يقعدها المرض الجيني الذي لازمها منذ ولادتها، واجهته بجسارة وقاومته بعون من عائلتها، ثم تجشمت تحدي العلم وتسلحت به لسبر أغوار المرض والإحاطة بتفاصيله، حتى أصبحت علماً ومرجعاً وفاعلاً في حقول الطب والبحث والمعرفة.
الدكتورة ملاك تعتقد أن الطريق على مستوى النجاح الشخصي شاق وطويل والحصول على شهادة أو جائزة أو براءة اختراع ما هو إلا البداية فقط، ويجب ألا نتوقف هنا نحن كخبراء وكذلك لمن يتابع من بعيد فالاستمرارية والتأثير هما سيد الموقف والانجاز. تردد الثقفي دائماً: «أنا متفائلة لأن لدينا الآن رؤية واضحة، وكل ما نحتاجه أن تعمل كل الجهات والمؤسسات المعنية والافراد بجد وأمانة للوصول للطريق الصحيح . بالنسبة لها منذ الأمس وحتى سنين قادمة ستظل المملكة معطاءة وولادة لكل شيء، وليست الرؤية فقط بل بإيمان وتأسيس وتأصيل هذه الروح في كل فرد عاش وولد وسيولد غدا على هذه الارض. ترى السعودية قبلة لكل مفخرة علمية وثقافية تعتمد على أسس قوية ومتينة تقودها إرادة حاكمة ومجتمعية وفكرية سليمة.
> بدأت مرحلة الابتعاث التي دشنها الملك عبدالله تؤتي ثمارها العلمية والاجتماعية، ما رأيك بها؟
- يعد برنامج الابتعاث من اهم المشاريع التنموية التي مر بها الإنسان السعودي على مدى الخمسين عاما الماضية أسسه وأطلقه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأكمل مسيرته الآن وفق توجه تنموي جديد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
لا شك ان المشروع نجح نجاحاً كبيراً وفتح الفرص للطموحين والطموحات في الوطن وانا كنت محظوظة أن التحقت به لإكمال دراستي بل وفِي أفضل جامعات العالم وفِي امريكا تحديدا.
وبعد مضي مدة على البرنامج الأهم كان لابد من بدء مرحلة تقنين الابتعاث فالتخصصات المطلوبة لسوق العمل وكذلك في اختيار جامعات ذات تصنيفات عالية، لأن هذا سابقاً برأيي تسبب في تكدس الخريجين من حاملين الدرجات العليا عند عودتهم للوطن وعدم وجود وظائف مناسبة لطموحاتهم.
وكان هذا واضحاً في عهد الملك سلمان حفظه الله حيث أصبح الابتعاث مقننا ومرتبطا مباشرة بسوق العمل والتخصصات المطلوبة لمستقبل المملكة ورؤية ٢٠٣٠ الطموحة، بل وكان لافتاً ايضاً ان أصبحت هناك برامج خاصة للمتميزين والملتحقين بالجامعات الأبرز لتشجيع أعداد اكثر للحذو بحذوهم.
> واجهت نظرة سلبية في الخارج بوصفك فتاة سعودية، هل ساعدت جهود تحسين الصورة النمطية في التخفيف من حدتها؟
- الصورة السلبية او ما يُعرف بـ stereotyping موجودة في الأوساط العلمية خاصة لمن يفد اليهم من بعض الخلفيات العرقية او الدينية.
وكفتاة سعودية بالطبع واجهت بعض الصعوبات والتي قررت الإشارة لها اخيراً بمقالين وجهتهما للغرب في احدى اهم المجلات العلمية Nature and the pathologist .
فالنمطية السلبية كانت تتمحور على مواضيع ركزت عليها الصحافة الغربية للأسف بالسنوات الأخيرة وتظهر فيها المرأة السعودية بصورة المقهورة والمنبوذة أو غير المتعلمة وقد حاولت ان أغير تلك النظرة أثناء وجودي هناك بالعمل الجاد والدؤوب والتعايش مع الكل حتى من كان يعاملني بطريقة غير جيدة ومع الوقت كسبت احترام الأغلبية وأصبح لدي صداقات وعمل مستمر لليوم مع عدد من الجامعات الأمريكية لأن العلم هو من يفرض نفسه بالآخر.
حاولت عندما عدت كتابة رسالة للغرب في اهم مجلاتهم العلمية عن المرأة السعودية، فالعلوم وما تقدمه به المملكة في هذا الجانب عموما، وأن عليهم ان يغيروا نمطيتهم السلبية وأن يتقبلوا المرأة السعودية المعاصرة والآتية بقوة لساحة العلوم والهندسة والطب.
الحمد لله المقالات حتى اليوم أخذت صدى كبيرا ووصلت إلي العديد من الرسائل المؤيدة من اساتذة بجامعات كبرى حول العالم تثني على الكثير من النقاط وتدعو للعمل على حلول لهذه النمطية السلبية بالعلوم نحو المرأة عموما.
وتشرفت أخيراً بتمثيل المملكة في مجلس الابحاث العالمي GRC وكنت ممثلة للمملكة بلجنة المرأة للعلوم والحمد لله أثبتنا للعالم وبالأرقام وجود المرأة السعودية في كافة مجالات العلوم ودعم حكومتنا السعودية المعنوي المادي على مر السنين.
> حققت المرأة السعودية تقدماً في المجالات العلمية والأكاديمية رغم صعوبة واقعها القانوني والاجتماعي، كيف حدث ذلك؟
- اعتقد أن هذه سمة فريدة من سمات منطقة الشرق الأوسط وكتبت عنها عدة صحف عالمية آخرها تقرير من مجلة scientific American، وهذا له عدة تفسيرات إحداها كان بسبب المحدودية في المجالات وأنواع التخصصات التي تحصل عليها الأنثى، والسبب الآخر ربما وجود بعض القيود الاجتماعية التي جعلت المرأة السعودية تتحدى ذاتها وتقتحم مجالات صعبة. ان شهادتي بالمرأة السعودية مجروحة لكنها فعلاً امرأة قوية.
> عشت في منطقة مكة المكرمة داخل مجتمع قبلي، ورغم هذا حققت طموحاتك وأحلامك، هل ساعدت ظروف عائلية متفتحة أم مجرد جسارة شخصية؟
- صحيح اصولي قبلية لكن نحن من الأسر التي عاشت بمكة المكرمة منذ عقود وامتهنت أصول مهنة طوافة الحجاج على مدى عشرات السنين، هذا ما جعلنا أسرة منفتحة ومتقبلة للآخرين، ولم يمنعني أهلي من اختيار تخصصي ولا التدخل في اختيارات اخوتي كذلك.
لكن فعليا صقلتني الظروف القاسية من حولي اكثر من أي شيء اخر، ما جعلني اليوم على ما أنا عليه، وبفضل دعاء الوالدين وطموحي الذي لا يتوقف عند حد.
> تشهد المملكة اليوم حزمة تحولات كبيرة، الجميع مستبشر، كيف ترين الطريق الناجح الى تحقيقها بأقل عقبات؟
- ردود الفعل في التعامل مع التغييرات صحافياً أو اجتماعياً تدل على الحماس والتقبل للتغير ودلالة على تعطش الناس لذلك.
السلبيون موجودون في كل مكان ويجب عدم الالتفات لهم والسير قدماً لأننا ملننا الانتظار، وبفضل الله فالمملكة تنعم بعدد كبير من الشابات والشباب الذين يتقبلون التغييرات بشكل مرن ومنفتح اكثر.
> حصلت المرأة السعودية على إن صح تسميته بالحقوق المؤجلة، لكن ماذا عن فرص المساواة العادلة في تطوير الذات مثل الرجل، لاسيما وأن هذه يتحكم بها وعي المجتمع وقوانين الواقع؟
- المرأة والرجل مختلفان فسيولوجيا لذلك فمبدأ المساواة المطلقة غير ممكن.
نعم هناك تغييرات كثيرة ومبشرة وأجد اننا نسير بالطريق الصحيح، والفضل بعد الله لمهندس ديناميكية المملكة الشاب الأمير محمد بن سلمان ولي عهدنا الأمين.
واثق أن مبدأه في التغيير السريع والمفاجئ للعلاج بالصدمة كما ذكر في احدى مقابلته مع صحيفة الواشنطن بوست مبدأ موفق جداً.
فمثلا كان طرح موضوع القيادة ودخول المرأة في مجالات جديدة بسوق العمل وغيره من صور التمكين والمساواة المنصفة للمرأة وكان واثقاً ومؤكداً أن المجتمع سيتقبل هذه التغيرات لأننا نحن من أنشأنا بناتنا ونثق بهن.
> كيف تجدين وضع التعليم لدينا، وهو واحد من أكثر الملفات سخونة وجدلاً، هل يسير في اتجاه صناعة الأجيال المستعدة لتحدي المرحلة؟
- التعليم والصحة هما شريان اي مجتمع، لا شك أن هناك تغييرات جادة لتطويرهما بما يرقى لطموحاتنا.
هذه التغييرات في هذا النوع من الملفات لا تمكن أن تحدث بين يوم وليلة، لكن انا متفائلة لأننا الآن لدينا رؤية واضحة، وكل ما نحتاجه أن تعمل كل الجهات والمؤسسات المعنية والافراد بجد وأمانة للوصول للطريق الصحيح.
> وكذلك الحال بالنسبة لملف الصحة، ووزيرها الذي يواجه أقسى نقد وبدون توقف، لا يزال المجال غارقا في عمليات «الإصلاح التجريبي» دون نهاية لورشة الأعمال المستمرة؟
- كما ذكرت الصحة كالتعليم من أصعب وأثقل الوزارات، فالصحة تمس المجتمع مباشرة وكما قال الوزير القصيبي رحمه الله فهي «مقبرة الوزراء».
يعمل الوزير الدكتور توفيق الربيعة بجهد ملموس للتطوير وإصلاح الوزارة ولابد وأن يأخذ وفريقه الوقت والفرصة.
فقد مرّ على هذه الوزارة العديد من الوزراء في اقل من ٥ سنوات، ما يجعل المهمة اصعب على من يأتي بعده.
لابد من الإشارة هنا الى ان هناك تقدما جيدا وملحوظا في ملف صحة المجتمع والطب الوقائي والتحول الصحي وغيرها من البرامج المهمة والتي ستؤتي ثمارها بإذن الله قريباً.
> هذا يذكرنا بأمراض البيروقراطية المزمنة في مؤسساتنا، تبدو هذه المرحلة تساعد في حل الكثير من جاثوم البطء الإداري، لكن لا يمكن القطع بنهايتها؟
- إن التحول للحكومة الالكترونية في كافة المجالات يقضي على هذه البيروقراطية بشكل كبير، ولنا في وزارة الداخلية أكبر مثال على السرعة والدقة.
ونحظى أخيراً في وزارة الصحة بوجود وزير ذي خلفية في مجال الحاسب الآلي وعلم المعلومات، وفعلا فقد بدأنا نحن كمنسوبين للوزارة نتلمس التحول الالكتروني لها في الكثير من التطبيقات ذات الجدوى.
> تنتقدين أحياناً تناول الصحافة لبعض الأطروحات الطبية المغلوطة، وسائل التواصل تبث أضعاف هذا من الشائعات والمعلومات المزيفة حتى في المجالات الخطرة مثل الصحة، كيف نواجه هذا الاستسهال العلمي؟
- نعاني لليوم غيابا ملحوظا في الصحافة العلمية ومفهومها العلمي الحقيقي في صحفنا مع الاسف.
ومن خبرتي أَجِد من الخطأ أن نتعامل بتهاون مع أي خبر له علاقة مباشرة بصحة الناس كسبق صحافي دون التحقق من صحته وتعليق وسؤال الخبراء اولاً قبل النشر.
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين وزارتي الصحة والإعلام في ما يخص التثقيف الصحي والأخبار ذات العلاقة، ومهم تكثيف دورات لخلق صحافيين متخصصين بالصحافة العلمية لقراءة المعلومات والدراسات.
والمشكلة الأعظم اجدها تتكرر في سلامة النقل الصحافي لبعض الحالات الصحية وعدم التفريق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات، ونواجه للأسف غياب احد الأطراف في الخبر او التحقيق، ناهيك عن عدم استشارة طرف ثالث محايد متخصص قبل إلقاء التهم في العديد من الموضوعات التي تحقق سبقاً صحافيا وضجة خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات.
> هل تلمسين بعض التهويل الإعلامي في بعض منجزات السعوديين في الخارج، لاسيما في مجالات الطب والاختراعات وما إلى ذلك؟
- واجب وطني ومجتمعي أن نفخر بالإنجازات لأبناء وبنات الوطن لكن التهويل أحياناً يقتل مسيرة هؤلاء المستقبلية. فالبعض أصبح يتفرغ للمقابلات والصحافة ويجيش شركات العلاقات العامة والتسويق وينسى عمله الأساسي بالمعمل والعلوم.
وكليشة «أول سعودي» و«أول سعودية» شيء جميل لكن أصبحنا اليوم في مرحلة ما بعد الانبهار والاول. فلدينا ثان وثالث ومئة في اغلب التخصصات.
فلم يعد الأول هو الأهم بقدر ماذا أكمل وماذا قدم وكيف أثر والأهم الى متى استمر. الطريق شاق وطويل والحصول على شهادة أو جائزة أو براءة اختراع ما هو إلا البداية فقط ويجب ألا نتوقف هنا نحن كخبراء وكذلك لمن يتابع من بعيد فالاستمرارية والتأثير هما سيد الموقف والانجاز.
> الأحلام التي تنطوي على رؤية المملكة ٢٠٣٠ ترى هل يمكن أن تصبح السعودية يوماً ما وجهة للطب وقبلة عالمية في هذا المجال؟
- منذ الامس وحتى سنين قادمة ستظل المملكة معطاءة وولادة لكل شيء، وليست الرؤية فقط بل بإيمان وتأسيس وتأصيل هذه الروح في كل فرد عاش وولد وسيولد غدا على هذه الارض.
نعم ارى وطني قبلة لكل مفخرة علمية وثقافية تعتمد على أسس قوية ومتينة تقودها إرادة حاكمة ومجتمعية وفكرية سليمة.
الملك عبدالله رحمه الله
جزاك الله الف خير عن كل طالب علم اعطيته الفرصة لإكمال حلمه وزرعت ثمرة التغييير والتحول ومنح الفرصة واستثمارها.
د. نادية السقطي
لا توجد كلمات توفي عطاءك على مدى العقود الأربعة الماضية لأطفال الامراض الوراثية في المملكة ودوّل العالم العربي.
مكة المكرمة
في القلب دائما ما إن أصل إليها حتى أشعر براحة ما بعدها تظل مكة خير مكان على الأرض نجد ونكتشف فيه أنفسنا.
وزير الصحة
تسرّب الاطباء من اصحاب التخصصـــات النادرة ظاهرة يجب الالتفات لأسبابها ولابد من حلول سريعة للمحافظة عليهم.
الامير الدكتور تركي آل سعود - رئيس كاكست
شكرًا لإيمانك بقدرات المرأة السعودية في مجال العلوم والتقنية وتمكينها ومنحك كل الدعم لها في مشوارها.
أطباء المستقبل
أنصح دائما بدراسة التخصصات الاكلينيكية التي لها علاقة بالوراثة والحصول على البورد فيها.
ملامح
- الدكتورة والباحثة والعالمة ملاك عابد الثقفي، هي طبيبة شهيرة من مكة المكرمة.
وصلت إلى مكانة علمية كبيرة رغم ميلادها بمرض جيني نادر، والذي يحدث لأربعة أطفال فقط من كل 10 آلاف طفل في الوطن العربي يسمى بـ «فرط التنسج الكظري».
- طبيبة استشارية تخصص دقيق وعالمة أبحاث لديها ٤ بوردات أمريكية إضافة إلى زمالة ما بعد الدكتوراه من جامعة هارفارد وماجستير الإدارة الطبية من جونز هوبكنز.
- تعمل بين الطب والأبحاث والتدريس الإكلينيكي في المملكة والولايات المتحدة.
- لها أكثر من ٨٠ دراسة منشورة في مجلات علمية ومؤتمرات عالمية٬ وحاصلة على العديد من الجوائز المحلية والعالمية في مجال الطب والأبحاث الجينية مثل جائزة مكة للتميز وجوائز AANP لثلاثة أعوام متتالية من (الجمعية الأمريكية لعلوم الأمراض العصبية) وخطاب تقدير من كلية الطب بجامعة هارفارد للتدريس لأربعة أعوام متتالية.
- ترأس قسم أبحاث الجينوم بمدينة الملك فهد الطبية وعضو هيئة تدريس في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وكلية الطب بجامعة هارفارد العريقة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق