التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رسائل هيلاري.. أشواط التمكين الخاسرة

المنطقة لم تسلم تماما من ثقوب تملأ جدار التاريخ لكنها حافظت على الحد الأدنى من مكتسبات الاستقرار وإقصاء مشاريع الاختراق الإقليمي التي أطلقتها كل من أنقرة وطهران.
الجمعة 2020/10/16

انفتحت واحدة من الصناديق السوداء التي تحتفظ بجانب من سيرة المنطقة إبّان حقبة صعبة وشديدة الخطورة، رسائل البريد الإلكتروني للمرشحة الجمهورية السابقة ووزيرة خارجية العهد الأميركي السابق هيلاري كلينتون، وهي وإن كانت انكشفت كجزء من الأجواء الانتخابية المحمومة في الولايات المتحدة، لكنها شكلت فرصة للاطلاع على سردية مهمة لدى واحدة من المطابخ المهمة والمشاركة في ترتيب ظروف المنطقة وتخصيب فضائها العام.

كشفت الرسائل عن حجم المخاطر التي كانت محدقة، عن خيوط اللعبة الدولية والإقليمية، النقطة العمياء من حكاية حافة الفوضى التي وقعت الدول العربية في حبائلها لعقد كامل، عن العواصم الخليجية وتبرّمها من سلوك واشنطن، ومقاومتها لمحاولات زراعة الكيانات الدخيلة، عن طرد أشباح الظلام، وعن الأشواط الأخيرة في الوقت المتبقي من ساعة الانهيار الكبير. 

وكشفت المداولات التي وثقتها الرسائل المسربة، أن ثورات الربيع العربي، وإن كان بعضها اتسم بطابع عفوي، وانفجر نتيجة ظروف يائسة صنعها الإحباط العام الذي كان يلف واقع بعض البلدان العربية، إلا أن محاولات توجيهها واستثمارها وركوب موجتها كانت تتم بترتيب مع الخارجية الأميركية.

الكثير من الأسماء، والتي تنتمي على الأغلب لتنظيم الإخوان، كانت على اتصال مباشر وعبر خط ساخن وتعاون يتجاوز المطابقة. حدث ذلك في أحداث اليمن ومصر والبحرين.

هناك الكثير من الأخبار والأسرار التي حفلت بها الإيميلات المسربة من بريد كلينتون، مثال ذلك أن قطر أعلنت استعدادها لتمويل قناة إخوانية بمبلغ 100 مليون دولار، وبإشراف نائب المرشد خيرت الشاطر، كما تحدثت عن دعم الدوحة لجماعات متطرفة في ليبيا.

وكشفت عن القصة التي باتت معروفة الآن، عندما اتصلت كلينتون بالأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، فأغلق الخط في وجهها بسبب أحداث البحرين.

وهذه الرسائل المسربة جاءت على مسافة زمنية قصيرة من ظهور تسريب آخر يتحدث عن وثيقة تسمى “PSD-11 STRATEGY”، وهي الوثيقة التي وافق عليها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ووقّعها قبل بداية الانتفاضات العربية، ولا تزال هذه الوثيقة مصنّفة على أنها سرّية. وقالت تقارير إعلامية إن الوثيقة أشبه بخطّة مقترحة تشجع على تمكين الإخوان من حكم المنطقة العربية بوصفها قوى معتدلة، يمكن التفاهم معها غربيا، وتطويرها وفك انسداد الحالة العربية قبل أن تنفجر في وجه العالم على شكل إرهاب عابر وفوضى عارمة.

فجأة اضطرت الدول المعتدلة في المنطقة أن تواجه الولايات المتحدة وهي تقلب ظهر المجن، وسط عاصفة هوجاء من الثورات التي تحولت إلى بؤر صراع، تنكّرت واشنطن لروابط الاستقرار في المنطقة، وبلغت بعض المواجهات بينها وبين بعض العواصم العربية، التي تماسكت حتى تنجلي العاصفة، وعلى رأسها الرياض، درجة من الاحتكاك والغضب، لكنها ربحت الرهان، وربحت الخروج من عنق الفوضى بأقل الخسائر.

لم تسلم المنطقة تماما من ثقوب تملأ جدار التاريخ، لكنها حافظت على الحد الأدنى من مكتسبات الاستقرار، ونفي عناصر التخريب، وإقصاء مشاريع الاختراق الإقليمي التي أطلقتها كل من أنقرة وطهران، وأعادت التوازن إلى ميزان التنافس، وأمنت سلامة المنطقة وخروجها من النفق المظلم والمصير المجهول الذي كان يتربّص بها.



الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...