مواطن سعودي مفقود.. و«رواية اغتيال» منسوجة بـ«أيادٍ» اعتادت على «الحملات الممنهجة»
يختفى مواطن سعودي في الأراضي التركية، ولأنه إعلامي مشهور تطير التساؤلات في كل الاتجاهات، ولا يبدو أي أمر واضحاً سوى تصريحات المسؤولين السعوديين الجلية والتي بلغت حد الاستعداد للسماح للسلطات التركية بالبحث في المبنى الخاص للقنصلية السعودية في وقت كان السعوديون الأكثر حرصاً من غيرهم عن البحث عن شجرة الحقيقة.
الخبر بدأ من لدن الخطيبة التركية المفترضة لجمال خاشقجي السيدة خديجة أرزو، وهي شقيقة أحد المستشارين المقربين من الرئيس أردوغان، والتي زعمت أنه دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول بغرض تنفيذ بعض الإجراءات الرسمية، لكنه لم يخرج منها.سريعاً نفت القنصلية السعودية في إسطنبول هذا الزعم، وأكدت أن خاشقجي خرج منها بعد استكمال الإجراءات التي نوى القيام بها، ولا وجود له في مبنى القنصلية على الإطلاق، وأنها تشترك مع الجميع في القلق على مصيره، وتعمل على القيام بواجبها تجاه مواطن سعودي مفقود. لكن سيل الأخبار غير المنضبطة لم يتوقف، ولا سيما من أجهزة وشخصيات إعلامية مرتبطة بدولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين، إذ حاولوا جاهدين منذ الثلثاء الفائت تصعيد الخبر غير المؤكد ومحاولة استثماره وتوظيفه في سياق مواجهتهم التي يدور رحاها منذ أكثر من عام مع رباعي مقاطعة نظام الدوحة.
وخلال لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع بلومبيرغ، وضع النقاط على الحروف حول ما يشغل بال المواطن السعودي والمتابع الخارجي، تحدث عن قضية المواطن والصحافي السعودي خاشقجي، وأن أجهزة الدولة تتعامل مع الموضوع باهتمام، وبالتعاون مع السلطات في تركيا، وأن لدى القنصلية الاستعداد لاستضافة كل من يرغب في زيارتها والتيقن من عدم وجوده داخل مبنى القنصلية في إسطنبول.
وبالفعل زارت وكالة «رويترز» المبنى والتقت بالقنصل السعودي محمد العتيبي، الذي عزز من رواية السعودية، وأن فريقاً من خبراء التحقيق السعودي سيصل الأراضي التركية لتفحّص قضية اختفاء المواطن عن قرب، وبدا وكأن القضية تأخذ حجمها الطبيعي وتسير في سياق قانوني بيّن.
لكن تسريباً من النوع المريب دفع بالقضية إلى منحى جديد، أشار إلى أن الاستنتاجات التركية الأمنية تشير إلى مقتل جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية ونقله إلى خارجها لاحقاً، وأن تركيا تعلن تدريجياً عما لديها، وأن هذا الموضوع يحظى باهتمام الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل شخصي.
حملت صيغة التسريب لـ«رويترز» بشأن احتمال مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية نوعاً من الغرابة بالنظر لحساسية الأمر، إذ كان يتوقع أن تعلن هذه النتائج حتى لو كانت مبدئية في بيان أو مؤتمر صحافي رسمي تركي يكشف أدلة وقرائن قادت لهذا التقييم.
لتبدأ حملة موسعة تبنّت هذا الاستنتاج على رغم هشاشته، وبدأت في سوق تفاصيل أكثر حساسية لم تراع أي مبدأ مهني أو إنساني تتطلبه الحالة، مما زاد من فرضية التوظيف المتعمد والمقصود والذي يخفي خلفه قصة مريبة. وبدأ ضخ المعلومات من مصادر غير واضحة تأخذ صفات أمنية وسياسية، الى درجة عدم القدرة على التفريق بين الصدق والأكذوبة، وهو ما كان يتطلب تمهلا من صحافيين محترفين بدلاً من السير في فلك الأجندات المتعددة المرتبطة بالحادثة أو المستفيدة منها أو المستغلة لها.
وفي كل المرات القليلة التي تحدثت فيها المصادر الرسمية السعودية، كانت قاطعة ومتمهلة وشاجبة لتقرير رويترز الذي نقل عن مصادر تركية قولها إنها تعتقد أن الصحافي السعودي جمال خاشقجي قُتل داخل القنصلية، ووصفتها بالاتهامات العارية من الصحة. لكن شيئاً من تلك الحسابات المتصلة بالنظام القطري ذات المسحة الإخوانية لم تتوان عن بث التفاصيل غير العادية حول قصة مقتله المفترضة وأخبار أكثر عن العثور على الجثة أو التعذيب والتنكيل والتصوير أثناء ذلك، وسواها من التلفيقات التي فتحت لها القنوات القطرية صدرها وساعات بثها بلا توقف لشحن القصة بالأكاذيب الموجهة والرسائل المغرضة. وفي الوقت الذي قال فيه السياسي التركي باسين أقطاي إن خاشقجي قُتل في القنصلية السعودية صرح الرئيس التركي رجب أردوغان أنه لا يزال ينتظر نتائج التحقيق، وقال لصحافيين: «أتابع الموضوع شخصياً، ولا يزال لدينا توقعات إيجابية... ومهما كانت نتائج (التحقيق)، سنعلنها أمام العالم»، وأضاف أردوغان: «لا أزال أنتظر بأمل... أرجو الله ألا نواجه ما لا نرغب بحدوثه».
الأمر الذي اتضح معه أن تركيا الرسمية بخلاف الأجواء الإعلامية ذات النفس القطري تتعامل مع قضية جمال خاشقجي كعملية اختفاء وليس اغتيال.
وخفض تصريح الرئيس التركي رجب أردوغان حول اختفاء جمال خاشقجي من حفلة التغريدات غير المحسوبة، ما دفع الحسابات «المحسوبة» للمعاجلة بحذف التغريدات السابقة وتغيير خط صياغتها بما لا يتعارض مع ما أدلى به أردوغان.
من جهتها، أبدت عائلة جمال خاشقجي في تصريحات صحافية لها استيائها من محاولات استغلال حادثة اختفائه، مؤكدة رفضها ذلك.
وأوضح المستشار القانوني، معتصم خاشقجي، لـ«العربية.نت» أن العائلة تجري تنسيقاً مع الحكومة السعودية، في ما يخص حادثة الاختفاء، وقال: «نحن نثق بالحكومة والإجراءات التي تتخذها، وكل الجهود التي يتم اتخاذها في قضية جمال خاشقجي يتم التنسيق فيها مع الدولة والسفارة في أنقرة».
وأضاف: «بعض الدول لديها أجندة خبيثة، حاولت تمريرها من خلال استغلال موضوع المواطن السعودي جمال خاشقجي، ونحن نعرف أهداف الذباب الإلكتروني والأبواق المسعورة التي تهاجم الوطن لأهداف سيئة، ونقول لهؤلاء اصمتوا خاب مسعاكم وخابت نواياكم»، وأضاف: «هناك جهات وأشخاص تسيِّس هذا الموضوع وتستخدم اسم العائلة والأخ جمال لتمرير أجندتهم المريضة، وهذا الكلام لا يمشي علينا، ولم نكن أو سنكون أداة في يد أحد، ونحن ولاؤنا لحكامنا ودولتنا، والسعوديون جميعاً ولاؤهم لوطنهم».
ونفى معتصم خاشقجي معرفة العائلة بـ«خديجة» التي تدعي أنها خطيبته، وقال: «ليست معروفة للعائلة، وليست خطيبته من الأساس، ولا نعرفها ولا نعرف من أين جاءت ولا تمت للعائلة بصلة، وقد تكون أحاديثها وحضورها لتمرير أجندة خاصة بها».
وكشف معتصم خاشقجي أن «عائلة جمال» قامت باتخاذ إجراءات قانونية بالتنسيق مع الدولة، مشيراً إلى أن الإجراءات تسير في إطار قانوني، محذراً من الاستماع إلى الأبواق والقصص العارية عن الصحة.
واختتم حديثه قائلاً: «نحن أبناء هذا البلد والاهتمام الذي وجدناه كان بمثابة البلسم لنا».
وعزز صلاح جمال خاشقجي الابن الأكبر للصحافي المفقود التأكيد على عدم معرفة العائلة بـ«خديجة» التي تدعي أنها خطيبة جمال خاشقجي، قائلاً: «لا أعرف هذه السيدة ولم أسمع بها من قبل سوى من خلال وسائل الإعلام». ودعا نجل خاشقجي السيدة التركية خديجة بالكف عن تناول قضية والده، قائلاً: «نحن أسرته ونحن أولى بالسؤال والاستفسار عن ملابسات اختفائه وبالبحث عنه».
واستنكر صلاح خاشقجي محاولات جهات خارجية تسييس قضية اختفاء والده، الأمر الذي اعتبره مرفوضاً جملة وتفصيلاً، مشدداً على تعاون العائلة مع الجهات السعودية الرسمية للكشف عن ملابسات الأمر، وأضاف: «الموضوع بجملته هو قضية شخصية وبعيد كل البعد عن الإطار السياسي»، معرباً عن حاجة أسرته «لمعلومات ذات مصداقية».
وعن آخر اتصال له مع والده قال الابن صلاح: «آخر اتصال لي معه كان أثناء وجوده في واشنطن، ولم تكن لدي فكرة عن وجوده في تركيا ورحلته الأخيرة هذه». وشدد صلاح خاشقجي على أن أفراد أسرته كافة تدعم التحقيقات الرسمية السعودية، وهو فقط الذي «سيوصلنا إلى نتائج إيجابية وكشف الحقيقة».
المملكة تحملت مسؤولياتها لجلاء الحقيقة متجاهلة الأبواق المغرضة
فور إعلان خبر اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي، بدأت الأجهزة الحكومية العمل على متابعة القضية من أعلى مستوى أمام كمية الضخ الإعلامي غير المسبوق الذي زاد من ضبابية المشهد.
رسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وفي حديثه مع «بلومبيرغ» بُعيد احتفاء المواطن، الخطوط العريضة للتعامل الحكومي مع الحادثة، وقال: «نسمع عن إشاعات حول ما حدث. هو مواطن سعودي ونحن حريصون جداً على معرفة ما حدث له. وسنستمر في محادثتنا مع الحكومة التركية لمعرفة ما حدث لجمال هناك».وأضاف ولي العهد أن الحكومة تحقق في هذا الأمر من خلال وزارة الخارجية لمعرفة ما حدث بالضبط في ذلك الوقت، وأكّد أنه مهتم بالإجابة عن سؤال «أين جمال؟» قبل أي إجراء أو تبعات محتملة.
واستمرت الأجهزة الحكومية في متابعة تنفيذ الإجراءات حول هذا الخصوص، ورسم خطة تعاون مشتركة مع الجانب التركي لتبين الحقائق، وتعمل في الوقت نفسه على مواجهة كل الأخبار المضللة والتسريبات الملفقة التي استعجلت نتائج البحث والتحقيق وعمدت إلي توظيف الحادثة لتوجيه سهامها ضد المملكة، ولا سيما من الوسائل الغارقة في ممارسة قلب الحقائق وتضليل الرأي العام ومحاولة طمس الحقائق والتلاعب بمسلماتها ومقتضياتها.
ودعمت السعودية كل الخطوات التي من شأنها جلاء الحقيقة وتحملت مسؤوليتها الطبيعية للتعامل مع القضية، وتجاوبت الرئاسة التركية مع طلب المملكة بتشكيل فريق عمل مشترك يجمع المختصين في البلدين للكشف عن ملابسات الاختفاء في إسطنبول.
وأرسلت فريقاً أمنياً إلى تركيا للتحقيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية هناك، وأعقب ذلك تشكيل فريق أمني مشترك بين البلدين، والسماح للسلطات الأمنية التركية بدخول قنصلية المملكة ومسكن للقنصل، حرصاً من المملكة على معرفة الحقائق كافة.
ودأبت في الوقت عينه على وقف الحملات التحريضية التي تستهدف المملكة على خلفية هذه الحادثة، إذ شجب وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من اتهامات زائفة وتهجم على المملكة حكومة وشعباً، ونوه بالتعاون مع السلطات في تركيا من خلال لجنة التحقيق المشتركة وغيرها من القنوات الرسمية.
وأجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اتصالاً هاتفياً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعرب فيه عن شكره له على ترحيبه بمقترح المملكة بتشكيل فريق عمل مشترك لبحث موضوع الاختفاء.
وأكد حرص المملكة على علاقاتها بتركيا بقدر حرص تركيا على ذلك، وأنه «لن ينال أحد من صلابة هذه العلاقة».
وتلقى خادم الحرمين اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واستقبل خادم الحرمين وولي عهده وزير الخارجية الأميركي لإعطاء صفة دولية موثوقة على طبيعة وجديّة التعاون السعودي – التركي في التحقيق في القضية، وحرص قيادة المملكة على استجلاء الحقائق كافة المتعلقة بها.
وفي 16 أكتوبر، وخلال ترؤس خادم الحرمين جلسة مجلس الوزراء، رحب المجلس بما أعلنته الرئاسة التركية عن تجاوبها مع طلب المملكة بتشكيل فريق عمل مشترك يجمع المختصين في البلدين للكشف عن ملابسات الاختفاء.
وأمر الملك سلمان بن عبدالعزيز بإجراء تحقيقات داخلية حول ملابسات القضية، ووجه المدعي العام السعودي بفتح تحقيق داخلي في القضية، بعد معلومات تلقاها من تركيا، إضافة الى التحقيق المشترك الذي يجريه البلدان حالياً في القضية.
واستغرق الأمر خمسة أيام فقط من توجيه الملك حتى ظهور نتائج التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة، بأن المناقشات التي تمت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء وجوده في القنصلية أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي، ما أدى إلى وفاة خاشقجي.
وأعربت المملكة عن بالغ أسفها لما آلت إليه الأمور من تطورات مؤلمة، مؤكدة على التزام السلطات في المملكة إبراز الحقائق للرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة بإحالتهم إلى المحاكم المختصة في المملكة.
المملكة تدمغ بالحقائق عبث «التسييس» و«المتاجرة» بقضية خاشقجي
وجهت المملكة أمس (الخميس)، ضربة قوية للمتاجرين في حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ووضعت حداً لمسلسل الاستغلال غير الأخلاقي الذي أبدته دوائر إعلامية وسياسية مختلفة.
فإعلان النيابة العامة السعودية عن التوصل إلى نتائج في التحقيقات التي أجرتها مع الموقوفين في هذه القضية، البالغ عددهم 21 شخصاً، وضع النقاط على الحروف، ورفعت بنتائجها إلى المحكمة المختصة للتعامل مع من ثبتت صلتهم في القضية، فيما تواصل التحقيق مع بقية الموقوفين لاستكمال رسم الإطار الكامل للحادثة، طالبة من السلطات التركية إبداء المزيد من التعاون.وأطلّ لاحقاً وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، الذي تمهّل طويلاً في الرد، قبل أن تستوضح الجهات المختصة في المملكة الحقائق الكاملة حول القضية ويلمّ بتفاصيلها، ليعلن عن الشق السياسي من الحادثة التي شكلت خلال ما يزيد عن شهر كرة ثلج من التفاعلات والتبعات التي أريد من خلالها الإسقاط على مشروع السعودية الجديدة، ووقف انطلاقتها الجادة نحو المستقبل.
وقال الجبير: «اتخذنا الخطوات للتعاطي مع قضية خاشقجي، كما قد تفعل أي دولة أخرى»، مؤكداً أن المملكة تتعرض لـ«هجمة شرسة غير منطقية، ولا أساس لها يقودها الإعلام القطري الذي شن ومايزال حملة منظمة ضد السعودية، باستغلال قضية خاشقجي»، وأضاف أن هناك فرقاً بين فرض عقوبات على المتهمين وبين تحميل السعودية المسؤولية.
وشدد وزير الخارجية على أن السعودية «مستمرة في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وخلق فرص العمل، وأن قضية خاشقجي لن تغير سياسات المملكة في مواجهة الإرهاب أو إيران».
تسلسل الأحداث
بدأ الأمر باختفاء خاشقجي بعد دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، ونظراً لفشل الفريق المكلف بالتعامل معه، وخشية من التبعات المحتملة للنتائج غير المحمودة التي آلت إليها العملية، قرر قائد المهمة وبالاتفاق مع مجموعة التفاوض ورئيسهم عملية القتل، وتقديم تقرير كاذب لنائب رئيس الاستخبارات العامة السابق، يتضمن الإفادة بخروج المواطن المجني عليه من مقر القنصلية بعد فشل عملية التفاوض معه أو إعادته بالقوة إلى المملكة.
وهو ما انعكس على التصريحات الرسمية السعودية في بادئ الأمر، في مقابل ما تملكه مصادر الإعلام المعادي للسعودية من إثباتات حصلوا عليها بطريقة غير شرعية على الأرجح، وظفت تلك الإثباتات في غير مصلحة القضية، عبر سلسلة من التسريبات الممنهجة في محاولة لاستثمارها أقصى قدر ممكن من مناخ التشويه والإساءة إلى المملكة.
وعندما أسقط في يد الفريق المكلف بالمهمة، تعاطت السلطات السعودية بمنطق الدولة، وأعادت النظر في حقيقة ما جرى عبر توجيه الأجهزة المعنية نظاماً، ورحبت الرياض بما أعلنته الرئاسة التركية عن «تجاوبها مع طلب» السعودية بـ«تشكيل فريق عمل مشترك يجمع المختصين في البلدين» للكشف عن ملابسات اختفاء الكاتب والإعلامي السعودي.
وصدر مرسوم ملكي يوجه المدعي العام بإجراء تحقيق داخلي في قضية خاشقجي، بناء على معلومات استخباراتية مشتركة مع السعودية من تركيا، أعقبه وصول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المملكة، والذي أبدى دعمه وثقته بجهود الرياض في شأن هذه الحادثة.
كشف الحقيقة
لم تتوان المملكة عن كشف الحقيقة الراجحة بمجرد الحصول عليها، إذ أعلنت السلطات عن حقيقة موت الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بحسب ما أظهرت التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة في الموضوع.
ورحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإعلان السعودية عن نتائج تحقيقاتها بقضية «موت» الإعلامي السعودي، معتبراً الإعلان «خطوة أولى جيدة»، ولفت إلى أنه يصدق التفسير السعودي في شأن مصير خاشقجي وملابسات موته.
وامتدح الرئيس الأميركي سرعة إجراء التحقيقات من جانب السعودية، واعتبر هذه الخطوة «نقطة تحول»، واصفاً إياها بـ«الخطوة الذكية» بسبب سرعة اتخاذها.
من جهته، شدد وزير العدل السعودي الدكتور وليد الصمعاني على أن «موت» الإعلامي خاشقجي، جاء على أرض تخضع للسيادة السعودية، ورأى بناء على ذلك أن «القضاء السعودي هو من يجب أن يتعامل مع هذه القضية». وبالتالي؛ فإن «القضية ستأخذ مجراها النظامي المتبع في المملكة، وستصل إلى القضاء بعد اكتمال المتطلبات».
بدوره، قال رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري الدكتور خالد اليوسف، إنه «ننعم في بلادنا منذ نشأتها بقضاء عادل ونزيه»، محذراً من «استمراء ما يروّج من بعض وسائل الإعلام المعادية من تزييف الوقائع وتحويل الحقائق، في خللٍ واضح في المصداقية، تكشّف من خلال هذه الأحداث الراهنة، بإظهار ما تكنّه بعضها من عداءٍ ممنهج للمملكة ومواطنيها» بحسب قوله.
إجراءات تلت الجريمة
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمر باتخاذ إجراءات عدة، من ضمنها إعفاء عدد من المسؤولين البارزين في جهاز الاستخبارات السعودي، وعلى رأسهم نائب الرئيس أحمد عسيري، إضافة إلى إعفاء المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، وتشكيل لجنة وزراية برئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، تتولى مهمة إعادة هيكلة رئاسة جهاز الاستخبارات السعودي.
وعزى الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان، أسرة الإعلامي خاشقجي، في اتصالين أجرياه مع ابنه صلاح، الذي عبر عن شكره لهما، والتقياه في وقت لاحق.
وأمام محاولات التوظيف السياسي المغرض، أعربت المملكة عن تقديرها للدول التي «لم تقفز إلى الاستنتاجات مباشرة خلال إجراء التحقيق في القضية».
وأعرب عدد من الدول الصديقة والحليفة والمنظمات العربية والإسلامية عن ثقتها في المؤسسات السعودية التي تولت الموضوع، وبادلتها بالتقدير لـ«أصوات العقلاء حول العالم الذين غلبوا الحكمة والتروي والبحث عن الحقيقة، بدلاً من التعجل والسعي لاستغلال الإشاعات والاتهامات».
استهداف ولي العهد
واستهدفت الهجمة الشرسة بطريقة غير مبررة، شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى إلى إجراء إصلاحات واسعة وتحديث لاقتصاد المملكة المعتمد على النفط، وما يمثله الأمير من حال سعودية جديدة تعمل على قوة البلاد وتنميها، وتقاوم كل الجهود المضنية التي تبذل منذ عقود لتثبيط دور سعودي حقيقي وفاعل في المنطقة.
وكانت منصة «مستقبل الاستثمار» أو ما يعرف بـ«دافوس الصحراء» عرضة للهجوم، بوصفه واحدة من المفاصل الرئيسة في رسم ملامح السعودية الجديدة والفاعلة. لكن فاعليات المؤتمر الذي تنظمه المملكة انطلقت في موعدها المحدد، لتخيب كل الآمال المعلقة على وقفه أو إعاقته، وسط أجواء من التفاؤل العازم على العمل والانطلاق في آفاق المستقبل المأمول، بحضور عدد من كبار قادة الأعمال من جميع أنحاء العالم.
وفي أول حديث علني له منذ إقرار السعودية بموت الصحافي جمال داخل قنصلية إسطنبول، قال ولي العهد إن «حادث خاشقجي مؤلم جداً وبشع للسعوديين وللعالم»، معتبراً أن «البعض يحاول استغلال القضية لإحداث شرخ بين السعودية وتركيا».
وشدد ولي العهد في ختام كلماته التي نُقلت على الهواء مباشرة، على قوله إن «العدالة ستظهر»، لافتاً إلى عمل بلاده مع تركيا لـ«استجلاء الحقيقة واستكمال التحقيقات».
في الوقت نفسه، أشاد الأمير محمد بن سلمان بالشعب السعودي، مؤكداً أن «همة السعوديين مثل جبل طويق ولن تنكسر»، وشدد بعدها بقوله: «مستمرون في بناء بلادنا ولن يوقفنا أحد».
دعا مغردون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «تويتر»، إلى مقاطعة السياحة في تركيا، إضافة إلى المنتجات وشركات التجزئة التركية، في رد على ما اعتبروه «استغلال غير أخلاقي» لحادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، من جانب السلطات التركية.
وأشار مغردون، بعضهم من كتاب الرأي في السعودية، إلى أن السلطات في أنقرة تصرفت خلال القضية بكثير من التحامل على السعودية وقيادتها، ما استوجب رد فعل شعبي على الأقل.وعلى رغم الدعوات المتكررة للرياض بالحفاظ على العلاقات السعودية – التركية والنأي بها عن أي محاولة للإيقاع بها جراء هذه الأزمة، إلا أن آراءً بدأت تتصاعد على المستوى الدولي والإقليمي ضد محاولة تركية استغلال الحادثة لنيل مكاسب على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وكثيراً ما يتهم سياسيون أوروبيون تركيا وقطر بالسعي للإضرار في المملكة عبر استغلال قضية خاشقجي، وأن حملة الدعاية الكبيرة التي تروجها العاصمتين يقصد منها الإضرار في سمعة السعودية وصورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي قلص الكثير من نفوذهما منذ صعوده في عالم السياسة. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً لمقربين، إنه «من السخف إحداث ضجة كبرى بسبب اغتيال شخص واحد».
الأمر نفسه ورد في تصريح الرئيس الروسي بوتين بقوله: «لا مجال للتشكيك في قدرة السعودية على التحقيق في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ومحاولات تسييس هذه القضية أمر غير مقبول».
وأظهرت تركيا أداءً إعلامياً «مريباً» تمثل في كمية التسريبات الموجهة والممنهجة بقصد الضغط على الرياض، وتكفلت مؤسسات وجهات إعلامية ضالعة في العداء للسعودية بنشر تلك التسريبات ومحاولة استثمارها في غير مصلحة العدالة، فضلاً عن تعاون منقوص مع فريق التحقيق السعودي، وتجاهل الكثير من طلباته للمساعدة في تشكيل صورة عن كاملة ومفعمة بالتفاصيل والبراهين عن الجريمة.
هذا الأمر دفع مغردون سعوديون لإطلاق وسوم (هاشتاغات) منها: «مقاطعه_السياحة_التركية»، دعوا فيه إلى مقاطعة السياحة وشركات الإنتاج التركية على خلفية تداعيات قضية مقتل خاشقجي، وتنوعت تغريدات المغردين عبر الهاشتاغات التي تصدرت قائمة «الترند» في عدد من الدول العربية، مسجلة أكثر من 90 ألف تغريدة بعد ساعات فقط من تدشينها.
قطر تعد «مظاهرات مزيفة» ضد ولي العهد في الأرجنتين
سرت إشاعات وتقارير إعلامية متعددة منذ أمس عن نوايا قطرية لاستئجار مجاميع بشرية للتظاهر في الأرجنتين ضد المملكة مع رفع صور خاشقجي وأخرى عن حرب اليمن.
المظاهرات الملفقة التي ذكر أيضاً أن تركيا تدعمها، تأتي بالتزامن مع مشاركة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن إطار جولة خارجية له في قمة مجموعة العشرين، التي ستُنظم في الأرجنتين خلال الفترة من 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري والأول من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.وفي إطار الحملات الباهتة التي تنظم ضد السعودية منذ إعلان مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وعلى رغم الإجراءات الرسمية السعودية التي انتصرت للعدالة ولقيت إشادة دولية وإقليمية، لا تزال أطراف في أنقرة والدوحة تمارس اعتساف الحقائق وإلصاق التهم في الجريمة التي أصبحت ملامحها الآن مكتملة بفضل الإجراءات التي قامت بها النيابة العامة السعودية وأعلنتها للملأ في حينها. ودأبت سياسة العداء القطرية على ترويج دعاية كيدية ضد السعودية وبقية عواصم الإجماع العربي، مستغلة في ذلك كل المناسبات الدولية لإظهار أن سياسات تلك البلدان لا تلقى إجماعاً عربياً كافياً، وذلك عبر توجيه وتوظيف عدد من المرتزقة والمأجورين وتصويرهم عبر الإعلام بوصفهم معارضة.
حدث ذلك أثناء زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى لندن أثناء استقبال رئيسة الوزراء البريطانية في مقر الحكومة، إذ بذلت الدوحة جهداً كبيراً للعب دور تخريبي للزيارة وتصويرها بغير الناجحة.
واستمرت المحاولات القطرية في عملية التشويه قبل الزيارة بأسابيع، عبر ضخ كمية غير عادية من التقارير والتحليلات المصطنعة على عادة القنوات الممولة قطرياً، عن تأجيل الزيارة، وعرائض نيابية لا وجود لها تطالب بعدم استقبال الأمير، وتشغيل بعض المتظاهرين بأجور تحسب بالساعة لكل وقفة، وباءت تلك المحاولات بالفشل الذريع.
الأمر ذاته سيتكرر، بحسب ما نقلته التسريبات المتواطئة، بإرسال موجة مم المتظاهرين المزيفين إلى الأرجنتين، لينظموا مظاهرات أمام مقر انعقاد اجتماع قادة مجموعة الـ20، ليرفعوا صور خاشقجي ويهتفوا ضد الأمير محمد بن سلمان.
الروابط :
تعليقات
إرسال تعليق