يحوز مشهد تطبيع العلاقات بين دول خليجية وإسرائيل على كل عنوان آخر في المنطقة، وهو مشهد مفتوح على تطورات مستمرة، في ظل وعود بانضمام المزيد إلى صفقات السلام المرتقبة كما يصرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتؤشر إليه بوضوح الأخبار والتحليلات بين الفينة والأخرى.
تشعر طهران وكأنها المعنيّة بهذا الحراك الدبلوماسي الكبير الذي تشهده المنطقة. تطلق أعيرة التهديدات وتنذر بعصر من الخراب وكأنها لم تبدأ به فعلا منذ أربعين عاما.
ومثلها تفعل قطر وتركيا، أكثر الأطراف حماسا ودأبا على إثارة الجماهير وإعلان الرفض والتشنيع بالخطوة، وتشويه صورة العواصم الخليجية التي اختارت بمحض إرادتها أن تتوجه إلى هذا القرار، رغم أن الدوحة مقبلة راغبة أو مرغمة على تبني قرار التطبيع مع إسرائيل، ربما لتدارك الورقة التي كانت تلوّح بها في العاصمة الأميركية وتستخدمها لتخفيف الضغوط عليها، كما قال مرة مهندس تعويم السلوك القطري وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم.
طهران تشعر وكأنها المعنيّة بهذا الحراك الدبلوماسي الكبير الذي تشهده المنطقة. تطلق أعيرة التهديدات وتنذر بعصر من الخراب وكأنها لم تبدأ به فعلا منذ أربعين عاما.
المكون الفلسطيني غائب تماما عن المشهد، فالانسداد في أفق الحلول المحلية أحبط آخر المتفائلين بحدوث فرق على أيديهم. أقصى ما فعلته المكونات الفلسطينية هو اختيار عاصمة جديدة تحتضن مصالحة أخرى تسجل في قائمة المصالحات الفاشلة، وهي بالمناسبة أنقرة التي تمثل واحدة من أعمدة الاستقطاب الذي يُفشل حالة السياسة في المنطقة أكثر مما يساعد في نجاحها. وهذا يكفي لتوقع المآلات المحتملة.
تحتاج القضية الفلسطينية إلى الجرأة والابتكار في الحلول وسياقات العمل الواقعي. انسداد الأفق لعقود تسبب في انصراف الدول إلى مصالحها القومية ورعاية ما يحفظ سيادتها، انخفض وهج القضية، واضمحلت الكثير من المحظورات تحت سياط التحديات الطارئة التي أثرت على سلم الأولويات، ولا يمكن التعويل على جمود القضية عند النقطة التي توقفت عليها بانتظار من يحرك المياه، أو انتظار وصول مخلص.
سجلت خطوات الاتفاق بين دول خليجية وإسرائيل اختراقا لحالة الركود في المنطقة، وسيكون مردودها في المقام الأول على الدول نفسها بتطوير هذه الاتفاقات إلى نتائج سياسية واقتصادية ولوجستية، ولن يضيف أو ينقص من واقع القضية الفلسطينية قيد أنملة، إذ لم تفعل ذلك اتفاقات السلام السابقة لأسباب مختلفة، ورغم تمسك كل من أبوظبي والمنامة بحقوق الفلسطينيين وعلى رأسها دولة مستقلة، لكن هذا لم يكن كافيا لوقف خطاب التخوين وشلال الإساءات الذي تنبري له المكونات الفلسطينية بلا هوادة في كل مرة، ثم تثوب لرشدها وتعيد تشغيل اتصالها بنفس العواصم بعد أن تهدأ هوجة الغضب الشعبوي الأعمى.
تعليقات
إرسال تعليق